تواجه ولاية راخين فى ميانمار أزمة إنسانية حادة نتيجة للصراع المستمر والحصار الاقتصادى المفروض عليها، وأدى هذا الوضع إلى تدهور حاد فى الأوضاع المعيشية للسكان، حيث يعانى ملايين الأشخاص من نقص حاد فى الغذاء والدواء.
وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف الأسر فى الولاية تعاني من انخفاض حاد فى دخلها، مما يجعلها عاجزة عن توفير احتياجاتها الأساسية، بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، مما زاد من معاناة السكان.”
حذر مسؤول كبير فى الأمم المتحدة من أن مليونى شخص فى ولاية راخين بميانمار قد يواجهون الموت جوعًا خلال الأشهر المقبلة بسبب الصراع العنيف والحصار التجارى الذى أدى إلى انهيار اقتصادى شامل وخطر المجاعة.
أصبحت ولاية راخين، الواقعة على الحدود مع بنجلاديش فى الغرب، على شفا الكارثة، مع انخفاض دخول الناس بشكل حاد، وتراجع زراعة الأرز، والقيود التجارية التى فرضها الجيش والتى أدت إلى نقص حاد فى الغذاء وتضخم هائل، ووفقًا لدراسة قادمة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن الجيش يتهم بفرض “عقاب جماعي” على المدنيين.
وقالت صحيفة الجارديان البريطانية نقلا عن الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير الإقليمى لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى كانى ويجناراجا، إن الوضع غير مسبوق فى ميانمار وأضاف: “لم نشهد هذا الانهيار الاقتصادى الشامل من قبل”.
وأوضحت الصحيفة البريطانية: “إذا استمر هذا الوضع حتى عام ٢٠٢٥، وهو أمر مرجح للغاية، سنرى ما يقرب من مليونى شخص على حافة المجاعة، والعديد من العائلات التى استطلعت آراءها تعمل الآن على خفض حصصها الغذائية إلى وجبة واحدة يوميًا – وبعضها أقل من ذلك”.
وتشير أبحاث برنامج الأمم المتحدة الإنمائى إلى أن أكثر من نصف الأسر فى راخين، أى نحو ١.٤ مليون شخص، سوف تشهد انخفاض دخلها الشهرى من ٦٦٦٠٠ كيات (٣١.٧٠ دولار) إلى نحو ٤٦٦٢٠ كيات (٢٢.٢١ دولار) بعد تصعيد القتال فى أواخر العام الماضي. وهذا بالكاد يكفى لتغطية تكاليف الأرز، دون احتساب المواد الغذائية الأخرى أو النفقات المتعلقة بالإيجار أو المأوى أو النقل أو الاحتياجات الصحية.
اندلع الصراع فى ولاية راخين على حدود ميانمار مع بنجلاديش، من جديد فى أواخر العام الماضي، ولا تزال الولاية تعانى من قتال عنيف بين الجيش وجيش أراكان، وهى جماعة عرقية فى راخين تريد دولة مستقلة.
وقال تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى إن القيود التى فرضها الجيش “تهدف بوضوح إلى عزل راخين عن بقية البلاد وفرض” عقوبة جماعية “على السكان المعرضين للخطر بالفعل”.
الوضع يائس بشكل خاص بالنسبة لـ ٥١١ ألف نازح فى راخين، بما فى ذلك الروهينجا، الذين يعتمدون على المساعدات من الوكالات الإنسانية والمجتمع.
وقالت الجارديان إن القدرة على الوصول إلى المناطق المأهولة بالسكان كانت “محدودة بشدة” بالنسبة لوكالات الإغاثة، بسبب العقبات البيروقراطية التى فرضها الجيش، مثل متطلبات الحصول على تصاريح خاصة، فضلًا عن شدة الصراع.
وأشارت الصحيفة إلى.أنه فى يوليو تأكدت وفاة أكثر من ثلاثين طفلًا خلال تفشى الإسهال، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. قد يكون العدد الحقيقى للوفيات أعلى من ذلك.
حتى الباراسيتامول غير متوفر فى الأساس بسبب ارتفاع سعره. تباع العبوة الواحدة – وهى عبارة عن شريط من ١٢ كبسولة – بسعر يتراوح بين ٦٠٠٠ و٧٠٠٠ كيات (٢.٨٦ إلى ٣.٣٣ دولار).
وأضافت الصحيفة البريطانية أن الصراع أدى إلى توقف قطاع البناء، وهو المصدر الرئيسى للعمالة، ودفع مئات الآلاف من الناس إلى النزوح من منازلهم.
فى الوقت نفسه، ارتفعت أسعار الأغذية الأساسية مثل الأرز وزيت الطهى إلى نحو عشرة أضعاف فى المناطق الأكثر تضررا، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتوقعت أن يبلغ إنتاج الأرز هذا العام ٩٧ ألف طن فقط، وهو ما يكفى لتغطية ٢٠٪ فقط من احتياجات السكان. وهذا أقل من إنتاج العام الماضى الذى بلغ ٢٨٢ ألف طن، والذى لم يلب حتى ذلك الحين سوى ٦٠٪ من الاحتياجات.
انخفض عدد طرق التجارة التى تنقل الإمدادات إلى راخين إلى طريقين من ٨ إلى ١٠ طرق كانت موجودة قبل أكتوبر ٢٠٢٣.
لتجنب السيناريو الأسوأ، دعا برنامج الأمم المتحدة الإنمائى إلى رفع جميع القيود حتى تتمكن السلع التجارية من التدفق داخل وخارج راخين، بما فى ذلك عبر حدود ميانمار مع الهند وبنجلاديش، ولتمكين عمال الإغاثة من الوصول دون عوائق.
وقال تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى إن هناك حاجة ماسة إلى التمويل للسماح بتوسيع العمليات.
ومع ذلك، قالت الصحيفة إن الأزمة فى ميانمار وصلت إلى نقطة حيث لم تعد أعمال الإغاثة اليومية قادرة على فعل أكثر من “تأجيل الجوع ربما حتى اليوم التالي”.
وأضافت أن “الأزمة أكبر من مجرد مجاعة إنها كارثة سياسية وانهيار، إنها تحتاج إلى تسوية سياسية شاملة والتى يجب أن تكون من خلال تكاتف بقية العالم، ويمكن أن تقودها الجهات الفاعلة الإقليمية المباشرة ورابطة دول جنوب شرق آسيا، بدعم من الأمم المتحدة”.
وأوضحت أن الافتقار إلى الاهتمام الدولى بميانمار كان “مقلقًا للغاية بالنظر إلى شدة ما يجري”.
كما ذكرت الصحيفة ارتفاع عدد الروهينجا الذين قاموا برحلات بحرية خطيرة لمحاولة الوصول إلى إندونيسيا الشهر الماضى بشكل حاد مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ووصل ما لا يقل عن ٣٩٥ لاجئًا من الروهينجا، بينهم ١٧٣ طفلًا، إلى إندونيسيا بالقارب فى أكتوبر، مقارنة بـ ٤٩ مسجلًا فى نفس الشهر فى عام ٢٠٢٣، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة التى نقلتها منظمة إنقاذ الطفولة.