نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز
د. بندر الجعيد
أكاديمي وكاتب اقتصادي
عالم العملات المشفرة كان يترقب نتائج الانتخابات الأمريكية بفارغ الصبر، بل أن البورصات والشركات التي تعمل في الصناعة جمعت مايقارب ١٧٠ مليون دولار لدعم المرشحين الذين يتبنون اتجاة ايجابي نحو العملات المشفرة، وبالتالي الدعم كان مشروط بوعود انتخابية لتحسين البيئة التشريعية الخاصة في العملات المشفرة، وإحداث تغييرات إيجابية في هيئة الأوراق المالية والبورصات SEC.
ومن أهم وعود الرئيس الامريكى المنتخب ترامب انشاء احتياطي أمريكي من عملة البيتكوين والتي تم مصادرتها من العمليات المشبوهة والمجرمين، وكذلك الوعد بالتطوير التنظيمي والتشريعي الصديق للعملات المشفرة لتصبح امريكا مركز عالمي بالصناعة. وبالتالي ممكن ان نلخص مرحلة مابعد فوز الرئيس ترامب بمرحلة التفاؤل.
وممكن قياس هذا التفاؤل بالتحركات السعرية الايجابية على اسعار اشهر العملات المشفرة، البيتكوين والذي لامس مستويات ٩٣ الف دولار بإرتفاع ٣٥٪ منذ ٥ نوفمبر وعملة مثل دوج كوين بإرتفاع ٨٠٪ بنفس الفترة، وتدفق أكثر من ١.٤ مليار دولار للصناديق الامريكية المتداولة في العملات المشفرة وهذة القفزات تعكس ثقة المستثمرين المشروطة بالسياسات القادمة والتي تدفع بالتركيز على أهمية العملات المشفرة في الحياة اليومية أكثر من تسعيرها. ولكن مسار التطوير لن يكون خالي من العقبات المنبثقة من طبيعة سوق العملات المشفرة.
البدايات كانت للبيتكوين في عام ٢٠٠٩م من خلال البحث عن بدائل لأنظمة المدفوعات والتحويلات والهدف البُعد عن المركزية والأنظمة الرقابية للبنوك المركزية وساعد في ذلك التطور التقني وظهور تقنية البلوكشين (سلسلة الكتل). نمت الصناعة بشكل مروع و متسارع وساعدها في ذلك انتشار الوصول للإنترنت وحدوث ازمات محفزة لفكرة البديل اللامركزي والمضاربات المحمومة خلال فترة الجائحة كانت من محفزات هرولة الافراد خلف الكريبتو وحلم الثراء السريع.
وصل حجم سوق العملات المشفرة إلى مايعادل ٣ تريليون دولار مرتين، و تشكل البيتكوين منها ٦٠٪ و ٤٠٪ من تداولات العملات المشفرة تتم في امريكا. ويتم تداول هذة العملات عبر منصات شبه مركزية و لامركزية وصل عددها قرابة ٥٠٠ منصة في بلدان متنوعة،وتتراوح التقديرات لعدد العملات المشفرة بحدود عشرة الالاف عملة من مختلف الأحجام. وفي بداية ٢٠٢٤م وافقت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية على السماح لشركات إدارة الأصول بإدراج أول صناديق تداول تتبع الأسعار الفورية لعملة بيتكوين و أعتبرت أول خطوة من المؤسسات المالية التقليدية في عالم العملات المشفرة و وصل عدد الصناديق المتداولة ٢٠ صندوق ETFs بنهاية اكتوبر ٢٠٢٤م بأصول توازي أكثر من ٥٤ مليار دولار.
السمة البارزة في رحلة العملات المشفرة هي الحرية المحفوفة بالمخاطر وبالتالي كان التوازن مفقود بين الابتكار والعمل في إطار النظام المالي. وبناءً علية هناك مجموعة من التحديات المزمنة بهذة الصناعة.
أولاً، اللامركزية وغياب التنظيم و المراقبة لحماية أطراف العلاقة من مستخدمين ومستثمرين والنتيجة كانت ضعف الامتثال للقوانين المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الأرهاب ولذلك لوحظ زيادة الاستخدامات غير القانونية والاحتيال والاختراقات السبرانية والانهيارات. انهيار منصة FTX في نوفمبر ٢٠٢٢م، ومسبباته أدت لضعف الثقة العامة في العملات المشفرة و زادت الشكوك حول امكانية حوكمة القطاع.
ثانياً، التقلبات السعرية الحادة وتأثرها بما يدور على صعيد الاقتصاد العالمي الحقيقي على الرغم من أن فكرتها الأساسية قائمة على اللامركزية، و زيادة حدت التغيرات السعرية قد تؤثر على الاستقرار الاقتصادي خصوصاً مع زيادة قاعدة جمهور المتداولين.
ثالثاً، المخاوف البيئية من تأثير تسارع عمليات التعدين دون النظر لوضع حلول مستدامة صديقة للبيئة لتحسين تقنيات التعدين. وهذة المخاوف تندرج في اتجاة تطوير تقنيات واستخدامات البلوكشين ورفع كفاءتها.
رابعاً، صعوبة التكامل مع الأنظمة المالية التقليدية والبنية الاقتصادية الحالية لتعزيز التبني الواسع للعملات المشفرة.
إن وضع العملات المشفرة حالياً يمكن وصفة بأنها أصول في الظل وتتطلب إرادة داخلية من الصناعة للبعد عن اللامركزية والخروج من الظل بالتعاون مع الصناعة المالية وادارة البورصات والجهات التشريعية في الولايات المتحدة والدول الأخرى لكي تستطيع التكامل مع النظام الاقتصادي العالمي وتتوسع استخداماتها في الحياة اليومية من قبل كبرى الشركات ويمكن ذلك من خلال تبني شبكات هجينة تعزز التحكم والمراقبة وضبط الامتثال مع القوانين وترفع مستوى الشفافية، وزيادة أنظمة الحوكمة من خلال حوكمة مجتمع العملات واستخدام أنظمة الهوية الرقمية لزيادة التتبع والتحقق، ومع الخروج من الظل سوف يزيد مستوى الاستخدامات وتتدفق الاستثمارات لهذة الصناعة.