نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز
سعود النداح
باحث دكتوراة في سياسات الرعاية الاجتماعية وإدارة المؤسسات، مستشار اجتماعي.
في خضم حياتنا اليومية، نجد أنفسنا في سباق مستمر لتحقيق الأهداف والطموحات. نرسم صورًا كبيرة لمستقبلنا، ونظن أننا قادرون على التحكم بكل تفاصيل حياتنا، لكن في لحظات الصمت والتفكير العميق والإدراك، أعود لملخص تجربة قالها لي أحد الأشخاص ذات مرة: “الحياة أكبر مما نتصور، ونحن أقل مما نعتقد.”
هذه المقولة التي ألقت بظلالها على ذهني، حملت في طياتها حكم عميقة. فالحياة بكل تعقيداتها، ليست مجرد مجموعة من اللحظات المتسارعة التي نعيشها هي مليئة بالعناصر التي تفوق إدراكنا بكثير.
مهما حاولنا أن نسيطر على مفردات الحياة، سنجد أن هناك دائمًا ما هو خارج نطاق فهمنا. فالحياة أكبر من أن تُقاس بمقاييسنا الضيقة. تفاصيلها، أسئلتها، والأسرار التي تكشفها في كل مرحلة، تتجاوز تمامًا ما نعتقد أننا قادرون على فهمه. وكلما اعتقدنا أننا وصلنا إلى قمة الإدراك، نجد أنفسنا أمام أفق جديد لا نهاية له.
أما نحن، فبينما نركض وراء أهدافنا الطموحة، ننسى أحيانًا أن الإنسان بطبيعته محدود. في اللحظة التي نعتقد فيها أننا قادرون على إتقان كل شيء، نكتشف أننا جزء صغير من مشهد أكبر بكثير مما ندرك. نحن لا نملك القدرة على التحكم بكل شيء، ولا حتى على معرفة كل شيء. لكن هذا لا يعني أننا ضعفاء أو غير قادرين، بل يعني أن لدينا القدرة على التكيف والتسليم لما هو خارج إرادتنا.
قد نحتاج في بعض الأحيان إلى أن نبتعد عن السعي وراء المثالية وأن نعيش مع فكرة أن هناك أشياء أكبر منا، وأقوى من إرادتنا. والسلام الداخلي لا يأتي من محاولاتنا المستمرة للسيطرة على كل شيء، بل من تقبلنا لحدودنا وفهمنا أن الحياة ليست في متناول أيدينا بالكامل.
إن الحياة، بتعقيداتها، هي معلم عظيم لنا. كلما فهمنا أننا مجرد جزء من هذا الكون اللامتناهي، كلما ازداد تقديرنا للأشياء التي نملكها اليوم. لذا، بدلًا من السعي خلف تحقيق كل شيء على أكمل وجه، لنتعلم الرضا والقبول بما هو موجود. فلنعيش الحياة بأبعادها الواسعة، ونتقبل كل ما تحمله لنا من دروس.
نحن جزء من الحياة، وليست هي جزءًا منا، فالحياة أكبر مما نتصور، ونحن أقل مما نعتقد، ولعل في هذه الحقيقة يكمن سر السلام الداخلي والرضا والتقبل لما نحن عليه.