نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز
الدكتور ديميتري بريجع
مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، محلل سياسي وباحث في الشأن السياسي الروسي، حاصل على بكالوريوس
مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، أصبحت العلاقات الروسية الأمريكية موضوعًا حاسمًا يستدعي التحليل العميق والتوقعات المستقبلية؛ يتمحور الاهتمام الدولي الآن حول مدى قدرة ترامب على إعادة بناء جسور الثقة بين موسكو وواشنطن، خاصةً بعد فترة من التوترات المتصاعدة والتحديات السياسية والاقتصادية التي أحاطت بالعلاقات بين البلدين.
يدعو الوضع الراهن إلى فتح قنوات دبلوماسية جديدة وإيجاد حلول مبتكرة للنزاعات الإقليمية، وعلى رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية، التي تُعد واحدة من أبرز ملفات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه روسيا.
تعتبر إدارة ترامب المرحلة المقبلة فرصة تاريخية لإعادة رسم ملامح العلاقات الدولية، بعيدًا عن سياسات المواجهة التقليدية التي اتسمت بها الإدارات السابقة.
وبالنظر إلى أن خطة ترامب تجاه أوكرانيا تتضمن تجميد النزاع وتقديم تنازلات متبادلة، فإن هذه الخطة قد تشكل نقطة انطلاق لتخفيف حدة التوترات وخلق بيئة مواتية للحوار والتعاون المشترك.
من خلال هذه الرؤية، يمكن استشراف مستقبل أكثر استقرارًا للعلاقات الروسية الأمريكية، يقوم على أساس المصالح المشتركة وإعادة صياغة التوازنات الإقليمية.
– خطة ترامب تجاه أوكرانيا
تجميد الحرب وضمان السيطرة الروسية على 20% من الأراضي الأوكرانية
أولى خطوات خطة ترامب لحل الأزمة الأوكرانية تمثلت في تجميد النزاع المستمر بين روسيا وأوكرانيا. كان هذا التجمد يعني فعليًا الاعتراف بسيطرة روسيا على حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية، وهي المناطق التي ضمّتها روسيا بعد النزاع.
يعتبر تجميد الحرب جزءاً أساسياً من استعادة الاستقرار وتخفيف الأعباء الإنسانية الناجمة عن استمرار القتال. تُشير الدراسات الأكاديمية إلى أن تجميد النزاعات غالبًا ما يشكل الخطوة الأولى نحو التوصل لحل مستدام، إذ يتيح للأطراف فرصة لتقييم مواقفهم وتجاوز حالة التصعيد المستمر.
أحد التحديات الرئيسية أمام هذا المقترح هو مدى قبول المجتمع الدولي لتجميد النزاع دون معالجة مسألة السيادة الوطنية لأوكرانيا. وتشير الأدبيات الأكاديمية إلى أن هذا النوع من الحلول قد يؤدي في بعض الأحيان إلى تجميد الصراع بشكل مؤقت، مما قد يخلق ظروفًا ملائمة لاستئناف القتال في المستقبل.
– التخلي المؤقت لأوكرانيا عن عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)
في خطوة نحو تخفيف التوترات بين روسيا والغرب، اقترحت إدارة ترامب أن تتخلى أوكرانيا مؤقتًا عن نيتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لمدة 20 عامًا. هذه الخطوة تهدف إلى إزالة واحد من أبرز دوافع الصراع، حيث ترى روسيا أن توسع الناتو باتجاه حدودها تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي.
تشير الأدبيات الأكاديمية إلى أن تجميد أو التخلي عن محاولات الانضمام إلى تحالفات عسكرية غالبًا ما يُستخدم كوسيلة لتهدئة الصراعات الإقليمية، لكن هذا الأمر يتطلب تقديم ضمانات قوية للأطراف المتضررة.
من وجهة نظر بعض المحللين، يمكن لهذه الخطوة أن تعطي روسيا نوعاً من الضمان بأن حدودها الغربية لن تكون محاطة بتحالف عسكري معادٍ. في المقابل، فإن التخلي عن عضوية الناتو يمكن أن يُضعف موقف أوكرانيا الإقليمي ويفقدها الدعم الدبلوماسي والعسكري الذي يُعتبر عامل ردع أمام أي تحركات عدائية مستقبلية.
– دعم الولايات المتحدة العسكري لأوكرانيا مقابل التخلي عن عضوية الناتو
في المقابل، تعهدت الولايات المتحدة بمواصلة دعمها العسكري لأوكرانيا، على الرغم من التخلي المؤقت عن عضوية الناتو. الهدف من هذا الدعم هو تمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها ومنع روسيا من القيام بعمليات هجومية مستقبلية. يتجلى هنا أن إدارة ترامب سعت لتحقيق نوع من التوازن بين الحفاظ على أمن أوكرانيا ومنع المزيد من التوسع الروسي، دون الدخول في التزامات رسمية قد تؤدي إلى تصعيد مباشر بين الناتو وروسيا.
– إدارة منطقة منزوعة السلاح بمسافة 1300 كيلومتر
تضمنت خطة ترامب إنشاء منطقة منزوعة السلاح يبلغ طولها حوالي 1300 كيلومتر، على أن تتولى كل من روسيا وأوكرانيا إدارة هذه المنطقة بشكل مشترك، دون تدخل مباشر من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو الولايات المتحدة. يشير هذا الاقتراح إلى محاولة تجنب المزيد من التدخلات الدولية التي قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع الميدانية. يرى العديد من الأكاديميين أن إقامة مناطق منزوعة السلاح يمكن أن يساعد في تقليل حدة التوترات ومنع تصاعد النزاعات، لكنه يتطلب التزاماً صادقاً من الجانبين وضمانات بعدم العودة إلى التصعيد.
الخلاصة، يمكن القول أن خطة ترامب تجاه أوكرانيا تُعتبر جريئة ومثيرة للجدل، حيث سعت لتحقيق توازن دقيق بين مصالح روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة. ركزت الخطة على تجميد النزاع وتقديم تنازلات من كلا الطرفين، بهدف فتح قنوات دبلوماسية وإعادة الاستقرار للمنطقة.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطة كان يعتمد بشكل كبير على مدى قبول الأطراف الأخرى، وخاصة الاتحاد الأوروبي، الذي لم يكن بالضرورة مشاركاً بشكل مباشر في صياغة هذه الخطة.