التخطي إلى المحتوى
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
google news

يتابع عالم السياسة الشهير ألكسندر جليبوفيتش رار فى كتاب (روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟) والذى نقله إلى العربية (محمد نصر الدين الجبالى) بقوله: خلال عامى 2008 و2009 ساءت العلاقات الروسية الأوكرانية على كافة المسارات. وحاول الرئيس الأوكرانى فيكتور يوشنكو إخراج بلاده عنوة من الماضى السوفيتى والإنخراط فى إعادة كتابة التاريخ. ومن وجهة نظر روسيا كانت سياساته وخاصة التى تتعلق بإعادة الاعتبار للمسئولين الفاشيين إبان الحرب العالمية الثانية غير مقبولة. غير أن يوشنكو أخذ يدفع روسيا بعيدًا عنه ويسعى لدعم بناء هوية جديدة لأوكرانيا قوامها المبادئ والقيم الغربية. كان ذلك بالنسبة له وللنخبة الأوكرانية الموالية للغرب هو الرهان الذى يضمن عدم العودة إلى السير فى ركاب موسكو مرة أخرى. 

غير أن أوكرانيا كانت منقسمة على نفسها إلى جزئين شرقى وغربى. ولم يكن السبيل إلى توحيد الأمة الأوكرانية هو تبنى الأيديولوجية المعارضة لروسيا بل المصالح الاقتصادية المتبادلة. فيوشنكو لا يرغب فى تقديم نفسه كبطل تاريخى أعاد أوكرانيا بعد عقود من التبعية لروسيا إلى الحضارة الأوروبية. وبدت المواجهة المستمرة مع روسيا بالنسبة له الأسلوب الأمثل لكى يثبت للغرب ضرورة قبول أوكرانيا فى الناتو والاتحاد الأوروبى. وقام الرئيس يوشنكو ورئيس الوزراء تيموشينكو ورئيس البرلمان أرسينى ياتسينيوك بالتوقيع على نداء إلى حلف الناتو يقبول أوكرانيا فى عضوية الحلف. 

وفى بداية عام 2009 اشتعل خلاف جديد بين روسيا وأوكرانيا على أسعار الغاز. وقد تسبب فى نشوب الأزمة ارتفاع المديونية الأوكرانية لروسيا لشركة “غازبروم” الروسية وعدم الاتفاق على سعر الغاز لعام 2009. تضررت نصف الدول الأوروبية كالعادة من الخلاف بين البلدين الذى اشتعل فى منتصف الشتاء وتوقف ضخ الغاز الروسى عبر الأراضى الأوكرانية. وقد تمكنت بعض الدول من تجاوز الأزمة عن طريق رفع أسعار العبور عبر أراضى بيلاروسيا وبولندا غير أن دول البلقان عانت من الصقيع بسبب توقف إمدادات الغاز. وكانت أوكرانيا وروسيا هما أكبر الخاسرين فى هذه الأزمة وخاصة ما يتعلق بسمعتهما الدولية: روسيا لأنها أوقفت إمدادات الغاز إلى أوروبا وأوكرانيا لأنها أضرت بنفسها كدولة عبور للغاز وفقدت الفرصة فى إمكانية مد أنابيب غاز عبر أراضيها مستقبلا. 

كانت أزمة الغاز بمثابة دليل جديد على أن العلاقات الروسية الأوكرانية تمر بمرحلة خلاف مزمن، حيث ترغب أوكرانيا فى أن يتقبلها الغرب بوصفها دولة عظمى تناضل من أجل الدفاع عن الحرية. ولكنها تحاول أن تخلق جبهة مصطنعة لهذا النضال بدعم من دول البلطيق وجورجيا وبعض دول الاتحاد الأوروبى ومنها السويد وبولندا وبريطانيا. 

غير أن البلدان الأوروبية المتقدمة ليست مستعدة لانتهاج سياسة ردع روسيا أو بناء تحالف ضد موسكو. فالغرب فى حاجة إلى روسيا كشريك إستراتيجى فى الحرب على التطرف الإسلامى ولا تعتبر عدوًا جديدا بالنسبة لأوروبا. أدى ذلك إلى حاله من عدم الإتزان فى القيادة الأوكرانية. فلم يكن الغرب مقتنعا بالدور الذى تريد أن تلعبه أوكرانيا وكونها ضحية للإمبريالية الروسية.

واعتبر انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2009 فرصة جيدة لإرساء التعاون بين روسيا وأمريكا. كان أوباما يحلم فى البداية بالتوصل إلى اتفاق مع الرئيس ميدفيديف. فقد رأى فيه شخصا ينتمى إلى جيل مختلف تماما. وقد قضى كل من أوباما وميدفيديف نصف عمريهما فى أجواء ما بعد الحرب الباردة. وبدت الفرصة سانحة الآن لأن يقررا سويا حسم المشكلات التى تقف أمام البشرية وأهمها قضايا المناخ والطاقة والفقر ونزع السلاح وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل والتخلى عن إرث الماضى. وبات ممكنا أن تكتسب منظومة الأمن العالمى إطارا جديدًا من التعاون. كما بدا أن هناك مقاربة جديدة فى تشكيل تحالف طاقة بين موسكو والغرب. وتحدث أوباما عن رغبته فى عدم دعم السياسين المغامرين فى الجمهوريات السوفيتية السابقة من أمثال ساكاشفيللى.     

وقبل ذلك بعامين وجه الرئيس بوتين فى خطابه فى ميونخ حول قضايا الأمن انتقادات لاذعة إلى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ووصفها بالاستعلاء والأنانية. وتحدث بوتين حينها عن روسيا مؤكدا أنه قد انتهى عصر عالم القطب الأوحد. وفى أثناء مؤتمر ميونخ 2009 تشكل انطباع أن خطاب بوتين كان محل إنصات واهتمام، فقد دعا نائب الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن إلى إقامة تعاون وثيق بين روسيا والغرب، وأعلن أن واشنطن ستستمر فى بناء منظومتها المضادة للصواريخ فقط فى حال إثبات كفاءتها وهو ما اعتبر فعليا تخليا حذرا عن فكرة النشر السريع لمنظومة الرادارات والصورايخ فى أراضى أوروبا الشرقية.  

لعبت الأزمة المالية العالمية التى أضعفت الجميع دورًا فى حالة الدفء التى شابت العلاقات بين البلدين. لم يعد بمقدور الولايات المتحدة الأمريكية الادعاء بأنها الدولة العظمى الوحيدة فى العالم. أصبح هناك عالم متعدد الأقطاب. وتحتاج الولايات المتحدة الأمريكية فى هذا العالم الجديد إلى حلفاء جدد ليس من بينهم بالضرورة تلك الدول الأوروبية الضعيفة. وبمقدور روسيا أن تصبح واحدة من هؤلاء الشركاء والحلفاء. وأمل الجميع فى إلغاء العقوبات التى فرضت إبان الحرب الباردة وأن تنهار معها كل الحواجز التى عرقلت انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية. 

وفى الوقت نفسة فقدت الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامها بأوروبا وذلك لأن التحديات الرئيسية أمام واشنطن قد انتقلت إلى قارة آسيا. وفى القرن الحادى والعشرين تغير الوضع جذريا حيث انتقل الصراع إلى منطقة الشرق الأوسط وفى اتجاه الصين وظهرت تحديات جديدة تماما ومنها الاحتباس الحرارى وتجارة المخدرات عبر الحدود والتغيرات الديمغرافية ونقص موارد الطاقة ونقص الغذاء والمياة الصالحة للشرب والإرهاب الدولى. فضلا عن ذلك لم تعد قدرات الولايات المتحدة كما كانت عليه فى السابق، فقد ضاعفت الصين والهند وروسيا من قدراتهم. وتوحدت دول أمريكا اللاتينية فى منظومة تكاملية جديدة والآمر نفسه يحدث فى قارة آسيا. ولذا فقد أصبح على واشنطن تغيير نظامها الاجتماعى وانتهاج سياسة أكثر عقلانية فى الانفاق.        

       وللحديث بقية   

نتابع معا الان اخبار