حصاد 25 سنة بين ضفتي كتاب جديد.. سيرة عشق أسامة الرحيمي للصحافة والثقافة - خليج نيوز

الوطن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

25 عاما ظل يتنقل خلالها ما بين الصحافة والثقافة.. رحلة لا تزال ممتدة، كان زاده فيها الصبر والتفاؤل وحب مهنته وإصراره على القيام بدور المثقف الحقيقي؛ لذا كان لا بد أن يوثق هذه الرحلة، وهذا ما حدث في كتابه الأحدث «صاحبة الجلالة لا تمسح البلاط».

في هذا الكتاب يفتح الكاتب الصحفي الكبير نافذة واسعة على مسيرته المهنية، تلك الرحلة التي امتدت لربع قرن تستحق أن توصف بأنها محطة مهمة في التاريخ الحديث للثقافة والصحافة المصرية.

يؤكد «الرحيمي» أن الصحافة مهما عصفت بها الرياح العاتية، لا تغلق أبوابها أمام من يحملون شرف الكلمة وصدق الإرادة، فالصحفي في نهاية المطاف، هو الحاكم على اختياراته، والمسؤول عن بناء أو هدم هيبة هذه المهنة العظيمة.

بكلماته التي تحمل عبق التجربة، يروي «الرحيمي» كيف أن العمل الصحفي لا يعرف المستحيل أمام من يسعى للارتقاء بقيمته.

لقد أتاح له عمله مع مجلة «نصف الدنيا»، في عهد رئاستها المرموقة للأستاذة سناء البيسي، مناخًا من الحرية الإبداعية، إذ لم تُرفض له فكرة أو تُعرقل له قضية، باستثناء حالة وحيدة جاءت نتيجة وشاية كاذبة.

هذا المناخ، كما يراه المؤلف، يثبت أن الصحافة تظل أرضا خصبة لكل من يرغب في أن يبذر فيها بذور النزاهة والشرف، لكنها في المقابل، لا تُسامح من يختار طواعية أن يُلوثها برغباته العابرة ومطامعه الضيقة.

قد يعتقد البعض أن مجلة «نصف الدنيا»، برونقها الباذخ وشهرتها الواسعة، قد خُصصت لشريحة معينة من المجتمع، لكن الرحيمي يفند هذا الظن، مؤكدًا أن المجلة، في أوج عطائها تحت قيادة سناء البيسي، كانت منبرًا جامعا لكل أطياف الشعب.

لقد احتوت صفحاتها على تنوع لا مثيل له، من قصص الأسرة وهموم المرأة، إلى التحقيقات الوطنية العميقة التي نبضت بأوجاع الوطن وآماله.

وكان «الرحيمي» شاهدا على هذا التنوع، مشاركًا فيه بملفاتٍ شكلت علامات فارقة في تاريخ الصحافة المصرية، من بين هذه الملفات، تحقيقاته عن المقابر الجماعية للأسرى المصريين الذين ذبحهم الصهاينة بوحشية خلال نكسة 1967.

لم يكتفِ أسامة الرحيمي بالكلمات التي تحمل الغضب، بل حمل قلمه وسافر إلى العراق تحت الحصار ضمن وفد شعبي مصري، ليشهد بعينيه معاناة هذا الشعب الأبي، ويقدم للعالم صورة ناصعة عن عذابات الإنسانية في وجه الجور والطغيان.

الانحياز للبسطاء.. نبض الإنسانية

في قلب هذا العالم المليء بالمتغيرات، ظل الكاتب الكبير ثابتا على مبدأه الأسمى: الانحياز للبسطاء والمهمشين، لم يكن ذلك مجرد قرار مهني، بل كان انعكاسا لروح نقية، ترى في هؤلاء البسطاء جوهر الأمة وقلبها النابض.

يردد «الرحيمي» دائما قوله: إن هذا الانحياز لم يكن خيارًا عابرًا، بل قرارًا واعيًا نابعًا من قناعة راسخة، بأن الصحافة الحقيقية لا يمكن أن تغفل صوت من لا صوت لهم، ولا أن تدير ظهرها لآلام الأغلبية التي تعيش في الهامش.

ومن هذا الإيمان العميق، خرج إلى النور كتابه «طباطيب العبر»، الذي جاء كقصيدة حب للوطن وناسه، حيث يتناول فيه قصصًا من أعماق الحياة، تلك القصص التي تسلط الضوء على البسطاء ومعاناتهم، فتُعيد الاعتبار لإنسانيتهم وكرامتهم.

في كتابه، يقدم أسامة الرحيمي شهادة ناصعة على أن الصحافة ليست فقط صوتا للأمة، بل ضميرها الحي، ومرآة آمالها وآلامها.

دور المثقف

يرى أسامة الرحيمي، أن مهمة المثقف لا تقتصر في التعبير عن آرائه، بل في استنهاض الهمم وتحفيز الأفراد، ليكونوا محركا فعّالًا في مجتمعاتهم.

ويرى أن الإنسان الشريف لا يطمئن ضميره وهو يعكف على تحقيق راحته الشخصية وسط عالمٍ يغرق في الظلم والاضطراب، إن الثقافة الحقة في رأيه، هي التي تثير الضمير وتستنهضه لتغيير الواقع، فالعقل دون ضمير ليس إلا أداة جامدة، بينما الضمير بلا عقل أسمى وأبقى.

في قلب أسامة الرحيمي ينبض التفاؤل، كأشعة الشمس التي تتسلل عبر سحب السماء الملبدة، لا تأبه بالظلال العابرة، بل تزداد إشراقًا وتوهجًا.

هو لا يرى في الحياة سوى دروبًا من الأمل، يخطو فيها بخطى ثابتة، عازما على جعل كل لحظة تمر بالتحول إلى فرصة جديدة لبناء الغد، يلمس في كل فجر بزوغا لفرص لم تكتشف بعد، وفي كل تحدٍ فرصة للتغلب على القيود.

التفاؤل في نظره ليس مجرد شعور عابر، بل هو روح حية تشعّ في كلماته، وتحتضن كل ما يكتب، فكل كلمة منه تجد فيها نبض الحياة، وعبق الأمل الذي لا يزول، إنه يتطلع إلى المستقبل بعينين مليئتين باليقين بأن القادم أجمل، وأن الفجر مهما تأخر سيشرق في النهاية. 

الرصيد الأدبي

ويؤكد «الرحيمي» أن الكاتب الحق هو الذي لا يساوم على الأمانة الأدبية، حتى لو كان الثمن أن يخسر جزءًا من رصيده لدى قرائه، فالمثقف الذي ينظر إلى «رصيده الأدبي» فقط، ويُساير الأهواء والأمزجة لمجرد الحفاظ على شعبيته، هو في نظره كالآكل الذي يهتم فقط بزيادة الزبائن على حساب جودة طعامه.

أما الكاتب الأصيل، فهو الذي يظل وفيًا لمبادئه، مدافعًا عن قضايا وطنه بكل أمانة وصدق، مهما كانت العواقب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق