عبر تطبيق
في كل عام يأتي الحديث عن التراث الثقافي غير المادي ربما تقام له الاحتفالات والمهرجانات وإقامة بعض الورش وتقديم بعض الحرف اليدوية وغيرها من سبل أو أشكال الاحتفال.. ولكن يظل السؤال عالقًا.. هل نحن حقًا نحافظ على ما نحمله من إرث ثقافي يعبر عن الثقافة والهوية الوطنية.. وهل نحن نقدم له التدابير التي تعمل على صون هذا الإرث من خلال عمليات البحث والتنقيب والتوثيق العلمي.. أم أن الأمر بات يقتصر على إقامة بعض الندوات في الغرف المغلقة.. بعيدًا عن حملة هذا الإرث؟.
ركيزة أساسية
يُعد التراث الثقافي غير المادي إحدي الركائز الأساسية التي تشكّل الهوية الوطنية وتغنيها، فهو يجسد القيم والتقاليد التي توارثتها الأجيال من جيل على جيل عبر الأزمنة المتعاقبة، فهذا الإرث التي يتنقل بشكل طبيعي من الأجداد إلى الأحفاد عبر التواصل الشفهي تارة وعبر الممارسة العملية تارة أخرى.
ولكن هل نحن فعلاً نعي أو ندرك مدى أهمية الحفاظ على هذه النفائس الثقافية؟ وهل ما تقوم به بعض الجهات كافٍ لضمان استمرارية هويتنا الثقافية في ظل العولمة المتسارعة؟
بل إن ما نحمله من إرث قد يبدو معرضًا للاندثار والخطر وتشويه الهوية في ظل التطور التكنولوجي الهائل وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي وظهور الميتافيرس وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي .. هل كل تلك الوسائل من الممكن أن تؤثر على ما نحمله من إرث .
قد يبدو أن عملية الاحتفال بالتراث الثقافي غير المادي هو واجب جماعي يتطلب منا جميعًا أن نكون حراسًا لتلك العادات والتقاليد التي تُعبّر عن خصوصيتنا وهويتنا الثقافية، فلا بأس من إقامة بعض الاحتفالات التي تكون فرصة جيدة لتعريف الأجيال الجديدة على الإرث الثقافي وبعض الحرف والمهن التي اندثرت بفعل التطور التاريخي.
ويأتي تنظيم المهرجانات الثقافية التي تستعرض الحرف التقليدية والفنون الشعبية، والتي تُعتبر بمثابة جسورٍ تربط الماضي بالحاضر.
هل يمكن تجاهل هذا الإرث “الكنوز البشرية الحية”؟
ويبقى السؤال كيف نحافظ على هذا الإرث وقد أصبح حاملو التراث والهوية والثقافة، وهم من نطلق عليهم “الكنوز البشرية الحية” والذين يملكون مهارة الصناعة والحرفة اليدوية والتي هرب منها الأحفاد والأبناء نظرًا لصعوبة الحياة أو عدم الحاجة لبعض الأنواع من تلك الحرف او الصناعة؟.
وقد يرحل حاملو الحرفة دون أن يتم توثيقها أو تسجيلها، فيرحل معه مع يحمله من إرث.
ويظل السؤال كيف لنا أن نتجاهل أهمية هذا الإرث في صياغة النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمعات؟، إن الحفاظ على الكنوز البشرية الناقلة لهذا التراث يعد مسئولية جماعية تتطلب تضافر الجهود وتكامل السياسات.
هل نعي قيمة التراث الثقافي غير المادي وما يجسده من أهمية للحفاظ على الهوية الثقافية؟
ألا ينبغي أن نعتبر هؤلاء الأفراد كنوزًا حية، نظرًا لدورهم الحيوي في صون ونقل المعارف التقليدية والفنون الشعبية؟، إنهم يجسدون روح الأمة ويعكسون تاريخها العريق، لذا فإن حمايتهم ودعمهم هو حقاً واجب وطني.
إن التحدي الذي نواجهه اليوم يكمن في كيفية توثيق هذه المعارف ونقلها بفعالية للأجيال الصاعدة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم.
تعزيز السياسات الثقافية
وهنا يجب أن يتخطى حاجز الاحتفال بالتراث الثقافي غير المادي، وإلا يقتصر الاحتفال على القاعات المغلقة أو بعض الندوات والمؤتمرات، والتي إذا خرجت بتوصيات تظل حبيسة بداخل الأدراج، ويجب أن نعمل على تعزيز السياسات الثقافية التي تدعم حماية التراث غير المادي من خلال التعليم والبحث والتوثيق.
كيف يمكن لنا أن نحقق التوازن بين الحفاظ على هذه التقاليد وبين الانفتاح على الحداثة؟ والعمل على تكوين نهج متكامل يربط بين الماضي والحاضر، ويحفز على الابتكار والتجديد دون التفريط في الجذور.
الوعي الجماعي
وإذا كنا نتحدث عن استراتيجية جديدة لبناء الإنسان المصري يجب أن نعمل على زيادة وعي الجماعة الشعبية بأهمية ما يملكه كل فرد من إرث ثقافي متفرد لاسيما وأن مصر تتمتع بإرث ثقافي وحضاري لا يوجد مثيل له، فكل محافظة أو منطقة أو نجع من النجوع المصرية يتميز بإرث حضاري وثقافي يختلف عن ما يجاورها من أماكن.
فالجماعة الشعبية وما تحمله من عادات وتقاليد تميز كل منها، ومن هذا التنوع الكبير، يجب على الدولة تعي بأهمية الحفاظ على الكنوز البشرية الحية خاصة بعض الفنانين الذين يملكون أدوات فنية خاصة كلاعبي الأراجوز، وبعض الحرفيين والنساجين، ومكفتين النحاس، وبعض المهن التي باتت مهددة بالاندثار ولا يوجد منها إلا القليل.
فهؤلاء الكنوز يجب أن يكون لهم مكان وكرسي المُعلم الذي يقوم بتعليم ما يملكه من مهارات وإرث للأجيال الجديدة، حتى نضمن عملية الحفاظ على الهوية، وعلى الأجيال الجديدة أن تحافظ على الإرث وتقوم بدعمه والابتكار والتجديد عليه بما يحافظ على هذا الغرث ويضمن استمراريته.
فإن الأمل في المستقبل يكمن في وعينا الجماعي بأهمية هذا التراث وفي قدرتنا على تحويله إلى مصدر إلهام وتطور. وبهذا، يمكننا أن نضمن نقلاً سلسًا ومستدامًا للثقافة، مما يعزز من شعورنا بالفخر الوطني والانتماء الثقافي، ويؤكد على دورنا كمجتمع في الحفاظ على ثرواتنا اللامادية.
فتمثل عملية الحفاظ على الكنوز البشرية الحية التي تحافظ على التراث بمثابة دعامة أساسية في بناء الهوية الثقافية للأمم. فهي ليست مجرد أفراد يحملون مهارات ومعارف تقليدية، بل هم حراس للذاكرة الجمعية وتجسيد للهوية الوطنية في أبهى صورها. في ظل التحديات العالمية المتزايدة التي تواجهها الثقافات المحلية، يتساءل المرء.
كيف نحمي هذه الكنوز البشرية؟
ولكي نحافظ على هذا الغرث والكنز البشري يجب أولا الاعتراف بأهمية هؤلاء الأفراد، وأن نعمل على دعمهم وتمكينهم من نقل معرفتهم إلى الأجيال القادمة، مع توفير لهم الرعاية الصحية والمادية التي تضمن لهم حياة كريمة، هؤلاء الأفراد يمثلون أملًا حقيقيًا في الحفاظ على التنوع الثقافي الذي يثري النسيج الاجتماعي للأمم.
فهم يذكروننا بضرورة التمسك بجذورنا، في وقت نحتاج فيه بشدة إلى قيادة ثقافية تعزز الفخر الوطني وتعمل على استنهاض الهمم لتحقيق التقدم. كيف يمكن لنا، بتضافر جهودنا، أن نخلق بيئة تحتضن هذه الكنوز وتحميها من الاندثار.
=============