عبر تطبيق
منذ تأسيسه في أوائل الثمانينيات، شكل حزب الله اللبناني لاعبًا رئيسيًا في الساحة السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، حيث تمكن من التحول من جماعة مقاومة صغيرة إلى قوة إقليمية مؤثرة. ومع ذلك، فإن اغتيال حسن نصر الله سيكون نقطة تحول كبيرة في تاريخ الحزب والمشهد السياسي اللبناني. سيتطلب ذلك تقييمًا معمقًا حول مستقبل حزب الله، قدراته العسكرية، ومدى تأثير غياب “نصر الله” على الديناميكيات الإقليمية. وما هي السيناريوهات المحتملة بعد اغتيال “نصر الله” وكيف سيتعامل حزب الله مع التحديات المقبلة.
نقطة تحول في قيادة حزب الله
اغتيال حسن نصر الله سيترك فراغًا هائلًا في قيادة حزب الله، ليس فقط على مستوى الداخل اللبناني، بل أيضًا على الصعيد الإقليمي. لما كان يتمتع به من كاريزما خاصة وقدرة فائقة على توجيه الخطاب الجماهيري وصياغة الاستراتيجيات السياسية والعسكرية التي جعلت من الحزب قوة قادرة على مقاومة إسرائيل والتوسع في سوريا واليمن والعراق، وإن لم تحقق نصرًا كاملًا عليها.
على الرغم من أن الحزب قد مر بتغييرات قيادية في الماضي، كما حدث بعد اغتيال عباس الموسوي في عام 1992، فإن استبدال “نصر الله” بغيره من القادة يمثل تحديًا مختلفًا تمامًا. ستمتد تأثيراته إلى ما هو أبعد من لبنان، حيث كانت مهاراته الخطابية وعقله الاستراتيجي وقدرته على توحيد الجناحين العسكري والسياسي للحزب لا مثيل لها.
ومن المتوقع أن تشهد قيادة الحزب انقسامًا داخليًا بين الجناح السياسي والعسكري. وربما تتجه الأنظار إلى الشخصيات الأبرز في الحزب، إذا تأكد نبأ اغتيال هاشم صفي الدين، مثل نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب، لتولي القيادة. ولكن يبقى السؤال المطروح هو: هل سيتمكن هؤلاء القادة من ملء الفراغ الذي سيتركه “نصر الله”؟ وهل سيحافظون على النهج الذي قاده أم سيتبعون مسارًا مختلفًا؟
ستكون هذه الفترة حرجة للحزب، حيث يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات الداخلية وتراجع نفوذه الإقليمي، خاصةً إذا لم تكن القيادة الجديدة قادرة على توحيد صفوف الحزب وتحقيق أهدافه.
تداعيات سياسية.. وانقسامات طائفية
يعد لبنان بلدًا متعدد الطوائف والأعراق، يعتمد بشكل كبير على التوازن الهش بين القوى السياسية، والذي لعب “نصر الله” دورًا كبيرًا في تشكيله والحفاظ عليه، وقد تؤدي وفاته إلى انزلاق البلد نحو أزمة سياسية أكثر تعقيدًا، إذ إن حزب الله ليس قوة عسكرية فقط، بل هو أيضًا لاعب سياسي أساسي في الحكومة اللبنانية وله قاعدة جماهيرية واسعة بين الطائفة الشيعية.
وربما يؤدي اغتيال “نصر الله” إلى صراع على السلطة داخل الطائفة الشيعية نفسها، حيث يمكن أن تنقسم الآراء بين الموالين لتوجه “نصر الله” والذين يرون الحاجة إلى تغيير في استراتيجية الحزب. هذا الوضع يمكن أن يعزز الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة في البلاد، خاصة إذا استغلت الأحزاب السنية أو القوى السياسية الأخرى هذا الفراغ لتحقيق مكاسب سياسية.
كما قد يواجه حزب الله ضغوطًا متزايدة من الدول الغربية والعربية التي تعتبره تهديدًا لاستقرار المنطقة. بدون وجود قائد قوي مثل “نصر الله”، قد يصبح الحزب أكثر عرضة للتدخلات الخارجية أو حتى للصراعات الداخلية التي قد تضعفه على المدى الطويل.
ديناميكيات القوة الإقليمية
إن تأثير اغتيال حسن نصر الله سيمتد إلى خارج حدود لبنان ليصل إلى الديناميكيات الإقليمية. حيث كان لاعبًا رئيسيًا في رقعة الشطرنج الجيوسياسية بين إسرائيل وإيران، كما كان شخصية مركزية في التحالف الشيعي الذي تقوده إيران في المنطقة. وبدونه قد يجد هذا التحالف نفسه في موقف صعب، خاصةً إذا لم يكن هناك خليفة يتمتع بالقدرة ذاتها على التنسيق والتواصل مع طهران.
ستسعى إيران بكل تأكيد إلى الحفاظ على نفوذها من خلال تقديم دعم أكبر لحزب الله، إلا أن غياب “نصر الله” سيؤدي إلى تقلبات في توازن القوى بين الحلفاء التقليديين، ومن الممكن أن تشهد المرحلة المقبلة تراجعًا نسبيًا في تأثير حزب الله على الصعيد الإقليمي، ما سيتيح الفرصة أمام الفاعلين الإقليميين الآخرين مثل تركيا وإسرائيل لتعزيز نفوذهم.
أما بالنسبة لسوريا واليمن، فإن تأثير غياب “نصر الله” قد يكون محدودًا على المدى القصير، لكنه قد يؤدي إلى إعادة حسابات التحالفات في المستقبل. هناك أيضًا تساؤلات حول ما إذا كان الحلفاء الإقليميون لحزب الله مثل الحشد الشعبي في العراق سيواصلون الاعتماد عليه كمرجعية أم أنهم سيسعون إلى تعزيز مواقعهم بشكل مستقل.
سيناريوهات الرد!
اغتيال شخصية بارزة مثل حسن نصر الله لن يمر دون رد فعل من حزب الله، وهذا الرد سيكون عاملًا حاسمًا في تحديد مستقبل الحزب، الذي كان يرد على اغتيال قاداته تاريخيًا بتدابير انتقامية محسوبة، ولكن في حالة “نصر الله”، فإن الرهانات أكبر من أي وقت مضى. فقد تختار قيادة حزب الله تنفيذ هجوم كبير ضد أهداف إسرائيلية، مما قد يؤدي إلى تصعيد شامل. ولكن قد يختار التنظيم أيضا الحذر والتركيز على الحفاظ على قوته السياسية في لبنان. ما يعني أن الحزب يواجه خيارين رئيسيين: التصعيد العسكري أو الاحتواء السياسي.
ومع ذلك، فإن الخيار الآخر قد يكون محاولة احتواء الأزمة من خلال التركيز على الداخل اللبناني وتقوية الوضع السياسي للحزب في الحكومة، وهذا السيناريو يعتمد بشكل كبير على توازن القوى داخل الحزب وقدرة القادة الجدد على تجنب الانقسامات الداخلية.
هناك أيضًا احتمال أن يلجأ حزب الله إلى تعزيز وجوده في سوريا والعراق كجزء من استراتيجية إقليمية لتعويض الخسائر المحتملة في لبنان. وفي كلا الحالتين، سيكون الحزب بحاجة إلى دعم إيراني أكبر لمواصلة لعب دوره كقوة إقليمية.
القدرة العسكرية لحزب الله بعد “نصر الله”
القدرة العسكرية لحزب الله لطالما كانت حجر الزاوية في استراتيجيته للبقاء كقوة مؤثرة في المنطقة، حيث بنى الحزب ترسانته العسكرية على مدى سنوات، معتمدًا على دعم إيراني واسع وتدريب مكثف، واكتسب خبرة كبيرة في الحروب غير التقليدية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيتمكن الحزب من الحفاظ على هذه القدرة بعد اغتيال “نصر الله”؟ وهل تختفي قدرة الحزب على الصمود بين عشية وضحاها؟
قد يتأثر الحزب على المستوى المعنوي بعد فقد قائده، ولكن قدرته العسكرية لا تزال تعتمد على هيكليات تنظيمية قوية وخبرة قتالية مكتسبة من خلال التدخل في سوريا. ومع ذلك، قد تواجه القيادة الجديدة تحديات كبيرة في توجيه هذه القوة والحفاظ على تماسك الوحدات العسكرية في ظل غياب “نصر الله”.
وسيكون الحفاظ على دور الحزب كقوة إقليمية رهنًا بعدة عوامل، أهمها قدرة القيادة الجديدة على تقديم نفس المستوى من الحكمة الاستراتيجية التي كان يتمتع بها “نصر الله”، فضلًا عن الحفاظ على العلاقات القوية مع إيران.
إسرائيل، من جانبها، ترى في اغتيال “نصر الله” انتصارًا كبيرًا. فقد كان يُعتبر خصمًا قويًا بفضل قدرته على قيادة عمليات حزب الله العسكرية. ومع ذلك، فإن إسرائيل تستعد لرد فعل حزب الله المحتمل، الذي قد يؤدي إلى تصعيد جديد في الصراع الطويل الأمد بين الطرفين.
وستكون إسرائيل أكثر حدة في التعامل مع حزب الله، وقد تسعى لاستغلال الوضع لتوجيه المزيد من الضربات العسكرية التي تستهدف ترسانته. وعلى الجانب الآخر سيسعى حزب الله لتعزيز تواجده العسكري في المناطق الحساسة، مثل جنوب لبنان وسوريا، للردع ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل.
نتابع معا الان اخبار