عبر تطبيق
منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين حتى العدوان الأخير على قطاع غزة، كان دور الولايات المتحدة واضحًا فى تقديم الدعم الكامل لإسرائيل على الأصعدة كافة، بما فيها الدبلوماسى والعسكري، وهو ما تَكَشَّف بشكل فج لا يمكن إغفاله فى الحرب التى لم تضع أوزارها منذ أكثر من عام، ما أظهر تورطًا مباشرًا وصريحًا لأمريكا فى مآسٍ لا حصر لها.
حيث تروى أنقاض القرى والمخيمات المدمرة والدماء المتناثرة والجثث المتحللة لعائلات مُحِيَت بأكملها تفاصيل أكثر إيلاما من حصرها فى سطور أو لقطات مصورة.
وفى هذا السياق؛ أعد الكاتب جيمس بامفورد تقريرًا فى مجلة “ذى نيشين” روى فيه عن الحوادث المأساوية التى وقعت فى غزة، حيث استُخدمت أسلحة أمريكية الصنع فى هجمات أدت إلى مقتل عائلات بأكملها.
يستعرض التقرير قصة عائلة فلسطينية حاولت الفرار من القصف الإسرائيلى فى منطقة تل الهوى، حيث تعرضت للهجوم رغم محاولاتها الاحتماء فى محطة وقود.
استشهد أفراد العائلة بعد هجوم كثيف من دبابة إسرائيلية، وسجلت الأدلة إطلاق عشرات الطلقات خلال ثوانٍ قليلة.
وعلى الرغم من محاولة الهلال الأحمر الفلسطينى إرسال سيارة إسعاف، تأخر التدخل بسبب قيود فرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تفاقم المأساة.
التحقيقات أشارت إلى أن قوات الاحتلال كانت قادرة على رؤية وجود الأطفال داخل السيارة، مما يثير تساؤلات حول نية الهجوم.
بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، تم العثور على جثث أفراد العائلة وقد تحللت، فى حادثة توثق حجم العنف الذى تعرضت له غزة باستخدام أسلحة ثقيلة.
كان العنصر الأساسى فى الأحداث هو نوع الذخيرة المستخدم فى الهجمات، حيث عُثر على شظية مدفعية بعيار ١٢٠ ملم، وهى مصممة أصلًا لتدمير الدبابات، وليس لمهاجمة سيارات الإسعاف.
الرقم التسلسلى والعلامات المميزة لهذه الذخيرة أشارت إلى منشأها، وهو مصنع الذخيرة الكبير فى ولاية أيوا، فى منطقة ميدلتاون، حيث تُديره شركة مقاولات دفاعية تدعى «أمريكان أوردينانس»، التى تعتبر فرعًا لشركة دفاعية أكبر تدعى «داى آند زيمرمان».
هذا المصنع، الذى يمتد على مساحة شاسعة، هو واحد من العديد من المنشآت التى تساهم فى تسليح إسرائيل.
ورغم وجود أدلة توضح تورط هذه الشركات فى تزويد إسرائيل بالأسلحة، لم تتعرض لأى تداعيات قانونية فى الولايات المتحدة، وهذا يأتى برغم أن سياسة نقل الأسلحة للإدارة الأمريكية تهدف إلى ضمان استخدامها وفقًا للمعايير الدولية.
كما يُفترض أن قانون ليهى يمنع تقديم أى دعم لوحدات عسكرية أجنبية ضالعة فى انتهاكات حقوقية.
تقرير صادر عن جامعة براون، وبالتحديد من معهد واتسون، أوضح حجم الأموال التى أنفقتها الولايات المتحدة على المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ بدء النزاع فى أكتوبر ٢٠٢٣.
بلغ الإنفاق ما لا يقل عن ٢٢.٧٦ مليار دولار من أموال دافعى الضرائب، مما يشمل معدات حيوية مثل قطع الغيار الخاصة بالدبابات والقنابل ذات القدرة التدميرية العالية التى استُخدمت فى مهاجمة المنازل والمخيمات. هذا التمويل يشمل أيضا قذائف مضادة للدبابات وجرافات قُدمت لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
وفى الربع الأول من عام ٢٠٢٤، صادقت الإدارة الأمريكية على ما يزيد عن ١٠٠ صفقة تسليح لصالح إسرائيل، أى ما يعادل صفقة كل يوم ونصف تقريبًا، وهو ما يعنى استمرار الدعم لصناعة الأسلحة الأمريكية، مثل مصنع «ماكاليستر» فى أوكلاهوما، المتخصص فى إنتاج القنابل الكبرى.
المصنع يشغل مساحة واسعة تتعدى ٧٠ ميلًا مربعًا، وهى أكبر من مساحة العاصمة الأمريكية. ومن ضمن إنتاجه قنابل ضخمة تُعرف بوزنها الثقيل، تصل إلى ٢٠٠٠ رطل، وهى من إنتاج شركة «جنرال ديناميكس».
بعد بدء العمليات العسكرية فى أكتوبر ٢٠٢٣، أرسلت وزارة الدفاع الأمريكية ما يزيد عن ١٤ ألف قنبلة من هذا النوع لاستخدامها فى مناطق سكانية مكتظة مثل غزة.
القنبلة المعروفة باسم «MK-٨٤» تعتبر واحدة من أكثر الأسلحة فتكًا، بفضل قوتها التدميرية الكبيرة، حيث إن وزنها يعادل أربعة أضعاف أكبر القنابل التى استخدمتها الولايات المتحدة فى مناطق مثل سوريا والعراق ضد تنظيم داعش الإرهابي.
فى عام ٢٠١٤، ألقت قوات الاحتلال الإسرائيلى أكثر من ٥٠٠ قنبلة من طراز «MK-٨٤»، مع تخصيص حوالى ٤٠٪ من هذه الضربات لمناطق مأهولة بالسكان كانت قد صنفتها إسرائيل كمناطق «آمنة».
وخلال الأسابيع الستة الأولى من الصراع الأخير، استُخدمت القنابل التى تزن ٢٠٠٠ رطل أكثر من ٢٠٠ مرة.
ووفقًا لتقرير أعدته الأمم المتحدة، فإن الذخائر الأمريكية الثقيلة سقطت على مبانٍ سكنية ومدارس وأسواق ومخيمات للاجئين فى مناسبات متعددة، مما أدى إلى سقوط ٢١٨ قتيلًا على الأقل.
وترجح الأمم المتحدة أن تكون حصيلة الضحايا أعلى بكثير مما تم تسجيله.
منظمات حقوقية رصدت هجومًا على مخيم جباليا المكتظ بالسكان، نُفذ باستخدام نوع مُعدل من هذه القنابل المعروفة باسم «GBU-٣١».
تحقيق أجرته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أكد أن الهجوم لم يكن له مبرر عسكرى واضح، لكن هذا لم يمنع استمرار استخدام هذه الأسلحة فى الهجمات.
لأكثر من عام، تُواصل القنابل الأمريكية التسبب فى مآسٍ، إذ سقطت أسلحة تحمل شعار «صنع فى الولايات المتحدة» على المدنيين فى غزة، مخلفةً عشرات الآلاف من القتلى، بينهم أكثر من ٤٢،٠٠٠ شخص ومئات الآلاف من المصابين.
هذا الاستخدام المكثف للأسلحة، الذى تسبب فى تدمير واسع، يُلقى الضوء على تورط واشنطن فى هذه الأحداث المأساوية.
نتابع معا الان اخبار