التخطي إلى المحتوى

نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز

عمرو جوهر – كاتب صحفي مقيم في واشنطن

تعدّ الانتخابات الرئاسية الأمريكية حجر الزاوية في الديمقراطية الأمريكية، فهي حدث يمنح المواطنين الفرصة المثالية لتشكيل مستقبل بلادهم، ومع ذلك، بالنسبة للعديد من الناخبين، غالبا ما تبدو هذه العملية كأنها معضلة شاقة، عالية المخاطر.

ومع امتداد الحملات الانتخابية لأشهر أو حتى سنوات، يجد الناخبون أنفسهم غارقين في الحملات السلبية، واستقطاب وسائل الإعلام، والشعور بأنهم يختارون بين مرشحين معيبين، بدلا من تأييد زعيم يمثّل قيمهم بصدق.

وفي وقت من الانقسام السياسي المتزايد والتشرذم الإعلامي، أصبحت عملية صنع القرار أكثر تعقيدا، مما دفع العديد إلى الشعور بأنهم محاصرون في موقف خاسر.

أحد أهم العوامل، التي تسهم في إحباط الناخبين أثناء الانتخابات الرئاسية، هو طبيعة الحملات الانتخابية الحديثة، فبدلا من التركيز على المناقشات البناءة ومقترحات السياسات، غالبا ما تتدهور الحملات لتصل للتشهير والهجمات الشخصية.

في كثير من الأحيان، يركّز المرشحون على عيوب خصومهم، بدلا من رؤيتهم الخاصة للمستقبل، وتخلق هذه الحملة السلبية بيئة لا يتم فيها تشجيع الناخبين على التعامل مع القضايا، بل يقعون بدلا من ذلك في دوامة من الفضائح وتكتيكات التشهير والمبالغة.

على سبيل المثال، خلال انتخابات عام 2020، بين دونالد ترامب وجو بايدن، كان الخطاب يهيمن عليه بشكل كبير اتهامات الفساد وعدم الكفاءة، وحتى اللياقة العقلية.

أمضى كل من المرشحين ونائبيهم وقتا طويلا في مهاجمة شخصية ونزاهة خصومهم، مما أدى إلى شعور عام بخيبة الأمل بين العديد من الناخبين. عندما تركز الحملات في المقام الأول على تشويه سمعة المرشح الآخر، يُترك الناخبون مع القليل من المعلومات حول كيفية تخطيط أي من المرشحين للحكم، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرار مستنير، والنتيجة غالبا ما تكون شعورا بأن أيا من المرشحين لا يستحق المنصب حقا.

يزيد الاستقطاب الإعلامي من تعقيد عملية التصويت، من خلال تقديم تغطية متحيزة، تعزز الانقسامات الحزبية القائمة.

مع صعود قنوات الأخبار، التي تبث على مدار الساعة، ومنصات الأخبار عبر الإنترنت، يغرق الناخبون في المعلومات، وكثير منها تتم تصفيته من خلال عدسات حزبية.

تقدم الشبكات المحافظة، مثل “فوكس نيوز”، والمنافذ الليبرالية مثل “إم إس إن بي سي” أو “سي إن إن”، روايات متناقضة حول نفس الأحداث، وغالبا ما تسلط الضوء على نقاط ضعف أحد المرشحين، بينما تقلل من نقاط ضعف الآخر أو تبرّرها.

تعمل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعطي الأولوية للمحتوى الذي يولد المشاركة، على تضخيم هذه الانقسامات، من خلال عرض الأخبار والآراء للمستخدمين التي تتوافق مع معتقداتهم الحالية، وهذا يخلق غرف صدى، إذ نادرا ما يواجه الناخبون وجهات نظر متعارضة، وأقل ميلا إلى النظر في وجهات نظر بديلة.

بالنسبة إلى الناخب العادي، يجعل هذا المشهد الإعلامي من الصعب للغاية التمييز بين الحقائق الموضوعية والتحريف الحزبي، بدلا من تلقي معلومات متوازنة، يمكن أن تساعدهم في اتخاذ قرار مستنير، يُترَك العديد من الناخبين بفهم مشوّه لكلا المرشحين.

وهذا يسهم في الشعور بالإحباط واللامبالاة الذي يبتلي العديد من الانتخابات، إذ يضطر الناخبون إلى الاعتماد على معلومات مجزأة ومتحيزة عند اتخاذ قرارهم.

إن نتيجة الحملات الانتخابية السلبية والاستقطاب الإعلامي هي أن العديد من الناخبين يشعرون بأنهم محاصرون في معضلة بين مرشحين غير جذابين، على حد سواء.

ومن الشائع أن نسمع الناخبين يعبّرون عن إحباطهم، بسبب إجبارهم على اختيار “الأقل شرا”، لا يمثل أي من المرشحين قيمهم بشكل كامل، ولا يبدو قادرا على معالجة القضايا الملحة في البلاد، ومع ذلك يجب اختيار أحدهم.

هذا الشعور بالاستسلام، يقلل من الحماس، ويقوض الغرض ذاته من العملية الديمقراطية.

كانت هذه الظاهرة واضحة بشكل خاص في انتخابات عام 2016، بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، كان كلا المرشحين شخصية شديدة الاستقطاب، مع تقييمات سلبية كبيرة.

أعرب العديد من الناخبين عن استيائهم من كلا الخيارين، لكنهم شعروا بأنهم مجبرون على التصويت لأحدهما ببساطة، لمنع الآخر من الفوز.

بدلا من الإدلاء بأصواتهم من منطلق الدعم أو التفاؤل بالمستقبل، فعلوا ذلك على مضض، مدفوعين بالخوف من البديل. وقد استمرت هذه المشاعر في الانتخابات اللاحقة، مما أسهم في تزايد خيبة الأمل في النظام السياسي ككل.

لقد أصبحت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي كانت ذات يوم رمزا للمشاركة الديمقراطية والتمكين، مصدرا للإحباط وخيبة الأمل بالنسبة للعديد من الناخبين.

فالحملات الانتخابية السلبية، واستقطاب وسائل الإعلام، والافتقار إلى المرشحين الجذابين، كل هذا يخلق بيئة، يشعر فيها الناخبون بأنهم محاصرون.

وفي نهاية المطاف، تعمل هذه الديناميكية على تآكل نزاهة العملية الديمقراطية، مما يترك الناخبين غير متحمسين للنتيجة، بغض النظر عمن يفوز.

وهو تذكير صارخ بأن الديمقراطية، على الرغم من أهميتها، يمكن أن تكون معيبة إلى حد كبير، خاصة عندما تفشل الخيارات المقدمة للناخبين في إلهام الثقة أو الأمل في المستقبل.