فلنتابع معاً عبر موقعكم ” خليج نيوز ” التفاصيل المتعلقة بخبر
ربما تستغرب بعض الشىء عزيزى القارئ من هذا العنوان «منتجع حلوان»، فالصورة النمطية لحلوان فى الأذهان هى المدينة الصناعية، حيث صناعة الحديد والصلب الشهيرة، وكذلك صناعة السيارات، وبصفة خاصة شركة النصر للسيارات، هذا فضلًا عن بعض الصناعات الأخرى. إذن كيف نتحدث عن حلوان كمنتجع صحى وسياحى؟!
جاءت فكرة هذا المقال من خلال نقاش عابر مع بعض الأصدقاء، حيث تحدثت معهم عن حلوان فى التاريخ الحديث والمعاصر، وكيف أشار إليها الأساتذة الأجانب الأوروبيون، ممن عملوا فى جامعة القاهرة، فى مذكراتهم كوجهة مفضلة لهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، والاستمتاع بدفء شمسها فى الشتاء، والاستشفاء فى عيون الماء الكبريتية. وهنا أشار علىَّ الصديق د. أنور إبراهيم، خبير الشئون الروسية، بالرجوع إلى كتاب مهم ترجمه عن اللغة الروسية، هو كتاب بيلياكوف عن الروس فى مصر؛ إذ يتحدث الكتاب باستفاضة عن منتجع حلوان فى عيون الروس!
وكم كانت دهشتى عندما رأيت كيف تحدث عشرات الرحالة الروس عن حلوان، وأنها كانت من أهم أماكن تواجدهم فى مصر. ولتقريب الصورة للقارئ الآن، نقول كانت حلوان منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن العشرين، مثل الغردقة الآن، المكان المفضل للرحالة والسُيَّاح الروس. ويشرح أحدهم ذلك قائلًا: «تكون حلوان مزدحمة بالروس فى فصل الشتاء، إلى حد أن سماعك للغة الروسية فى الشارع، يجعل من حلوان المكان الأفضل للروس، وخاصةً لهؤلاء الذين لا يُجيدون اللغات المستخدمة فى مصر (آنذاك)». ويذكرنا هذا بالوضع الحالى فى الغردقة، وكيف أصبحت الروسية اللغة الثانية بعد العربية بها.
ويرجع تركز الروس فى حلوان إلى طبيعة مناخها حيث الشمس الساطعة فى الشتاء، والهواء الجاف، والمياه المعدنية، والطين الذى يُستخدَم لأغراض طبية، لذلك كانت حلوان منتجعًا صحيًا مفضلًا للروس. ويذكر الكتاب أن الأطباء فى روسيا كانوا ينصحون بعض المرضى، بالسفر والإقامة فى حلوان للاستشفاء. ويحدد الكتاب ماهية هذه الأمراض، ويأتى فى مقدمتها السُل الرئوى والتهاب الكُلى والروماتيزم والنقرس، كما أنها كانت مفيدة أيضًا للأصحاء الذين يريدون تجنب الشتاء القارس فى روسيا.
من هنا أنشأ بعض الروس فى حلوان عدة نُزُل استشفائية لاستقبال المرضى الروس، بل وحتى الأصحاء. ويذكر الكتاب أن نفقات الإقامة والاستشفاء فى حلوان لم تكن باهظة. ويُشيد أحد الأطباء الروس، ممن جاءوا للعمل فى حلوان، بأفضلية حلوان وتميُزها عن غيرها قائلًا: «حتى الريفيرا أو يالطا أو شاطئ القوقاز لا يمكن مقارنتها بحلوان»!
ولم يكتف الروس بإقامة مجرد نُزُل استشفائية فى حلوان، بل أسس بعضهم فنادق شهيرة بها آنذاك، يأتى على رأسها فندق الحياة الذى أقامه أحد كبار رجال الأعمال الروس، بعدما تم شفاء ابنه من مرض السل الرئوى نتيجة علاجه فى حلوان. كما يذكر المؤلف رحلات بعض الأمراء الروس إلى حلوان والإقامة بها للاستمتاع بها، وأشاد هؤلاء بشدة بروعة حدائق حلوان الشهيرة بالأشجار الاستوائية ونباتات الظل.
السؤال الآن، لماذا أهملنا التاريخ السياحى والصحى لحلوان؟ جميل أن نهتم بالصناعة الثقيلة، لكن السياحة، والسياحة العلاجية، من الصناعات المهمة أيضًا.