أكد الباحث فى حركات الإسلام السياسي هشام النجار، وجود خطط توسعية لإيران في منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر أذرعها العسكرية والسياسية بالمنطقة.
وأضاف «النجار» في حواره لـ«البوابة»، أن طهران تسعى لتحقيق هذه المخططات حتى لو جاءت على حساب حل القضية الفلسطينية.
واستعرض «النجار» أبعاد هذا التوسع الإيراني، ودراسة أهدافه الإستراتيجية وتأثيره على استقرار المنطقة وأمنها وتفاصيل الدور الذى تلعبه تلك الجماعات المدعومة من إيران، وكيف يؤثر دعمها على سيادة الدول واستقلالها، وما هى المخاطر المحتملة التى تنطوي عليها
وإلى نص الحوار..
■ كيف تمكنت إيران من بناء أذرع لها فى عدد من دول الشرق الأوسط، وما أهدافها الإستراتيجية من ذلك؟
– حدث ذلك نتيجة للعديد من المتغيرات المهمة منذ انطلاق الثورة الإيرانية فى العام ١٩٧٩م وهى التى قامت فى الأساس على مبدأ تصدير الثورة لإعادة الاعتبار واستعادة النفوذ والتوسع للإمبراطورية الفارسية ولكن تحت عباءة جمهورية إسلامية شيعية تهيمن على فضاء جيوسياسى ممتد من صنعاء إلى بيروت ولذلك وجدت السلطة الحاكمة فى طهران الغزو الأميركى للعراق وتفجيرات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١م قبله بعامين فرصة نادرة ذهبية لا تكرر للبدء عمليًا فى تنفيذ المخطط خاصة بعد الإخفاق الذى مُنيت به خلال الحرب العراقية الإيرانية؛ إذ أنه بعد تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر حصل ما يشبه الاتفاق الضمنى بين واشنطن وطهران لإطلاق يد الإسلاميين الشيعة فى العمق العربى السنى لتحقيق هدفين مهمين للأمريكان الأول تفكيك وزعزعة استقرار المنطقة العربية والمساعدة فى مواجهة الجماعات الإرهابية السنية؛ حيث اعتقد الأمريكيون واهمين أن الإسلام السياسى الشيعى جناح معتدل وأن الخطر يكمن فى الجماعات المتطرفة السنية، ولذلك حققت إيران خلال العقدين الماضيين فى سياق خطة التوسع وتأسيس ميليشيات مسلحة موالية لها ومضاعفة نفوذها وتسليحها حتى صارت بمثابة دول داخل الدول وباتت طهران تهيمن فعليًا على أربع عواصم عربية ما لم تحققه فى تاريخها.
وتتمحور أهداف هذه الإستراتيجية حول عدة نقاط؛ الأولى: الاعتماد على هذه الأذرع والميليشيات المسلحة كخط دفاع متقدم عن إيران فى سياق الحرب بالوكالة، والثانية رهن إرادة وقرار وثروات الدول المزروع داخلها وكلاء لطهران لإرادة وقرار ومصالح دولة المركز بما يزيدها نفوذًا وثروة وأهمية إستراتيجية، والثالثة اختراق الدول السنية وكسب نفوذ داخلها فى إطار مخطط هدفه جعل إيران زعيمة للعالم الإسلامى بشقيه السنى والشيعي، والرابعة جعل هذه الأذرع أوراق ابتزاز ومساومة للدول العربية أولًا ولإسرائيل وأمريكا والغرب ثانيًا لتحصيل المزيد من الأرباح فى كافة المجالات واستخدامها كورقة فى أوقات التفاوض والتسويات.
■ ما أهم الأذرع العسكرية والسياسية التى تدعمها إيران فى المنطقة، وأين تنتشر هذه الجماعات؟
– أهم الأذرع العسكرية والسياسية التى تدعمها إيران فى المنطقة حزب الله فى لبنان وجماعة الحوثيين فى اليمن والحشد الشعبى فى العراق فضلًا عن فصائل عراقية أخرى مثل حزب الله العراقي، وهناك أيضًا فصائل مثل زينبيون وفاطميون وغالبيتهم مقاتلون شيعة من أفغانستان وباكستان يتم تدويرهم وتوظيفهم فى بؤر الصراع المستهدفة بمد النفوذ الإيراني.
■ برأيك، كيف يؤثر دعم إيران لهذه الجماعات على استقرار الدول المضيفة وعلى سيادتها الوطنية؟
– لم يعرف تاريخ الشرق الأوسط هذا القدر من الهيمنة الإيرانية وهو ما خلق واقعًا غير طبيعى ومُزعزِع للاستقرار فى عموم المنطقة حتى داخل الدول التى لا توجد بها ميليشيات إيرانية وغير محسوبة ضمن فضاء هيمنة إيران؛ بمعنى أن الأطماع الإيرانية لم تتوقف عند حدود إلحاق دول المشرق العربية بتبعيتها إنما خططت وسعت لمد نفوذها للدول العربية السنية فى شمال أفريقيا وغيرها من خلال علاقاتها الوطيدة مع فصائل الإسلام السياسى السنى وفى القلب منها جماعة الإخوان، وهذه الجماعة سارت على الخطة الإيرانية أثناء حكمها لمصر عام ٢٠١٢م من خلال استنساخ النموذج الإيرانى عبر التركيز أولًا على الهيمنة على مفاصل الدولة وتقويض التيارات المدنية وإخضاع المؤسسات السيادية لقرار الجماعة وهيمنة مكتب الإرشاد على القرار الرئاسي، والتصدى لأى تهديد لحكم الجماعة سواء من الجيش أو من تحركات شعبية فى الشارع من خلال تشكيل قوات مسلحة مدربة من عناصر الإخوان والموالين لها على غرار قوات الحرس الثورى الإيراني، ما يعنى أن جماعة الإخوان كانت خادمة ومفيدة للنموذج الإيرانى وأقرب إليه من النموذج الأردوغانى الذى يعتمد على التدرج للسيطرة على مقاليد السلطة والعمل أيديولوجيًا من خلف ستار علماني، هذا فضلًا عن إلغاء سيادة الدول فى إيران والعراق وسوريا واليمن عبر إملاء سياسات الحكومات ومراقبة الانتخابات واختيار الرؤساء ورؤساء الحكومات والتحكم فى قرارى السلم والحرب، وتحولت الدول الواقعة تحت سيطرة إيران إلى هشة مشلولة سياسيًا واقتصاديًا وعاجزة عن تشكيل حكومات وتعانى من عجز مالى واقتصادي، بجانب الاحتقان والشحن الطائفى بسبب المذابح والجرائم اللى ارتكبتها أذرع وميليشيات إيران ضد الأرواح البريئة فى سوريا ولبنان والعراق واليمن، وبسبب التمييز الذى عانى منه السنة والمسيحيون وغيرهم على كافة الأصعدة، وأخيرًا وصل مستوى التهديد والخطورة إلى ما تعانى منه المنطقة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م حيث نتج عن تشكيل ما عُرف بوحدة الساحات من خلال تشبيك تحالف من كيانات وفصائل سنية وشيعية مسلحة وتوجيهها وفقًا لإستراتيجية غامضة تحت شعارات مطلقة غير واقعية مثل إزالة ومحو إسرائيل من الوجود ورفض مسار السلام وحل الدولتين وإدخال العرب والمسلمين فى مأزق حضارى بل ووجودى غير مسبوق عبر التسبب فى نكبة جديدة أشد وأقسى من النكبة الأولى ومنح اليمين الإسرائيلى المتشدد الفرصة لتنفيذ مشاريع قديمة توسيعة متعلقة بالاستيلاء على باقى الأراضى الفلسطينية وطرد سكان غزة والضفة، وهذا حصل نتيجة تصدر محور بعينه المشهد ومصادرته القرارات المصيرية وقرار إعلان الحرب بدون مشورة الدول العربية والإسلامية الفاعلة ذات الثقل الإستراتيجى والسياسي.
خطورة الأذرع الإيرانية
■ ما هو التهديد الذى تشكله هذه الأذرع الإيرانية على الأمن الإقليمي، وهل يزيد من احتمال نشوب نزاعات محلية ودولية؟
– الأحزاب والميليشيات الطائفية والجماعات المؤدلجة أو التكفيرية الموالية لإيران والمدعومة منها لا يمكن أن تسهم فى توحيد دولة أو تشارك فى بناء موحد متماسك من أى نوع، هى فقط تدعم (سواء جماعات وميليشيات شيعية أو سنية) مشروع الولايات التابعة للمركز أو للمرشد الذى ينصب نفسه زعيمًا للعالم الإسلامى أو أنه يسعى لاحتلال تلك المكانة عبر جهود تلك الفصائل غير الوطنية، ومن خلال هذا الشكل من أشكال التدخل الفج يسيطر كل زعيم فصيل أو جماعة أو ميليشيا مثل حزب الله أو غيره على جزء من الأرض، وساعتها لن يكون هناك فضاء سياسى ببلد عربى لإصلاحه وجعله متحضرًا ناهضًا متماسكًا ولا لبلورة مشروع وطنى حضارى بإرث مشترك ولتحقيق هدف وطنى موحد ومجمع عليه، ناهيك عن العجز عن تشكيل مؤسسات وبنى تحتية وجبهة داخلية قوية موحدة ونسيج مجتمعى متماسك وجيش قوي، وهذا يعنى أنه لن يكون هناك مجتمع عربى مبتلى بهذا النوع من الغزو والإحتلال المقنع يملك أدنى قدرات مقاومة الأعداء فضلًا عن إحراز انتصار عليهم..
وأرى أن إسرائيل لم تصل لما وصلت إليه من استكبار وإفساد وجرأة غير مسبوقة على التوسع وسفك الدماء والاستعلاء والطغيان بدون تمهيد؛ وبجانب أنها اشتغلت جيدًا على نفسها وطورت من قدراتها على كل المستويات واستعدت للمواجهة الشاملة بكل ما تملك من إمكانات، فقد أسهمت أيضًا فى شق الساحات العربية على أسس طائفية؛ حيث سهلت وساعدت بعض الجماعات الطائفية والمؤدلجة التى قسمت المجتمعات إلى إسلامى وليبرالى ومسلم ومسيحى وسنى وشيعي، وهى الميليشيات التى فككت المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، وتسببت فى القضاء على القدرة الإنتاجية والمؤسسات الاقتصادية، وهو ما أنهى وحدة بعض الدول العربية وقوض إمكاناتها، وصولًا لتحقيق الهدف النهائى للغزاة والطامعين وهو فصلها عن عمقها العربى والاستفراد بها فريسة مستباحة كما حصل فى فلسطين (غزة والضفة) ويحصل فى لبنان وكما حدث قبلها فى سوريا.
وبدون شك صبت ممارسات ومواقف وقرارات تلك الميليشيات والأذرع فى مصلحة إسرائيل التى استعدت بشكل جيد لهذه المرحلة من المواجهة وتستفيد من الدعم الأمريكى والغربي، لتنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى على حساب أمن واستقرار الإقليم وعلى حساب المصلحة الوطنية والقومية والثوابت العربية والفلسطينية.
■ كيف تسهم هذه الجماعات المدعومة من إيران فى تأجيج الطائفية داخل المجتمعات التى تتواجد فيها؟
– بدون شك تؤسس هذه الجماعات لوضع أقل ما يُوصف به أنه غير عادل فهو يلغى أولًا الدولة ومؤسساتها وينسفها من الأساس ويقيد المجتمع ويشله ويعود به إلى صورة بدائية تخدم فقط مصلحة المركز المتحكم فى كل شيء والذى يحرك الأحداث واضعًا فى الأولوية مصالحه الخاصة وإن تعارضت مع مصالح هذه الدولة أو تلك المحكومة عبر وكلائه، وهذا التصرف المعوج هو أول ما يؤجج الطائفية عبر تكريس نموذج طائفى أحادى لا ينتمى للعصر الحديث ولا للدولة الوطنية المدنية العصرية بما يخدم فصيل أو طائفة ويطيح بمصالح الآخرين، علاوة على ذلك فإن هذه الميليشيات تستحوذ -إلى جانب هيمنتها السياسية الكاملة وتحكمها فى القرارات السيادية- على الثروة الوطنية وتحرم منها باقى الطوائف أو تترك لها الفتات كما أنها تجعل مصالح المركز (إيران) الاقتصادية فى الأولوية حتى ولو تعارضت مع مصالح دولتهم (المفترض أنهم يحملون جنسيتها) عند وضع الخطط الاقتصادية وإبرام الاتفاقات، فضلًا عما ارتكبته هذه الميليشيات من جرائم ومذابح بحق أعداد كبيرة من السنة فى لبنان واليمن وسوريا والعراق، وانتهاكات ضد ناشطين ومعارضين بعضهم شيعة لمجرد أنهم أبدوا رأيًا ناقدًا ومعارضًا، وهذه الممارسات مجتمعة تؤجج الطائفية داخل المجتمعات نتيجة الظلم والاضطهاد وهضم الحقوق ونتيجة الاستهداف المُمنهج مما يفضى إلى الاحتقان الطائفى الذى يقود فى النهاية إلى تصارع طائفى وحروب أهلية.
■ كيف تؤثر الأذرع الإيرانية على حركة التجارة والأمن البحرى فى الخليج العربى والبحر الأحمر؟
– الأهداف التى يتبناها النظام الإيرانى بهدف التأثير الإقليمى يحققها من خلال استمرار تقديم الدعم وتحسين نوعية العمليات العسكرية التى يقوم بها الحوثيين عبر تبادل المعلومات الاستخبارية وتعديل أنظمة الإطلاق الصاروخى الخاصة بهم ومنحهم طائرات مسيرة ذات فعالية عالية لتكون قادرة على ضرب الأهداف المتحركة وتهديد الملاحة الدولية والشحن البحرى والتأثير على حركة التجارة العالمية فى منطقة باب المندب التى تربط بين خليج عدن والبحر الأحمر مستغلة بذلك سيطرة الحوثيين على منطقة الحديدة اليمنية التى تشمل معظم ساحل اليمن على البحر الأحمر، وهى المنطقة التى تعتبر الشريان الرئيسى لحركة الملاحة الدولية، ويتبع الحوثيون أوامر إيران وفيلق القدس تصعيدًا وتهدئة وفقًا لحسابات كل مرحلة ومقتضيات كل توقيت بما يخدم المصلحة الإيرانية فى الأساس، لتحقيق غايات ذات أبعاد إستراتيجية تخدم مشروع إيران السياسى واعتبارها دولة إقليمية لها دورها المؤثر فى حل أى أزمة تعيشها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
الصراع الإيراني-الإسرائيلى
■ ما هى أبعاد الصراع الإيراني-الإسرائيلى فى المنطقة، وكيف يؤثر على دول الشرق الأوسط بشكل مباشر؟
– تم تخريب حل الدولتين قبل التطورات الكبيرة التى حصلت مؤخرًا؛ إحتلت إسرائيل الضفة وأنشأت فيها دولة الفصل العنصرى بحكم الأمر الواقع، واختفى حتى التقدم المحدود المتمثل فى بناء جدار يفصل الضفة الغربية عن إسرائيل كما كان الوضع قبل حرب ٦٧ وهذا كان يعنى اعترافًا بالضفة ككيان خاص، بالطبع إسرائيل سبب رئيسي؛ أضعفت السلطة فى رام الله وقتلت ببطء حل الدولتين، وظهر من ممارساتها فى الضفة أنها لا تريد دولة فلسطينية ولا تريد فلسطينيين، وهناك فى المقابل من ساعد إسرائيل فى تحقيق أهدافها عبر الانقسام بين الضفة وغزة وإلحاق القضية الفلسطينية بمحاور إقليمية وانتقال الصراع مع إسرائيل حول الأرض إلى صراع داخلى مع الشرعية الفلسطينية فى رام الله حول السلطة، علاوة على تدخل إيران التى اتخذت فلسطين كحصان طروادة تمتطيه لتسيطر على المنطقة، ما أوقع الفضاء العربى الحيوى بين خطرين متنافسين أحدهما يريد ذريعة للتهرب من السلام ومقتضياته والآخر يريد نسف السلام ليكرس نفوذه ويوفر النجاح لمشروعه التوسعي.
■ هل يمكن أن يتطور هذا الصراع إلى حرب شاملة فى المنطقة، وما السيناريوهات المحتملة فى حال حدوث مواجهة مباشرة؟
– لا أرى أن هناك ضمن الأطراف المتصارعة من يريد الحرب الشاملة فلا أميركا تريدها عبر وكيلتها إسرائيل ولا إيران تريدها، إنما تحتمى بالميليشيات والوكلاء الذين يحرضون ويثيرون القلاقل والفوضى ويطلقون الشائعات بهدف توريط الدول العربية فى الصراع وتخفيف الضغوط عن إيران، ولن تحدث المواجهة الشاملة حيث تلعب أمريكا دور الضابط لمستويات الصراع بما يخدم مصالح إسرائيل ولا يقضى تمامًا على النظام القائم فى إيران أو يتسبب فى سقوطه، لأن معنى المواجهة الشاملة هو تمدد الصراع وانفلات زمام الأمور وفقدان السيطرة وتعرض المصالح الأميركية والغربية للخطر، أما المستوى المطلوب الذى يسعى إليه المتصارعون فهو إضعاف إيران إقليميًا عبر تحجيم وكلائها وإضعاف قدرتها العسكرية والتقنية حتى لا تكون قادرة على تهديد إسرائيل لا عبر الأذرع ولا عبر المركز، أما إيران فى هذه المرحلة فهى على استعداد للتخلى عن جزء من نفوذها الإقليمى وقبول تقويض ميليشياتها عسكريًا على أن تحتفظ ببعض النفوذ السياسى فى دول المشرق العربى مقابل أن يظل نظامها الحاكم فى طهران قائمًا وأن تمتنع إسرائيل عن مواصلة استهداف عمقها وتهديد برنامجها النووى فضلًا عن رفع العقوبات.
■ ما الدور الذى تلعبه الأذرع الإيرانية، مثل حزب الله فى لبنان والفصائل الفلسطينية، فى هذا الصراع، وهل يهدد ذلك أمن الدول المجاورة؟
– يضر أى نشاط ميليشياوى تابع لمحاور إقليمية خارجية بالدول الوطنية وبالقضية الفلسطينية وبالثوابت العربية والفلسطينية ولا يفيد سوى الأطراف الإقليمية غير العربية المتنافسة من خلال تجنيد جماعات وعبر الحرب بالوكالة واستخدام ساحات وأراض عربية وسفك دماء عربية، وهذا يحقق أهداف اليمين الإسرائيلى المتطرف للتذرع بوجود أطراف ترفع شعارات السعى لإزالة إسرائيل بهدف التنصل من السلام والمضى فى الإبادة والتهجير القسري، وعلى الجانب الآخر تستفيد إيران بالتحصل غير المستحق على النفوذ الإقليمى والدولى وامتلاك أوراق للمساومة بها على ملفاتها الرئيسية بشأن النووى ورفع العقوبات، وتأسيسًا على أن هذه الأذرع تخدم فى الأساس من يمولها ويسلحها ويدعمها فهى تفعل أى شيء لتحقيق مصالحه وترجمة أوامره وتوجيهاته وتنفيذ خططه، ومن ضمنها اختراق الدول والمجتمعات العربية وخلق بؤر نفوذ إيرانى داخلها وجعلها نسخًا من لبنان واليمن وهو ما حاولت وتحاول إيران عمله فى الأردن ويساعدها فى ذلك ميليشياتها السنية والشيعية فى المنطقة.
جماعات العنف
■ كيف يؤثر الصراع الإيراني-الإسرائيلى على تنامى جماعات العنف والتطرف فى الشرق الأوسط؟
– يغذى الإمعان فى الظلم وقهر الإنسان العربى وإلحاق أقسى درجات الألم والإذلال به -فضلًا عن المعايير الغربية المزدوجة ونظام العدالة الدولى الإنتقائي- منطق تنظيم القاعدة المُعوج الشاذ، ويعيد تدوير الفكرة التى ابتدعها أسامة بن لادن حينما برر إعتداءاته وهجماته الإرهابية ضد المدنيين الأمريكيين بذريعة مساندة أمريكا لإسرائيل، وتستغل تلك الجماعات المتطرفة هذه الأحداث لإعادة إنتاج نفسها بعد أن كادت تنطفئ عبر القيام بعملية هنا او هناك لا تقدم ولا تؤخر إنما تستخدم فقط فى الدعاية والتجنيد، لكنها فى نهاية المطاف تخدم أمريكا وإسرائيل عبر الترويج عالميًا أنهم فى مواجهة إرهابيين لا مقاومين أصحاب حقوق مشروعة.
■ هل ساهمت المواجهة بين إيران وإسرائيل فى خلق بيئة خصبة لظهور جماعات مسلحة ذات ولاءات إقليمية متداخلة؟
– نعم لأن المواجهة فى الأساس تحقق أهداف طرفين إقليميين غير عربيين وتعصف بالمصالح العربية والإسلامية وهو ما ساهم فى خلق بيئة تنمو فيها الخلايا المسلحة فى ظل واقع لا تتحقق فيه العدالة وتضرب كل القوى بحقوق وكرامة الإنسان عرض الحائط لتحقيق مصالحها، وهو ما غذى تنظيمات كالقاعدة وغيره.
■ ما العلاقة بين هذه الجماعات وأذرع إيران، وهل تخدم فى النهاية أهدافًا إقليمية خاصة بطهران؟
– هناك مثلا القاعدة المركزى الذى ترعاه إيران وتوفر لقادته الملاذ وينسق ويتعاون مع الحوثيين فى اليمن، ويخدم على الإستراتيجية الإيرانية عبر خطاب دعائى موجه، والقاعدة هو أحد التنظيمات السنية المسلحة المدعومة من إيران والذى يتعاون وينسق مع أذرعها الشيعية مثل الحوثيين وحزب الله، وهى ليست علاقة حديثة إنما قديمة حيث تدربت كوادر القاعدة على يد القادة الأمنيين فى حزب الله وفى مقدمتهم عماد مغنية فى البقاع اللبنانى قبل هجمات الحادى عشر من سبتمبر وقبل هجمات سفارات أمريكا فى كينيا وتنزانيا.
الاستراتيجيات الإقليمية والدولية
■ كيف تحاول الدول العربية الحد من نفوذ الأذرع الإيرانية، وهل هناك تعاون إقليمى فعال لتحقيق ذلك؟
– لدى الدول العربية رؤية وإستراتيجية متوازنة وواقعية تقوم على الشفافية وعدم استغلال المشاعر الدينية والبعد عن الشعبوية والتمسك بمبادرة قابلة للتطبيق، بجانب حفاظها على مؤسسات الدول وجيوشها وهويتها وعلى نموذج الدولة الوطنية وعلى البعد والانتماء العربي، وبالفعل هناك تعاون إقليمى على أعلى المستويات لتحقيق ذلك وللحد من التدخل الخارجى فى شئون الدول.
■ ما هو دور القوى الدولية، كأمريكا وروسيا، فى هذا الصراع، وهل يمكن أن تساهم فى تخفيف حدة التوتر؟
– لأمريكا دور محورى معروف داعم بشكل كامل لإسرائيل، ولروسيا كذلك فهى أسهمت بحربها فى أوكرانيا بشكل غير مباشر فى اندلاع حرب غزة فمنذ ٧ أكتوبر الماضى انتقل الاهتمام الغربى برمته من أوكرانيا إلى إسرائيل، وانقطعت الإمدادات العسكرية عن كييف، وهو ما سمح لروسيا بتحقيق إنجازات تكتيكية على طول الجبهة ودفع الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى محاولة كبح جماح حليفه بنيامين نتنياهو منذ الأشهر الأولى للحرب فى غزة لوقف الحرب، وبدون شك فللقوتين طرقهما ووسائلهما فى تخفيف التوتر إن توفرت لديهما الإرادة.
■ كيف ترى مستقبل المنطقة فى حال استمر الصراع الإيراني-الإسرائيلي، وهل من الممكن أن يصل المجتمع الدولى إلى حلول لتهدئة الأوضاع؟
– لا بديل عن إيجاد حلول متوازنة واستعادة الأوضاع والمنطقة من مختطفيها وهى القوى المتطرفة على الجانبين، ولابد من إقامة دولة فلسطينية وكبح جماح إسرائيل وإيران وتغليب خيارات التهدئة ووضع قوى الاعتدال والعقلانية فى الصدارة، لأن البديل عن ذلك كارثى وسيطال خطره الجميع حيث سينفجر الإرهاب والتطرف وقد تنزلق الأمور إلى مواجهات كبرى شاملة لا يُحمد عقباها.
نتابع معا الان اخبار