دائمًا ما تبحث لبنان عن نفسها وسط الحروب والصراعات؛ سواء كانت الحرب الأهلية التي استمرت ما بين عامي 1975 و1990 أو حتى الحروب الإسرائيلية على لبنان بدءًا من الهجوم الأول في العام 1978 واجتياحها في العام 1982 أو حتى حرب عام 2006 وأخيرًا وليس آخرًا حرب أكتوبر عام 2004.
الحقيقة أنّ إسرائيل وراء جزء كبير من نكبات لبنان المتسامح رغم وجود عدد كبير من الطوائف بداخله؛ صحيح كانت هناك حرب أهلية استمرت قرابة خمسة عشر عامًا ولكنها انتهت بعد اتفاق الطائف في العام 1989 ومن قبله تسامح اللبنانيين، فهم أكثر الشعوب تسامحًا وحبًا للحياة، وهو ما يبدو مع كل صراع أو حرب.
بداية الحرب الأهلية في لبنان كان له علاقة بوجود الفلسطينين المهجرين؛ وهنا تبدو إسرائيل في جملة مفيدة حتى في الخلافات اللبنانية والحرب التي استمرت بين طوائفة عقد ونصف من الزمان، إلى أنّ انتهت الحرب، ولا أحد يستطيع أنّ يُزايد على الدور اللبناني التاريخي في دعم القضية الفلسطينية ولا في إيواء الفلسطينين واحتضانهم.
الاجتياح الثاني للبنان من قبل القوات الإسرائيلية كان في العام 1982 وسيطرت وقتها على أجزاء من العاصمة بيروت وقتلت قرابة 14 ألف لبناني، ولم تنسحب إلا في العام 1985، وهنا كانت بدايات تشكل حزب الله عسكريًا، ثم وقعت مجزرة إسرائيل الأشهر صبرا وشاتيلا في نفس العام ونفس الشهر أيضًا.
السيادة اللبنانية تبدو منقوصة من حيث عدم وجود رئيس للجمهورية قبل أكثر من عامين، وبالتالي عدم وجود حكومة، فالقانون اللبناني يربط تشكيل الحكومة باختيار رئيس الجمهورية، وهو ما لم يحدث قبل أكثر من 720 يومًا.
الأزمة تبدو في اتفاق القوى السياسية والتي تُشكل الطوائف في الداخل، ومن أبرزها حزب الله اللبناني، وهو موال في سياسته لإيران، أعلنها ومازال بوضوح شديد، حيث قال السيد حسن نصر الله في احدى خطاباته،: إنّ أموال الحزب وأسلحته وتدريبه من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأننا نعتبر لبنان ليست جمهورية إسلامية ولكن جزء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يحكمها الولي الفقيه.
ولذلك مثل حزب الله فيتو قويا ضد اختيار رئيس الجمهورية، بل أراد أنّ يفرض رئيسًا للجمهورية، ولهذا عطل الاختيار فعطل الدولة وأضعف من بنيتها، وهنا نُشير بوضوح أنّ نشأة الحزب جاءت على خلفية الاجتياحات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية!
الأمر لا يختلف كثيرًا عن نشأة داعش، مع الفارق في التسمية، والتي جاءت على خلفية الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 عندما أُعلن عن نشأة الدولة الإسلامية في العراق ثم في العراق والشام كقوة معارضة ومقاومة للإحتلال الأمريكي في هذا الوقت.
ومنذ هذا التاريخ وحتى هذه اللحظة فإنّ لبنان والعراق تبدو سيادتهما منقوصة بسبب الإحتلال الإسرائيلي والأمريكي، وكل منهما عملا على تفتيت الوحدة الداخلية كقوة محتلة، بل وإثارة القلاقل والفوضى والإختلاف بين أبناء الشعب الواحد.
استعادة لبنان لسيادتها الحقيقية ليس في وقف الحرب الإسرائيلية ولا في هذه الهدنة التي تخترقها إسرائيل ومتوقع أنّ تفشلها في أي وقت، ولكن في تحقيق البناء الداخلي بحيث تستعيد لبنان نفسها من داخلها، وتُدرك الأحزاب والقوى السياسية بأنه لا يمكن مواجهة العدو الخارجي إلا بالإتفاق على أجندة واحدة، فيعمل الجميع وفق هذه الأجندة لا غيرها بحيث يكون فيها القرار داخلي.
حدد رئيس مجلس النواب اللبناني جلسة برلمانية موعدها 9 يناير المقبل لاختيار رئيسًا للجمهورية، ويبدو أنّ حزب الله والقوى السياسية المتحالفة معه سوف تبدي رغبتها في انجاز المهمة والاستقرار على اختيار الرئيس، وهو ما تستحقه لبنان بدون حرب ولا هدنه لتحقيقة.
التحرير وامتلاك القوة لابد أنّ يكون من الداخل أولًا بحيث تتحرر القوى السياسية من أي تبعيه خارجية مهما كانت، وأنّ يتم تقوية الجيش اللبناني ومؤسساته الداخلية، فهي التي تُعبر عن اللبنانيين لا غيرهم، وهي القادرة على أخذ قرار الحرب والسلم وفق المصلحة العربية واللبنانية في نفس الوقت.
صحيح شعر اللبنانين بارتياح شديد بعد قرار الهدنة وبدأت عملية عودة للنازحين الذين تركوا ديارهم في الجنوب، ولكن لابد أنّ يستغل هؤلاء اللبنانيين والقوى السياسية ما حدث في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، من أجل بناء مؤسسات قوية ودولة عميقة تستطيع أنّ تدافع عن مصالحها وسيادتها في نفس الوقت، ولابد أنّ يكون التحدي في مواجهة الداخل أولًا قبل مواجهة الخارج.
نتابع معا الان اخبار