التخطي إلى المحتوى

نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز

فيصل الحمد

خبير استراتيجي وعسكري

مع إعلان الحزب الجمهوري انتصاره في السادس من نوفمبر بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وعودة دونالد ترامب إلى واجهة المشهد السياسي مجدداً، لاحظت تفاعلاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن فوزه يمثل بداية لمرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية، وأن اجنداته السياسية ستتوافق مع توجهات دول منطقة الشرق الأوسط. لكن هذه التوقعات لا تعكس بالضرورة الواقع المعقد للعلاقات الدولية، التي تقوم على المصالح المشتركة لا على الأمنيات أو توافق الأجندات.

العلاقات السعودية الأمريكية، التي تمتد لعقود طويلة، بُنيت على أسس ثابتة من التعاون الاستراتيجي. في عام 2013، أكد وزير الخارجية السعودي الراحل، الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- خلال لقائه بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أن العلاقة بين البلدين كانت دائمًا تقوم على الاستقلالية، والاحترام المتبادل، وخدمة المصالح المشتركة، والتعاون البناء لخدمة الأمن والسلم الدوليين. هذه المبادئ ظلت ركيزة أساسية للعلاقة، حتى مع التحولات الجذرية التي شهدها العالم.

وفي عام 2022، خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة، كتبت السفيرة السعودية في واشنطن مقالاً أكدت فيه أن العلاقات السعودية الأمريكية تجاوزت نموذج “النفط مقابل الأمن” الذي أصبح غير صالح لعصرنا. وشددت على أن التحديات العالمية الكبرى مثل أمن الغذاء والطاقة وتغير المناخ لا يمكن مواجهتها دون تحالف سعودي أمريكي قوي يقوم على المصالح المشتركة.

على مدار العقد الماضي، تبنت الولايات المتحدة سياسات عديدة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، بدءاً من “الربيع العربي” في عهد أوباما وصولاً إلى محاولات فرض أجندات خارجية ومواقف غير واضحة. لكن هذه التحركات اصطدمت بإرادة دول المنطقة، التي أظهرت صلابة في الدفاع عن استقلالية قرارها، خاصة من خلال منظمة مجلس التعاون الخليجي وعلى راسها المملكة العربية السعودية، الذي أكد قدرته على حماية مصالح أعضائه ومصالح المنطقة، ورفض أي تدخلات تهدف لزعزعة استقرار المنطقة.

فالرياض، نجحت خلال العقد الماضي في بناء علاقات استراتيجية مع قوى عالمية مؤثرة. هذا النهج عزز مكانتها الدولية ومكنها من تحقيق توازن يخدم مصالحها. ومع تغير استراتيجيات واشنطن خلال فترتي حكم ترامب وبايدن، فأحدهم سعى لفرض اتفاقية سلام تتضمن الاعتراف بإسرائيل كدولة طبيعية بالمنطقة دون حق للدولة الفلسطينية، والآخر اتسمت فترة حكمة بالتردد وعدم الوضوح، باتت السعودية أكثر اعتمادًا على رؤية تخدم مصالحها وتعزز سيادتها.

مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، من المتوقع أن تشهد المنطقة تغيرات في السياسة الأمريكية. لكن الرياض، أثبتت قدرتها على قيادة مسارها الاستراتيجي من خلال التركيز على بناء شراكات قائمة على المصالح المشتركة، ليس فقط مع واشنطن، بل مع قوى أخرى على الساحة الدولية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبحت بكين شريكاً استراتيجياً في الاقتصاد والتجارة، وكذلك موسكو في مجال الطاقة من خلال انضمامها “لأوبك بلس”.

العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة تظل محكومة بمنطق المصالح المتبادلة. في عالم سريع التغير، بات واضحًا أن نجاح أي علاقة دولية يعتمد على تلبية احتياجات الطرفين وتحقيق المنفعة المشتركة. وكما أثبتت التجارب، فإن العلاقات تُبنى على المصالح المشتركة، لا على توافق الأجندات كما يتصور البعض. هذه القاعدة ستظل حجر الزاوية في رسم مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية، سواءً في ظل عودة ترامب أو أي قيادة أمريكية جديدة.