قبل عشر سنوات قدمت موضوعا عن الكتب الأكثر مبيعا في جريدة القاهرة، كان موضوعي الورقي الثقافي الأول، فاقتنيت عدد الصحيفة كمن يقتني قطعة من الذهب.
توقعت أنّني قدمت شيئا مهما عن الكتب والقراءة، كان مجرد توقع، لكنه ذهب أدراج الرياح بمجرد أن فتحت الجريدة على الصفحة الثالثة لأجد موضوعا عن الكتب للأكاديمي والروائي دكتور زين عبدالهادي.
كانت تلك هي المرة الأولى التي أتعرف فيها إلى قلمه، وأدهشني حينها حجم المعلومات والأرقام والبيانات المتعلقة بعملية القراءة، لدرجة أنّ كتابي «حكايات عن القراءة» الفائز بجائزة ساويرس فرع النقد عام 2020 اعتمد في بنائه على دراسات قدمها دكتور زين عبدالهادي.
للغَرابة، تختفي المعلومات تقريبا عن كل ما يتعلق بعملية القراءة وصنع الكتب في مصر والوطن العربي، إلا من بعض كتابات قليلة جدا، في المقدمة منها ما قدمه دكتور زين عبدالهادي، تحديدا تقريره المهم عن حالة النشر والقراءة في مصر والعالم العربي المنشور عام 2010 والمحدَّث بنسخة أخرى عام 2016.
لم يتوقف دكتور زين عبدالهادي عن العطاء في منطقة القراءة وصناعة الكتب عند تلك المرحلة، بل أسعدني بخبر مشاركته بكتاب جديد عن دار الهالة للنشر تحت عنوان «متاهة القراءة - سيرة القراءة بين النقد والأنثروبولوجيا».
وكالعادة، يتطرق الأكاديمي المرموق إلى مناطق في عالم القراءة هو باحثها الأول، مجاهدا في ساحة شديدة الأهمية تتعلق بما يبني عالمنا المعرفي والعقلي بذلك الغذاء الثقافي الذي يحدد مصائرنا.
في كتاب «متاهة القراءة» يتناول المؤلف، بعين الأكاديمي في مضمار علوم المكتبات وتاريخ المعرفة، القراءة من زاوية الأنثروبولوجيا، طارحا سؤال: كيف تحدد تصورات القارئ الشخصية وكيف تشكل القراءة شخصيته؟ متعمقا بشكل أكبر في المسألة، مستفيدا من الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان) والأنثروبولوجيا الثقافية المنشغلة بدراسة كيفية تشكل الوعي الثقافي للإنسان عموما.
وباعتبار أنثروبولوجيا القراءة فرعا من الأنثروبولوجيا الثقافية، يسعى المؤلف سعيا حثيثا لسبر أغوار عالم الوعي وتشكيل معرفة الإنسان.
لكن تظل أهمية كتاب «متاهة القراءة» بالنسبة لي في الجزء التطبيقي الذي اشتغل عليه المؤلف سعيا خلف تفكيك مصطلح أنثروبولوجيا القراءة، وهو سيرته الذاتية مع القراءة وكيف أثرت في تكوينه المعرفي والأكاديمي؛ وهي مسألة شديدة الأهمية لو تعرفنا إلى المسيرة الأكاديمية للمؤلف.
الدكتور زين عبدالهادي هو أحد أبرز المثقفين والأكاديميين في الوطن العربي. حصل على الدكتوراه في علم المكتبات والمعلومات، وتركزت أبحاثه حول تأثير المعرفة والقراءة على بناء الهوية الإنسانية وتشكيل المستقبل.
شغل عدة مناصب أكاديمية وإدارية رفيعة، منها: رئيس دار الكتب والوثائق القومية الأسبق، أستاذ في قسم المكتبات والمعلومات بجامعة حلوان، رئيس تحرير سابق لمجلة عالم الكتاب الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية، مستشار ثقافي في العديد من الهيئات والمؤسسات الثقافية المحلية والعربية والدولية، إضافة إلى أنه المشرف العام على مكتبات مدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وفي كتاب «متاهة القراءة» يسعى المؤلف للإجابة عن سؤال القراءة من خلال سيرته الذاتية وتطور عملية القراءة لديه بين الطفولة والشباب وسن النضج، مستخدما الأدوات العلمية في تحليل حجم التأثير وتشكيل عالمه الثقافي والمعرفي وكيف تؤثر قراءات كل مرحلة في استقباله للعالم. يقدم سعيا جديدا في ذلك المضمار المعرفي، مازجا للمرة الأولى بين النقد والأنثروبولوجيا، موظفا أركيولوجيا القراءة في تلك العملية، ويُقصد بها آثار القراءة من حواشٍ وهوامش، تلك التي يتركها القارئ على الكتاب المقروء، في محاولة من المؤلف لفهم عملية القراءة وماهيتها.
في النهاية، أعد ذلك العمل أحد أبرز الأعمال المشاركة في الدورة المقبلة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، وأسعد شخصيا باقتنائه مع إطلاق الدورة الخميس 23 يناير في أرض المعارض بالتجمع الخامس، ذلك العيد السنوي الذي ينتظره كل قارئ!
0 تعليق