فشل العدو الإسرائيلي عام 1982 فى اقتحام بيروت الغربية مستهدفًا القضاء على المقاومة الفلسطينية وتدمير أسلحتها والصواريخ التى كانت تهدده من الجنوب اللبناني.
وبفضل المقاومة الشرسة الفلسطينية وفصائل القوات المشتركة لم يتمكن العدو الإسرائيلي رغم ما يملكه من قوات جوية وقطع بحرية وبرية حديثة من القضاء على المقاومة الفلسطينية واضطر شارون الصهيوني إلى توقيع اتفاق سياسي بضمانات دولية على خروج المقاومة بكامل اسلحتها مع تأمين الاسر الفلسطينية والخروج الأمن بالسفن الأجنبية إلى خارج لبنان.
فى السويس كنا نتابع الأحداث والمعارك بقلق بالغ للاطمئنان على سلامة المقاومة، وقد علمنا بما ينشر ويذاع من أخبار بمرور السفن التى تحمل المقاومة متجهة إلى عدن “اليمن” أنها ستمر بقناة السويس وسوف تقف فى ميناء السويس للتموين.
وقررنا مجموعة من أبناء السويس من المعارضة السياسية الوطنية تضم حزب التجمع واليسار والمستقلين من بينهم “د. محمود الشاهد – د. كمال زاخر – عبد المنعم كروية – واصل الجمل – المعلم يحي عارف – مصطفى عبد السلام وعبد الحميد كمال”.
توجهنا جميعًا إلى منطقة بورتوفيق أمام المجري الملاحي للقناة من أجل أن نقوم بتحية المقاومة الفلسطينية تحية رمزية رافعين أيادينا بشعارات النصر أمام مرور السفن وعقب وصولنا بورتوفيق قام عدد من رجال وضباط من الشرطة بمنعنا من الوقوف وبالتهديد ودخلنا فى تفاوض طويل هادي نشرح حقنا فى تحية المقاومة الفلسطينية ونحن أبناء السويس الذين قاموا وهزموا الإسرائيليين فى 24 اكتوبر 1973، وانتهي النقاش بضرورة الالتزام بالتعليمات المشددة وانصرفنا فى هدوء بعد ان حرمنا من مجرد التحية الرمزية للمقاومة الفلسطينية وصمودها ضد الصهيونية.
من ناحية أخرى على الجانب الآخر كانت هناك ترتيبات رسمية تستقبل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وبعض مرافقيه بحضور محافظ السويس اللواء بكير محمد بكير ووزير الخارحية د. بطرس غالي ورئيس المجلس الشعبي المحلي نظمي زايد ومن قيادات الشعبية ” فتحي عطالله المحامي – علي حمد الله وابنته الطفلة هاله حمد الله”.
وقام الزعيم عرفات بإهداء الكوفية الفلسطينية إلى وفد السويس التى ارتداها ابن السويس علي حمد الله، وارتجل أبو عمار القائد الفلسطيني كلمة قصيرة أشاد فيها بدور المقاومة الشعبية فى السويس التى هزمت ودمرت الدبابات الأمريكية الصنع فى شوارع السويس ومنعت احتلال السويس فى 24 اكتوبر 1973.
والآن وبعد 20 عامًا على رحيل الزعيم الوطني ياسر عرفات اسعفتنا الذاكرة الوطنية بتلك الواقعة فى السويس ومالها من دلالات خصوصًا وأن الزعيم عرفات قد خاض كل المعارك الفلسطينية ضد المحتل الإسرائيلي منذ عام 1948 مستمرًا بالمساهمة بإنشاء حركة فتح “العاصفة” عام 1960 ثم منظمة التحرير الفلسطينية 1964، وكان دارسًا لفنون التعامل المشتركه بين الفصائل ضد العدو الإسرائيلي، وكان سياسيًا محنكًا وقائدًا عسكريًا ومخططًا كبيرًا، مساهما فى مسيرة العمل الفلسطيني ووضع أسس الكفاح المسلح.
وقد ظل ظل عرفات الرمز مقاتلا قويا فى السياسة كاشفًا إسرائيل حيث تعلم العبرية وكشف خريطة إسرائيل التوسعية وكان مساندًا للمقاومة ومؤسسا للدولة الفلسطينية المستقلة.
وهنا نتذكر كلمته القوية أمام الأمم المتحدة متجها نحو السلام العادل للشعب الفلسطينى حيث قال كلمته الشهيرة “جئت أحمل البندقية فى يدي وغصن الزيتون فى يدى الأخرى.. فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي”.
لكن إسرائيل قصفت أشجار الزيتون ودمرت البيوت وقامت بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني عبر حروب طويلة وصلت إلى حصار عرفات شخصيًا فى مقره الرسمي بمنطقة المقاطعة فى رام الله وقامت بقطع المياه والكهرباء والغذاء والدواء عنه بغرض قتله معنويًا وصحيًا وقبل مغادرته للعلاج إلى فرنسا بسبب ضغوط دولية وعربية قال كلماته الاخيرة للشعب الفلسطيني والعالم “إسرائيل تريدني إما مطاردًا وإما قتيلًا وإما أسيرًا وأقولها شهيدًا شهيدًا شهيدًا”.
وغادر بعدها بطائرة هليكوبتر إلى الأردن ومنها بطائرة خاصة إلى فرنسا للعلاج بعدها أعلن عن وفاته مسمومًا بفعل الغدر الإسرائيلي ومات فى 11 نوفمبر 2004 ولكن ظل رمزًا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال وضد الاغتيالات والخيانة وكان وسيظل ملهمًا للشباب الفلسطينى والشعب الفلسطين البطل فى معركة طويلة.. المجد والخلود للشهداء والانتصار للمقاومة والهزيمة حتما للأعداء الصهاينة والأمريكان.