نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هارفارد
وحرب العقول, اليوم الاثنين 16 يونيو 2025 01:45 صباحاً
هذه الأيام، تنظر دول العالم في أوروبا وآسيا بعين المراقب الحصيف إلى مستقبل أعرق وأهم جامعة في العالم، وأعني جامعة هارفارد، فبعد قرار الرئيس ترامب تقليص ميزانية الجامعة وتمويلها ومراقبة أنشطتها، تحاول بعض الدول اقتناص هذه الفرصة التاريخية باستقطاب نخبة علمائها وعباقرتها وعقولها إلى جامعاتها المحلية، لا سيما أن الحديث هنا عن أهم قلاع العلم والتكنولوجيا في التاريخ الحديث، فعدد العلماء الحاصلين على جائزة نوبل والمنتمين لهذه الجامعة العريقة يقدر بـ161 عالما، وهو رقم يتجاوز العلماء الذين حصلوا عليها من الصين واليابان وألمانيا مجتمعين (149)!!، وتعود نجاحات هذه الجامعة العريقة إلى البيئة العلمية المحفزة داخلها، لا سيما أنها حظيت بدعم كبير وميزانيات ضخمة خلال العقود الماضية، ولكن الأزمة الحالية بين إدارة الجامعة والبيت الأبيض قد تخلق إشكالية كبيرة ستؤدي إلى هجرة عكسية لعقول الجامعة.
عرفت الولايات المتحدة في تاريخها الحديث بقوتها الناعمة وقدرتها الحريرية على استقطاب أهم العقول العلمية إلى جامعاتها، والاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم، فعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية هرب إليها نخبة العقول الألمانية التي فرت من النازية، ولعل أهم اسمين في تلك الحقبة، هما عالم الفيزياء الشهير ألبرت آينشتاين صاحب أهم نظرية علمية في القرن العشرين (النسبية)، وروبرت أوبنهايمر مخترع القنبلة النووية التي أنهت حقبة الحرب العالمية، وتمكنت بعدها الولايات المتحدة أن تتبوأ مكانتها العظمى عالميا، وهنا يحضر التساؤل المهم، هل ستحصل الآن هجرة علمية عكسية إلى أوروبا بعد أزمة هارفارد؟ ربما يكون الأمر كذلك!!.
فرنسا تحاول أن تنتهز هذه الفرصة التاريخية عبر إعلان الرئيس ماكرون برنامجا جديدا لاستقطاب العقول الأمريكية بعنوان (اختاروا فرنسا من أجل العلم)، وقد صرح الرئيس الفرنسي أن بلاده مستعدة لتوفير بيئة علمية محفزة للدراسات والأبحاث العلمية، وأن بلاده ملتزمة بحرية البحث العلمي ودعمها بلا حدود، فالأبحاث العلمية ستشكل من الآن الأولوية القصوى في السياسة الفرنسية.
بريطانيا أيضا لا تريد أن تفوت هذه الفرصة، فقد أعلنت الجمعية الملكية البريطانية عن برنامج (زمالة فاراداي) بدعم يصل إلى 39 مليون دولار لتقديم منح استقطاب للعلماء الفرديين أو لفرق العمل، كما أعلنت الجامعات البريطانية عن تقديم ضمانات تمويل للأبحاث العلمية تصل إلى 10 سنوات، وتقديم زمالات متاحة للعلماء والباحثين القادمين من الولايات المتحدة.
هذه التنافسية العلمية قد تفتح الشهية عند دول آسيا الطامحة لتطوير بيئتها العلمية كالصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، وقد نراها تقدم هي الأخرى برامج علمية واستثمارية لاستقطاب أهم العقول العلمية في الجامعات الأمريكية، فالجميع يدرك هنا أهمية هذه العقول كميزة تنافسية في الصراعات الدولية.
خاتمة القول.. هل نحن فعلا أمام مرحلة تاريخية يمكن وصفها بحرب العقول؟ لقد نجحت الولايات المتحدة خلال المئة والخمسين عاما الماضية في استقطاب نخبة العقول العلمية من دول العالم كافة، والذين كان لهم أكبر الأثر في تصدر أمريكا المشهد العالمي على كل الأصعدة العلمية: التكنولوجية والطبية والعسكرية والثقافية، فهل ستخسرهم اليوم أمام العروض المغرية التي تُقدَم لهذه النخب العلمية من الجامعات الأوروبية والآسيوية، أم أن واشنطن ستنتبه لخطورة هذه الحرب الجديدة، وستحاول إبقاء هذه العقول المتميزة داخل جامعاتها ومراكزها البحثية؟
أخبار متعلقة :