تتزامن الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع واحدة من أعظم نقاط التحول العلمية فى تاريخ البشرية وهي «ولادة الذكاء الاصطناعي»، والذى من المرجح أن يظهر فى السنوات الأربع المقبلة وسيتطلب من الرئيس الأمريكى القادم أن يجمع تحالفًا عالميًا لإدارة أجهزة الكمبيوتر بشكل منتج وآمن ومتوافق، والتى ستمتلك قريبًا عقولًا خاصة بها متفوقة على عقول البشر، بحسب ما يرى الكاتب توماس فريدمان. ويشير الكاتب بصحيفة «نيويورك تايمز» أن المرشح الرئاسى دونالد ترامب، الذى أهمل حتى تعيين مستشار علمى حتى بعد أكثر من ثمانية عشر شهرا من توليه الرئاسة قبل ذلك، غير مؤهل فكريا ومزاجيا لتجميع مثل هذا التحالف العالمي.
فقد سارعت إدارته إلى إيجاد لقاح لكوفيد 19 بيد واحدة، ثم عززت الشكوك حول استخدامه باليد الأخرى عندما واجهت رد فعل عنيف من المحافظين المناهضين للقاحات.
أولويات ترامب وهاريس
ويشير الكاتب إلى أن الأولوية الأولى لترامب اليوم ليست الاستفادة من الفرص الهائلة التى ستأتى من زيادة أمريكا فى استخدام الذكاء الاصطناعى العام أو بناء تحالف عالمى لحكمه، بل فرض تعريفات جمركية أعلى على حلفائها لمنع صادراتهم من السيارات والألعاب وغيرها من السلع إلى الولايات المتحدة.
ويبدو أن التكنولوجيا الوحيدة التى يهتم بها ترامب بشدة هى تكنولوجيا الحقيقة الاجتماعية، وهى نسخته الخاصة من الذكاء الاصطناعي. والواقع أن ترامب، بما أنه وصف نفسه بأنه «عبقرى مستقر للغاية»، ربما يشك فى وجود ذكاء اصطناعى أعظم من ذكائه.
إن كامالا هاريس، نظرًا لخلفيتها فى إنفاذ القانون، وارتباطاتها بوادى السيليكون والعمل الذى قامت به بالفعل فى مجال الذكاء الاصطناعى فى السنوات الأربع الماضية، قادرة على مواجهة هذا التحدي، وهذا هو السبب الرئيسى وراء تأييد البعض لها للرئاسة.
الذكاء الاصطناعى والحملات الانتخابية
ومع ذلك، فإن إحدى غرائب حملة الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٤ هى أنها تزامنت مع ازدهار الذكاء الاصطناعى العام المتعدد التخصصات، والذى من شأنه أن يغير كل شيء تقريبا، ولكن تم تجاهله إلى حد كبير.
والسبب فى ذلك أن الذكاء الاصطناعى المتعدد المعارف ليس أكثر ذكاءً من البشر فى مجال واحد فحسب. بل إنه سوف يتقن فى الوقت نفسه الفيزياء والكيمياء والأحياء وعلوم المواد والرياضيات والطب وعلم الفلك وشكسبير وتاريخ الفن ومجموعة من المجالات الأخرى بشكل أفضل من أى إنسان على الإطلاق.
وسوف يكون قادرًا على رؤية الأنماط المشتركة بين كل هذه المجالات بطرق لم يستطع أى إنسان على الإطلاق أن يفعلها، وبالتالى فإنه قادر على طرح الأسئلة وتقديم الإجابات التى لم يستطع أى إنسان على الإطلاق أن يفعلها.
ولكن العواقب المترتبة على التعليم والوظائف والابتكار والرعاية الطبية والوفرة الاقتصادية وتمكين الأفراد التى سيجلبها الذكاء الاصطناعى لم تظهر فى المناظرات الرئاسية أو بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس أو فى أى من اجتماعات المجالس البلدية التى قرأت عنها. وكأن السيارة اخترعت للتو، وأن المراسلين والمرشحين يفضلون الاستمرار فى مناقشة مستقبل الخيول، بحسب «فريدمان». ويرى ريج موندي، كبير مسئولى الأبحاث والاستراتيجية السابق فى مايكروسوفت، والذى لا يزال يقدم المشورة للشركة، أن الأجهزة والبرامج التى تحرك الذكاء الاصطناعى تقودها شركات أمريكية، لكنها تتحسن بشكل أسرع مما كان متوقعا فى الأصل.
ويقول موندي: «من الممكن تماما أن نحقق ذكاء اصطناعيا عاما متعدد المعارف فى غضون السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة»، لذلك فمن المرجح أيضا أن يضطر رئيسنا القادم، وبالتأكيد الذى يليه، إلى التعامل مع التغيرات المجتمعية الأساسية التى سوف تنجم عن ذلك.
نهج هاريس
تريد كامالا هاريس أن تبقى الولايات المتحدة رائدة فى تطوير التقنيات الجديدة. وقالت فى بيان لها إن ذلك من شأنه «أن يعزز الابتكار والقدرة التنافسية، وحماية العاملين والمستهلكين مع تقدم التكنولوجيا، وتطوير قوة عاملة ماهرة فى مجال الذكاء الاصطناعي». وتتخذ هاريس نهجًا مختلفًا، ولكنها تستند إلى التعهدات الواردة فى الأمر التنفيذى الذى فرضه الرئيس جو بايدن.
وتقترح هاريس «استثمارًا تاريخيًا لدعم الأمن الوطنى والاقتصادى من خلال التأكد من أن الولايات المتحدة -لا الصين- تتصدر فى مجال الذكاء الاصطناعى من خلال توسيع نطاق الموارد الوطنية لأبحاث الذكاء الاصطناعى وجعلها موجودة بصفة دائمة، أى أن تكون هناك بنية تحتية بحثية مشتركة تهدف لمنح الشركات الناشئة والباحثين إمكانية الوصول إلى الحوسبة والبيانات والأدوات التحليلية على أعلى مستوى، لزيادة الاكتشافات والابتكارات ذات الأهمية والمسؤولية فى مجال الذكاء الاصطناعي».
وقال دانيال شنور أستاذ التعلم الآلى فى جامعة ريغنسبورغ بألمانيا لـ«يورونيوز»: «إن هاريس من المرجح أن تبقى على المسار الحالي». وأضاف: «أتوقع أن تكون إدارة هاريس أكثر نشاطًا فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعى مقارنة بترامب، وعلى النقيض من ذلك، سيؤدى فوز ترامب إلى المزيد من عدم اليقين بالنسبة لمقدمى خدمات الذكاء الاصطناعي».
نتابع معا الان اخبار