التخطي إلى المحتوى

نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز

تتوالى أصداء فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأمريكية، بينما تبدأ اختبارات قدراته على حل النزاعات الدولية، التي نسبَ الفشل في حلها إلى إدارة سلفه الديمقراطي، جو بايدن.

أولى هذه الاختبارات تظهر في الشرق، وتحديدًا في أوكرانيا، التي تشعر بأنها تُركت لمواجهة روسيا بمفردها في وقت حساس للغاية، مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض. وهو صاحب استراتيجية “أمريكا أولًا”، الذي شدد مرارًا على أن الولايات المتحدة لن تقدم دعمًا لأي من حلفائها دون مقابل، بما في ذلك أوكرانيا نفسها.

خلال حملته الانتخابية، أكد ترمب أنه قادر على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا “في يوم واحد”. ورغم أنه لم يكشف عن تفاصيل الصفقة التي قد يقدمها لروسيا مقابل إنهاء الحرب، إلا أنه ربما كان يشير إلى علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقدرته على إعادة العلاقات الأمريكية الروسية إلى مرحلة التفاوض، بعد سنوات من الجمود وتدهور العلاقات، خاصة مع اندلاع الحرب في أوكرانيا تحت إدارة بايدن.

لا شك أن روسيا تفضل ترمب على بايدن. ولكن، هل ستكون مستعدة لتقديم تنازلات؟

كيف رأى الروس فوز ترمب؟

صحيفة “واشنطن بوست” ركزت على ردود الفعل الروسية على انتخاب ترمب لفترة رئاسية ثانية، حيث كتب ألكسندر دوغين، المنظر الروسي الذي دفع منذ فترة طويلة بأجندة إمبريالية لروسيا، معلقًا على منصة “إكس”، بـ “لقد انتصرنا.. لن يكون العالم كما كان من قبل. لقد خسر أنصار العولمة معركتهم النهائية”.

كما علّق كونستانتين مالوفييف، الملياردير الأرثوذكسي الروسي الذي مول أجندة محافظة تروج للقيم المسيحية التقليدية في أقصى اليمين وأقصى اليسار في جميع أنحاء الغرب، فقال: “إذا حكمنا من خلال خطاب ما قبل الانتخابات… الفريق الجمهوري لن يرسل المزيد والمزيد من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين إلى فرن الحرب بالوكالة ضد روسيا.. بمجرد أن يتوقف الغرب عن دعم نظام زيلينسكي، فإن سقوطه سيحدث في غضون أشهر، إن لم يكن أيامًا”.

وقال الرئيس الروسي السابق، ديمتري ميدفيديف، يوم الأربعاء، إن فوز ترمب سيكون على الأرجح خبرًا سيئًا لأوكرانيا التي تعتمد على واشنطن كأكبر داعم عسكري لها.وأضاف: “ترمب لديه ميزة واحدة مفيدة بالنسبة لنا: كرجل أعمال حتى النخاع، هو يكره بشدة إنفاق الأموال على مختلف الشماعات”.

مرحبًا بترمب.. ولكن

ومع ذلك، فإن روسيا لا تزال ترى الولايات المتحدة كدولة معادية. ففي تصريحه تعليقًا على فوز ترمب، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين: “دعونا لا ننسى أننا نتحدث عن دولة غير صديقة، تشارك بشكل مباشر وغير مباشر في حرب ضد دولتنا (في أوكرانيا).. الوقت وحده كفيل بإثبات ما إذا كانت تصريحات ترمب بشأن إنهاء الحرب الأوكرانية ستترجم إلى واقع”.

وأضاف: “لقد قلنا مرارًا وتكرارًا إن الولايات المتحدة قادرة على المساهمة في إنهاء هذا الصراع. لا يمكن القيام بذلك بين عشية وضحاها، ولكن الولايات المتحدة قادرة على تغيير مسار سياستها الخارجية. هل سيحدث هذا؟ وكيف؟ سنرى بعد (تنصيب الرئيس الأمريكي في) يناير”.

وقد أكدت هذا الموقف تصريحات بوتين نفسه، الذي قال اليوم الخميس، إن العالم يشهد تشكل نظام عالمي جديد، وإن الشعوب بدأت تدرك مصالحها، مشيرًا إلى أن الصراع ليس مجرد صراع على السلطة، بل هو صراع على مبادئ العلاقات بين الدول والشعوب، مضيفًا أن دعوات الغرب لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وهي قوة نووية كبرى، تظهر نزعة مغامرة متطرفة، وأنه مستعد لإجراء محادثات، و”لكن يجب قبول مكاسب روسيا الإقليمية ومطالبها”.

نقلت “سويس إنفو” عن مسؤولين روس مقربين من بوتين قبل الانتخابات أن فوز ترمب لن يحدث فارقًا كبيرًا بالنسبة لموسكو، وإن كانت تراه أمرًا إيجابيًا. وهو ما أوضحته وزارة الخارجية الروسية، حين صرحت بأن موسكو ليس لديها أوهام بشأن ترمب، وأن لا تشك في الموقف المناهض لها بين الحزبين الأمريكيين، وأنها من هذا المنطلق “ستدافع بشراسة عن المصالح الوطنية الروسية، وتركز على تحقيق جميع الأهداف المحددة للعملية العسكرية الخاصة (في أوكرانيا).. ظروفنا لم تتغير ومعروفة جيدًا في واشنطن”.

أوكرانيا غير الواثقة في ترمب

على الجانب الآخر، غرقت أوكرانيا في الكآبة وعدم اليقين بعد فوز ترمب، وهي تدرك تمامًا أنه من المرجح أن ينهي المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا. وهو ما ظهر جليًا في رسالة تهنئة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لنظيره الأمريكي المنتخب، والتي بدت كخطاب تذكير بالوعود الأمريكية لأوكرانيا أكثر من كونها تهنئة.

كتب “زيلينسكي”، عبر “إكس“: “تهانينا للرئيس دونالد ترمب على فوزه الانتخابي المثير للإعجاب! أتذكر اجتماعنا الكبير في أيلول، عندما ناقشنا بالتفصيل العلاقات بين أوكرانيا والولايات المتحدة، وخطة النصر وسبل وضع حد للعدوان الروسي على أوكرانيا. إنني أقدر التزام الرئيس ترمب بنهج السلام من خلال القوة في الشؤون العالمية. إننا نتطلع إلى حقبة من الولايات المتحدة الأمريكية القوية تحت القيادة الحاسمة للرئيس ترمب. نحن نعتمد على استمرار الدعم القوي من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) لأوكرانيا. إنني أتطلع إلى تهنئة الرئيس ترمب شخصيًا ومناقشة سُبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية لأوكرانيا مع الولايات المتحدة”.

تقول صحيفة “الجارديان” البريطانية، في تقرير خاص، إن رئاسة ترمب الثانية قد تضع أوكرانيا في موقف صعب في ظل تقدم روسيا السريع على ساحة المعركة منذ عام 2022. وتضيف أنه في حال غياب الدعم العسكري الأمريكي، فإن أوكرانيا قد تفقد المزيد من الأراضي في إقليم دونيتسك، الذي شهد معارك عنيفة منذ غزو روسيا الشامل قبل نحو ثلاث سنوات، فضلًا عن العديد من المناطق الأخرى على خطوط المواجهة.

في تعليقها على الانتخابات الأمريكية، قالت أوريسيا لوتسيفيتش، رئيسة منتدى أوكرانيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث، إن فوز ترمب قد يُعد “هدية للكرملين”، ما لم يتمكن زيلينسكي من إقناعه برؤيته الخاصة.

كما انتقدت يوليا مندل، السكرتيرة الصحفية السابقة لزيلينسكي، كل من ترامب وكامالا هاريس، مشيرة إلى أنه “لا أحد منهما قدّم فوزًا واضحًا لأوكرانيا”. وأضافت أن الحرب قد “تقوض باطراد أساس الأمة الأوكرانية”، واقترحت أن وقف إطلاق النار قد يكون أفضل أمل على المدى القريب.

ماذا تبقى لأوكرانيا؟

مع كل هذه الإرهاصات، لا يبدو أمام الأوكرانيين مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض سوى ما قدمه مساعدو الرئيس الأمريكي سابقًا من فكرة “اتفاق سلام” قد يشمل منح روسيا السيطرة على المناطق الشرقية من أوكرانيا وتجميد خط المواجهة الحالي، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها روسيا في عام 2014.

هذا رغم ما أعلنه زيلينسكي في مايو الماضي، من أنه لا يمكن قبول “إنذار” روسي يطالب أوكرانيا بالتخلي عن تكاملها مع أوروبا وعضويتها المستقبلية في حلف شمال الأطلسي.

ويؤكد الخبراء العسكريون، الذين استطلعت “الجارديان” آراءهم، أن روسيا قد تستغل تفوقها بالأرقام على ساحة المعركة في حال ضغط ترمب لتسوية سريعة للحرب في أوكرانيا. ومن المحتمل أن تطرح مطالبها الخاصة في أي مفاوضات محتملة بوساطة ترمب، بما في ذلك مطالبة أوكرانيا بتسليم مناطق مثل زابوريزهزهيا وخيرسون، وهو أمر يُعد غير مقبول لكييف وغالبية الأوكرانيين. كما أنه يمثل تحديًا كبيرًا للرئيس الأمريكي الذي وعد خلال حملته بإنهاء الحرب “في غضون يوم واحد”.