السفير الفنان: لدي عشقان الفن والدبلوماسية
_ «الأوريجامي» فن يحتاج إلى صبر ودقة لتنفيذه
_ الفنان البصري فيلسوف مهموم بمشاكل المجتمع
_ الذكاء الاصطناعي وسيلة يجب على المبدعين استغلالها
جاب دول العالم من خلال وظيفته الدبلوماسية، ورغم ذلك لم ينس لحظة شغفه القديم بالفن، الذى نما بداخله منذ نعومة أظفاره، ولكن القدر كان له رأى آخر، فالتحق بالعمل بوزارة الخارجية المصرية، فأصبح لديه عشقان الفن والدبلومسية، هكذا قال الفنان السفير يسرى القويضى، «البوابة نيوز» اقتحمت عالمه الإبداعى لتكشف كواليس رحلته الاستثنائية.
قال السفير الفنان يسرى القويضى لـ«البوابة نيوز»، إن الحياة أصبحت مليئة بالقتامة والتشاؤم نظرا لحصار المشاكل الاقتصادية، والسياسية، فكان لابد أن ننتبه الى ذلك ونعمل على تغيير كل شىء، وندعو للتفاؤل لذلك اختار هذا الاسم لمعرضه الأخير، وهو «دعوة للتفاؤل»، الذى افتتح بجاليري آرت كورنر، نهاية أكتوبر الماضى، واستمر حتي السبت ٩ نوفمبرالجارى، حيث افتتحه الفنان محمد عبلة وباقة من المبدعين والمثقفين.
وعن سبب اختياره اللون الأبيض فى لوحاته، أكد أنه اختاره لأنه لون مشرق ومضىء وبه صفاء وتفاؤل، موضحًا أن معرضه يتضمن ٣١ لوحة استغرقت حوالى ٣ أشهر لإعدادها، بطريقة فن «الأوريجامى»، حيث يحتاج ذلك الفن إلى صبر ودقة فى تنفيذه.
وكشف «القويضى» عن كواليس رحلته من الدبلوماسية إلى الفن وقال: أنا مصور وغاو الرسم والتصوير منذ الطفوله وهذه هواية وظلت تلازمنى طول العمر، والتحاقى بالعمل بوزارة الخارجية كان بسبب «أمى» التى أصرت أن أقوم بالتقديم فى الاختبارات ونجحت ومن ثم التحقت بالوزارة، وأصبح لدى غرامين غرام بالفن وغرام بالدبلوماسية.
وأشار السفير الفنان إلى أن الفن بالنسبة له تعبير بصرى، فالفنان البصرى مثل المفكر أو الفليسوف الذى يظل دائما مهمومًا بالمجتمع وهمومه، مضيفًا أن الفنان يستطيع أن يصيغ أى قضية، سواء كانت سياسية أو حتى الحروب ويعبر عنها، حتى الأشياء المجردة التى لا نستطيع أن نعبر عنها إلا بالرسم مثل الملل لا نستطيع التعبير عنه إلا بالفن البصرى وخاصة بالأساليب الحديثة، فالفن المفاهيمى هو التعبير عن الأفكار.
وبسؤاله عن أن كان قلقًا من غزو الذكاء الاصطناعى للفن التشكيلى، لفت «القويضى» إلى أن الفنان يجب أن يقوم باستغلال أى ابتكار جديد يطرأ، فعلى سبيل المثال لو كان التليفزيون والفيديو موجودون، أيام ليوناردو دافينشى كان لابد أن يستخدمهم ويستغلهم كوسائل مساعدة، ولابد من وجود تجارب لأنها تؤدى إلى وجود نتائج فى النهاية، مؤكدًا أن القواعد وضعت لكى نكسرها.
وقال «القويضى»: «قد تبدو اللوحات متشابهة، لكنها مختلفة، اعط لنفسك وقتا للوقوف أمام كل واحدة، تأملها بفكر متأن وخيال واسع خلاق، ستدرك ان المستقبل يحتاج صفاء القلب، والأذهان، لقهر الكآبة والقتامة التى تحوطنا».
وأضاف: «هذا عرض قيمته فى رمزيته، هدفه الدعوة للتفاؤل، فانتبهوا أصدقائى، العرض ربما يصدم البعض، فجميع لوحاته منفذة بأسلوب طي الورق (الأوريجامي) بيضاء المساحة بدون موضوع، الهدف منه الدعوة للإشراق والأمل والتفاؤل، لكسر التشاؤم والقتامة والكآبة التي تحوط حياتنا».
وتابع: «نحن في حاجة لقهر وهدم المحاولات المغرضة التي تريد النيل من معنويات المجتمع وكسر إرادة افراده، إن عرضي هو جرس إنذار للتنبيه، ودعوة للتفاؤل بالمستقبل بإذن الله».
وأردف أن فنان التعبير البصري المعاصر مهموم بمشكلات بلده، مثله مثل الكاتب والأديب يفصح عن فكره ورأيه لخدمة المجتمع، لكن بأسلوب رمزي بصري، وهذا ما سعيت اليه من خلال معرضي.
واستكمل: «يتوج هذا المعرض رحلتي الطويلة مع الفن، الرحلة التي بدأت منذ الطفولة في اربعينيات القرن العشرين، عندما اكتشفت أن ذاكرتي البصرية تفوق ذاكرتي السمعية، ومن وقتها سري التعبير بالرسوم في دمي، وأصبح الرسم أقرب وأسهل وأمتع وسائل الإفصاح عن مشاعري».
واستطرق: «في شبابي وعلي اعتاب الدراسة الجامعية، رغبت في دراسة العمارة، باعتبارها مهنة قريبة من عشقي للرسم والتصوير، لكن القدر خطط لي شيئا آخر، فقذف بي ناحية الدراسات الاقتصادية والتجارية، لم أعاند ورضيت بما قسمه القدر، أكملت دراستي الجامعية، وظللت أمارس التصوير هوايتي المفضلة، لم أتخل عنها، فالحياة بدون الفن لا معني لها».
وتابع: «كانت أعمال فناني مصر في الخمسينيات ذات طابع تشخيصي واقعي، بعضهم يلتزم بواقعية كلاسيكية، والبعض الآخر يصور الواقع بأسلوب انطباعي، فتأثرت بأعمالهم، وسرت علي نهجهم في البداية، لكن بالاطلاع والقراءة تعرفت علي اتجاهات مستحدثة سواء من ناحية الموضوعات أو من ناحية استخدام خامات جديدة بأساليب غير مألوفة، تنبهت أن للفن أبعادا أخرى بخلاف التشخيص والواقعية».
وأشار إلى أنه في عقد الستينيات عملت موظفا بوزارة الاقتصاد صباحا، ودارسا بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة مساء، وكنت في غاية السعادة، لكن القدر لعب معي مرة أخرى، سلط علىّ الحاح والدتي للتقدم لامتحان وزارة الخارجية لألتحق بالسلك الدبلوماسي، ففعلت دون اقتناع حتى لا أغضبها، نجحت، والتحقت بالسلك الدبلوماسي في عام ١٩٦٢، وتدرجت بوزارة الخارجية الي أن أصبحت سفيرا من الفئة الممتازة مساعدا لوزير الخارجية، وأنهيت عملي بها عام ٢٠٠٠.
واختتم: «أحببت عملي بوزارة الخارجية، قد أتاح لي فرصة السفر والإقامة بالخارج، فتعرفت على ثقافات مختلفة واتجاهات فنية متعددة، واتسع قلبي لحبيبتين (الفن والدبلوماسية) وظل الحال هكذا إلى أن انهيت خدمتي الحكومية وتحررت من قيود الوظيفة، فتركت العنان لشخصية الفنان بداخلي لتندفع بحماس تعوض ما فاتها بعد أن كانت أسيرة لربقة الوظيفة الرسمية».
خلال سنوات إقامتي بالخارج خبرت عن قرب تطورات حركة الفنون البصرية، في انطلاقها من الواقعية، والابتعاد التدريجي عن تقليد ومحاكاة الواقع الي تحليل عناصر الأشياء وتفكيكها، ثم إعادة صياغة تركيبها، وتابعت محاولات الفنانين تلخيص واختصار مكونات العمل الفني، وكيف أطلقوا انفعالاتهم لتنبثق التجريدية التعبيرية، أو إعمالهم للعقل فأوجدوا التجريد الهندسي، لقد اختلفت المدارس الفنية وتعددت تفريعاتها لكنها كلها لم تخرج عن نطاق الأشكال التقليدية «لوحة، وتمثال».
إلى أن قفزت الأعمال الفنية من داخل القاعات إلى خارجها، وظهرت أعمال فنية تُعَبرُ عن الأفكار والمفاهيم، وأخذت الفنون المفاهيمية مكانها في حركة الفنون البصرية وعززت وجودها بالمستحدثات الرقمية والإلكترونية، لقد تطور النشاط الفني البصري لأشكال متعددة.
وأكسبني وجودي بالخارج لأكثر من ربع قرن خبرات جديدة وواسعة، ساعدتني في تفهم الأسباب والعوامل والفلسفات التي أوصلت تطور حركة الفنون البصرية إلى ما هي عليه في وقتنا المعاصر.
وأصبحت مقتنعا، وأنا في ختام رحلتي مع الفن، أن الفنان المعاصر صار مثله مثل الكاتب الأديب، أو الفيلسوف المفكر، لكنه يُعَبرُ بصريا «مستعينا بكافة الوسائط تقليدية أو غير تقليدية» عما يدور في أعماق نفسه من شجون، وما يدور في ذهنه من آراء وأفكار. ولم يعد دور الفنان المبدع المعاصر امتدادًا لما ورثه، وتعود عليه من أفكار وأساليب، لقد أصبح مفكرًا، لا يعرض الموضوعات والمشاكل فقط، وإنما يطرح أيضا وسائل التعامل معها لتجنبها أو لكيفية التغلب عليها.
دفتر زيارات معرض «دعوة للتفاؤل»
قال الفنان عمار شيحه: الإنسان الجميل والفنان المبدع والصديق العزيز.. مبروك معرضك الجميل.. مبروك الإبداع فى المرحلة الإبداعية الجميلة، دمت مبدعًا.
وقال الفنان أيمن لطفى: أشكر معاليك على الطاقة الرائعة من هذا المعرض الذى يحمل معاني كثيرة وكم تمنيت أن أبقى طول اليوم وسط هذا الجمال الروحانى الفكرى.
بدورها قالت الفنانة إيمان أسامة: الفنان والإنسان القدير.. كل الحب والتقدير لمشوارك وبصمتك الفنية الثرية فى الفن والفكر المصرى شكرًا على المعرض.
أما الفنان الدكتور خالد سرور فقال: ألف مبروك سيادة السفير.. معرض مفعم بالمشاعر والإحساس المرهف.. عرض ينم عن نقاء النفس وتوهج للأحاسيس.
وقال الفنان رضا خليل: معرض مختلف ويجعل المتلقى يفكر كثيرًا وهذا التنوع الفكرى هو سحر الفن.
من ناحيته قال الفنان الدكتور أحمد رفعت: من قال إن الأبيض “لا لون”؟؟ إنه اللون داخل خبراتنا.. إنه اللون داخل العين التى ترى كل جميل.. إنه لون الفنان الناقد يسرى بك قلمك الناقد الحر رؤيتك التشكيلية البديعة وجهان لعملة واحدة.. عمله أصيلة .. نبتت من تراب مصر النابضة بالحياة.
وقال الفنان سمير فؤاد ابراهيم: فى رحاب عالم الصديق العزيز السفير الفنان يسرى القويضى والذى كان دائما يبحث عن الجديد خارج المألوف واختار العزف بخامة الورق الأبيض مستخدما تقنية الأوريجامى ليخرج أعمالا حداثية تدعونا لنتأمل ما وراء العلاقات المبتكرة التى تكونها مكعبات رصت كالمصفوفات الرياضية .. تحياتى وتمنياتى بمزيد من الإبحار فى محيط الفن الواسع.
وعبر الدكتور رضا عبد السلام عن سعادته قائلا: وقد حدثنى تليفونيا حول رغبته لإقامة هذا المعرض بسبب الظروف الحياتية الحالية القاسية التى تمر بها مصر.. “تلك التى تحوطها كل أنواع المشاكل التى يغلفها التشاؤم، والقتامة، والسواد، والشائعات المغرضة المؤرقة، ويستخدم اللون الأبيض في الفن الحديث كوسيلة للتعبير عن النقاء، والروحانية، والصمت المطبق؛ أى الموت، مثلما نقيضه الأسود رمز الصمت الداخلى، والخوف والحزن، وكذا استخدامه الوظيفى الشائع، كالبلاطات القيشانى البيضاء التى كانت تكسوه حوائط الحجرات بالمستشفيات بغرض خلق راحة نفسية للمرضى.. ولا يفوتنا هنا القول إن اللون الأبيض يمكن أن يضفي طابعاً فنياً عصريًا وأنيقًا على التصميم الداخلي والديكور.. ويعتبر استخدام الأبيض أسلوبًا شائعًا لإضفاء طابع مشرق وأنيق على المساحات الداخلية وهكذا.