نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السعودية وإسكات بنادق الجيران الأعداء, اليوم الأحد 11 مايو 2025 11:17 مساءً
في هذا العالم الملتهب، لا مجال للحماقات ولا المراهنات. الوقت يفرض قاعدة تنمية الدول بالنهضة. والشعوب بالعلم والتطور. فإما أن تلحق بعقارب الساعة السريعة. وإما أن تصبح ضحيتها. وهي في الحقيقة لا ترحم.
النار اشتعلت وأخمدت. الجزء الشرقي من منطقتنا كان على موعد مع الحرب. نشب صراع كان يمكن احتواؤه بالدبلوماسية والحوار بين جارتين نوويتين. لكن التصعيد كان حاضرا بين باكستان والهند. لأن الطرفين تعاملا مع الآخر بالعناد تارة، والقوة تارة أخرى.
ففي الثاني والعشرين من أبريل الماضي، استفاق الجزء الهندي من إقليم كشمير، الذي تتنازع عليه البلدان منذ 1947، على هجوم أودى بحياة 26 شخصا. وهذا ما دفع الهند لاتهام باكستان برعاية منفذي الهجوم، ما نفته في حينه إسلام آباد.
والعدالة في نهاية المطاف فرضت نفسها. إذ كان الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية، والتي عهد عنها إجادة فن إطفاء الحرائق، محوريا في التهدئة، التي نفذت على شكل هدنة بين البلدين، اعتبارا من العاشر من الشهر الجاري. أي أمس الأول.
وفي الحقيقة حتى إن كان هناك ذو دور في تلك الهدنة، كالولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الرياض لها الأثر الأكبر في تهدئة الطرفين. كيف؟ السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي ابتعثت مندوبا من القيادة. فقد حط عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية رحاله بين إسلام آباد ونيودلهي، والنار في كبد السماء. والهدف من ذلك، كان يقوم على ضرورة خلق حالة من تعزيز الحوار، وحل الخلاف بالسياسة، وليس بالمواجهات العسكرية. وقد نجح الوسيط السعودي، وكان له ما أراد.
صحيح أن إعلان وقف إطلاق النار ورمي السلاح بين الدولتين جاء من واشنطن. وهذا يعود لإجادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعبة الإعلام. لكن هذا لا يلغي مساعي المملكة في احتواء الموقف العسكري، وضمان عدم خروجه عن السيطرة.
والتحرك السعودي ذاك لم يكن بالصدفة أو مفاجأة، بل بدأ مع الطلقات الأولى المتبادلة بين البلدين، عبر اتصالات مكثفة أجراها وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، وكان لها الأثر الكبير في خلق حالة من المساحة بين الطرفين، والتي انتهت بنزع فتيل حرب، لا أحد يعلم أين تتجه.
وكما هو معروف، فإن دهاليز السياسة شيء، والظاهر للعلن شيء آخر. وهنا أعني أن الحوار السعودي مع إسلام آباد ونيودلهي؛ مر بعديد من المعضلات. مثل ماذا؟ الخط السياسي للطرفين، فباكستان لا تمانع في سياستها الوساطات الخارجية لحل أزمة إقليم كشمير المتقاسم بين الدولتين الجارتين، والذي يعد الفتيل الدائم القريب من الاشتعال. أما نيودلهي ترفض هذا الأسلوب، وتعتبره تدخلا خارجيا في شأن خاص، بينما تفضل الحلول الثنائية.
ورغم ذلك، إلا أن المملكة استطاعت إقناع الطرفين بأن الحوار المنفتح والصادق هو السبيل للحل، لا العسكرة والحروب والمواجهات، وتقديم أكبر عدد من الضحايا.
ومن الطبيعي أن يجد الصوت السعودي آذانا صاغية، كونه يقوم على تمتع الرياض بعلاقات متميزة مع باكستان والهند. فالمحورية السعودية فرضت نفسها وسيطا نزيها بين الأطراف المتنازعة على مر التاريخ.
وسجل المملكة في ممارسة ثقلها الاستراتيجي لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وطرح الحلول، حافل بالعديد من الإنجازات التي تتحدث عن نفسها. فقد تمكنت الرياض من جمع الغريمين التقليديين، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، على طاولة حوار. وكذا المتحاربون، روسيا وأوكرانيا. وقبل ذلك الدخول على خط الأزمة السودانية. ودعم الحوار الإيراني الأمريكي. في الحقيقة لا يمكن إحصاء المساهمات السعودية في هذا الجانب.
والمملكة بالمناسبة لا تحبذ فكرة «الجلجلة الإعلامية» إن جاز التعبير، حتى لا تشعر الطرف الآخر بالضعف، أو المنة. لذا عرف عن السياسة السعودية تفضيلها العمل بصمت، ومن وراء الكواليس. والدليل أنها لم تحمل لواء وساطتها بين البلدين المتصارعين، رغم أنها دخلت على خط الأزمة من بدايتها.
واكتفت ببيان رسمي صدر عن وزارة الخارجية، «أشادت فيه بتغليب الطرفين الحكمة وضبط النفس، وجددت في الوقت نفسه دعمها لحل الخلافات بالحوار والسبل السلمية، انطلاقا من مبادئ حسن الجوار، وبما يحقق السلام والازدهار للبلدين ولشعبيهما». وهذا برأيي يندرج في إطار الأخلاقيات المتوارثة لدى القيادة والمجتمع على حد سواء.
إن السلوك السياسي الذي تسير عليه وتكرس له المملكة، والذي يعتمد على ضرورة تجنب الصراعات بين الدول، وتعزيز الاستقرار العالمي، يعد أحد أهم أشكال صناعة السلام والتعايش بين الأمم، وسط عالم يتسابق على التسلح والاقتتال، لا التعمير والبناء.
دون أدنى شك، سيمنح هذا الاتفاق الباكستاني - الهندي، المملكة العربية السعودية مزيدا من الثقة العالمية، ويمكن اعتباره ورقة من أوراق الثقل الاستراتيجي السعودي، الذي لم يمنح لها من أحد، بل حصلت عليه عبر فرض سياستها التي تقوم على الحكمة والصبر وبعد النظر.
قولا وعملا إنه إنجاز كبير، وانتصار دبلوماسي سعودي جديد. أقنعت بلادي الجميع بالحلول الدبلوماسية والبحث عن السلام. وقضت على شبح حرب بين دولتين تحكمان علاقتهما بالحديد والنار.
وبالدهاء.. أسكتت بنادق الجيران الأعداء.