نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحكمة السعودية وكومة البنادق المتهورة, اليوم الاثنين 16 يونيو 2025 01:45 صباحاً
صناعة السلام مهمة شاقة، والبحث عنه أكثر مشقة، كلفته باهظة. وأزقة دوائر صنع القرار العالمي ملغومة. ولا تقبل أي شكل من أشكال حسن النوايا، لأن طرق حسن النوايا محفوفة بالمخاطر. بطبعها تخشى الحقيقة.
المنطقة تتجه لمذبحة. والخرائط تتفرج وتنزف. الحروب في منطقتنا حاضرة على الدوام، منذ عشرات السنين أو أكثر. والبنادق جاهزة، بعضها ذو رائحة بارود يعتمد على قضية، والبعض الآخر بلا قضية.
فجر الجمعة الماضية كان موعدا لساعة صفر إسرائيلية. أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمرا لسلاح الجو. والهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
من الناحية العسكرية والسياسية أصيبت طهران بالصدمة. كانت تستعد لموعد الجلسة السادسة من المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية الأحد المقبل في العاصمة العمانية مسقط.
لكنها استفاقت على جرح غائر. شعرت في الحقيقة بإهانة كبرى. مواقع هامة دكتها المقاتلات الإسرائيلية. وشخصيات قيادية في الحرس الثوري لقوا حتفهم.
شعرت دون أدنى شك بحرج كبير على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. لم تجد بدا من الرد. والرد الإيراني «ضرورة» ليس من باب حفظ ماء الوجه، إنما على أساس الدفاع عن النفس.
تحرك العالم. التصريحات والعناوين الحمراء قادمة من هنا وهناك. البعض منها عقلاني. والكثير متشنج لأنه كتب بلغة التهديد والتصعيد.
أتصور أن أحد أهم الأصوات التي صدرت في أعقاب الاعتداء الإسرائيلي على إيران خرج من العاصمة السعودية الرياض. كيف؟ كان رد فعل المملكة وخطابها السياسي، يحرص على تسمية الأمور بمسمياتها. فحين دانت الهجوم الإسرائيلي لم تتردد عن وصفه بـ»السافر». وفي الحقيقة هو كذلك.
ومضت إلى أن عدت التطاول الإسرائيلي مساسا بسيادة وأمن الجمهورية الإيرانية. وهذا يعني أن سيادة الدول عنوان كبير في المنهجية السياسية السعودية، ويعني أيضا احتراما كبيرا من قبل الرياض للأعراف والقوانين الدولية.
والتصريحات السعودية التي أعلنت وجسدها حراك وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان الذي لا يهدأ، ليست مجاملة لأحد، إنما نابعة من منهجية أصيلة ومتجذرة، تقوم على عدة عوامل. ما هي؟ أولا: أن المملكة فرضت نفسها على نادي صناعة السلام، وهذا ليس بمحاباة، فهي ليست بحاجة إلى ثناء من أحد.
ثانيا: التمسك بالثبات تجاه أي شكل من أشكال التوترات والأزمات في المنطقة والعالم. فهي تتبنى نهج الحلول السلمية الدبلوماسية، بل وتسعى لتكريسه، وتعمل على تلافي التصعيد والصراعات، من خلال توفير الظروف الملائمة لتحقيق الأمن الإقليمي والعالمي.
ثالثا: تكريس مفهوم السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة، والتركيز على تحقيق تطلعات شعوب المنطقة نحو مستقبل أفضل من الرخاء والازدهار والتكامل الاقتصادي، وتنحية النزاعات التي تعود بالتشرذم والفرقة.
استنطق الزميل فيصل بن أحمد الصحافي في «العربية»، أحمد الميموني، وهو مدير للأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، وقد رأى أن السعودية تدرك أن أي حالة تأثير في منظومة الأمن الإقليمي، ستجعل المنطقة تعود إلى حالة الصراع الذي يؤخر التنمية والتعاون المبني على المصالح المشتركة، والتعايش. وهذا صحيح. وتفسيره واقعي، ناتج عن رغبة المملكة في تنمية المنطقة لا عودتها للمربع الأول.
والباحث الميموني عد قرار السعودية بالمسارعة في إدانة الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، يؤكد حرصها على أهمية الحلول المبنية على الإجماع الدولي. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن المملكة تريد أن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته، وألا يرى الأمور بعين واحدة، ويكتفي بالاستنكار والشجب.
فالعمل لإيجاد السبل اللازمة لنزع فتيل التوتر، وتوفير المناخ للحلول والتهدئة لا التصعيد الذي قد يؤول لما لا يحمد عقباه؛ هو الخيار المناسب، مقابل أن الاختصام لا يؤدي إلى نقطة لقاء تصل في نهاية المطاف للتعايش بين شعوب العالم.
إن غض الطرف الذي تعتمده جهات ومنظمات دولية، من صميم عملها تنفيذ القوانين الدولية، يمنح الفرصة لأمثال نتنياهو لأن يصبحوا أبرز مقاولي الحروب. ويعطي المساحة لمن يريدون أن يعيشوا عظاما فوق الأرض لا تحتها. وأن تظهر شخصيات مشابهة له في تطرفه وجرأته على القانون الدولي. ومن يجد نفسه واعظا في قيم التحرر والاستقلال، وهو في الأساس يقتات على سفك الدماء، وخرق الأعراف الإنسانية والأخلاقية.
الخوف أن يتحول سلوك هذا المجرم لظاهرة، أو أن تنتهي حاكيته على رفوف قصص الدراما السوداء، التي تجيز أفعال المتعطشين للمقامرة بأرواح البشر.
هنا يعجز العالم عن مواجهة «نتنياهو فوبيا»، الشبيهة بشعار «الإسلام فوبيا»، وهو الذي عمدت عواصم غربية في حقبة مضت، على ترويجه لخلق حالة من الكراهية والخوف.
للحرب قوانين، وللجيوش عقيدة تجاوزها خطر، وكسرها يصعب جبره، إن خضعت للعقل المتطرف بالقول والعمل.
والتطرف ليس حكرا على أحد ينتمي لأي دين، بل أبواب السياسة مفتوحة أن يكون هناك سياسي يتغذى على الإرهاب والتهور.
والحكمة ليست مرتبطة بأحد من أي لون أو دين، لكن لها ناسها التي تستأنس بهم و يستأنسون بها.
أتصور أن الحكمة السياسية السعودية قادرة على مواجهة جماح المجانين.. بمن فيهم من يعيش على كومة البنادق المتهورة.
أخبار متعلقة :