التخطي إلى المحتوى

نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز

أماني بنت أحمد العقالي

إدارة تعليم الرّياض

باحثة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود

مهتمة بسياسات الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة في التعليم

مع تسارع الثورة التقنية، أصبح للذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل التعليم. إلا أنّ هذا التقدم الهائل يتطلب إطارًا أخلاقيًا يضمن أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة الطلاب، من هنا تأتي أهمية (ميثاق أخلاقيات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم) الذي يسعى إلى تحقيق التوازن بين الابتكار واحترام القيم الإنسانية. وفي المملكة العربية السعودية، تَبرُز (الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي -سدايا) كحاضنة لهذه القيم الأخلاقية، حيث تقود جهودًا استراتيجية لوضع سياسات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي تتناغم مع هذا الميثاق.

إنّ ميثاق أخلاقيات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم، يُسلط الضوء على حماية الخصوصية باعتبارها حجر الأساس في أي استخدام مسؤول للذكاء الاصطناعي؛ حيث يعتمد التعليم الحديث على البيانات، ولكن هذه البيانات لا يمكن أن تكون ضحية الاستخدام غير المنضبط. في هذا الإطار، تضطلع (سدايا) بدور واضح من خلال وضع تشريعات دقيقة تُلزم المؤسسات التعليمية بضمان أمان البيانات الشخصية للطلاب والمعلمين، وهذه السياسات ليست فقط إجراءات تقنية، بل هي انعكاس لرؤية شاملة تضع احترام الخصوصية كحق أساسي في عصر التقنية.

إضافة إلى ذلك، يُعزز الميثاق مبدأ العدالة والشمولية، داعيًا إلى تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي خالية من التحيز، وقادرة على تلبية احتياجات جميع الطلاب، وهذا التوجّه تدعمه (سدايا) بشكل واضح، حيث تعمل على تعزيز ممارسات التصميم المتمركز حول الطلاب، ممّا يضمن أن تكون التطبيقات التعليمية الذكيّة مرنة ومستدامة، وتلبي تطلعات المستقبل وطموحات المجتمع.

وفي الميدان التعليمي، فإن الميثاق يُؤكّد على أن الذكاء الاصطناعي لا يجب أن يكون بديلاً للمعلم، بل شريكًا يُثري العملية التعليمية، ويُعزز من قدرة المعلمين على تقديم تعليم نوعي. هنا يأتي دور (سدايا) في دعم بناء القدرات الوطنية عبر برامج تدريبية متقدمة بالشّراكة مع المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي، والمركز الوطني للتعليم الإلكتروني، والأكاديمية السعودية الرقمية وهي إحدى مبادرات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بالشراكة مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، حيث تُعِد المعلمين والإداريين لاستخدام هذه التقنيات بكفاءة، مع الحفاظ على القيم الأخلاقية.

وفي العمليات الإدارية، يدعو الميثاق إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة إدارة الموارد والإجراءات في المؤسسات التعليمية، مثل تسجيل الطلاب وتتبع أدائهم. ومع ذلك، يُؤكد على أهمية الإشراف البشري في اتخاذ القرارات، لضمان أن تبقى القيم الإنسانية جزءًا لا يتجزأ من هذه العمليات؛ لذلك تتبنى (سدايا) هذا النهج من خلال وضع ضوابط واضحة تُوازن بين الأتمتة والإنسانية، مما يعزز الثقة في الأنظمة الإدارية القائمة على الذكاء الاصطناعي.

في نهاية المطاف، يُعد ميثاق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في التعليم خارطة طريق تسعى إلى تحقيق رؤية تعليمية قائمة على الابتكار المسؤول. ومن خلال جهود (سدايا)، يتم تحويل هذه الرؤية إلى واقع عملي، حيث تتكامل السياسات الوطنية مع القيم الأخلاقية لبناء منظومة تعليمية تُوظّف الذكاء الاصطناعي لخدمة الجميع. إنها رحلة تُعبّر عن ريادة المملكة العربية السعودية ليس فقط في الذكاء الاصطناعي، ولكن أيضًا بوضع الطالب والمعلّم في قلب كل تقدم، ممّا يرسّخ مكانتها كنموذج عالمي في استخدام الذكاء الاصطناعي بأخلاقية وإنسانية.