يُعد المسرح بصفته «أبو الفنون»، ساحة تنصهر فيها مختلف أشكال التعبير الإبداعي، حيث يتكامل الأداء الحي مع عناصر السمع والبصر، لتجسيد الأفكار والمشاعر الإنسانية فى تجربة فنية متكاملة، فمن على خشبته، قدم الفنانون أعمالًا خالدة تحمل رسائل مجتمعية وثقافية، أسهمت فى تشكيل وعى الأجيال، بفضل فرق مسرحية تركت بصمة لا تُمحى فى تاريخ الإبداع المسرحى المصرى والعربى.
الفرق المسرحية
وفى سياق الاحتفاء بهذا الإرث العريق، تسلط «البوابة نيوز» خلال ليالى شهر رمضان المبارك الضوء على نخبة من الفرق المسرحية التى شكلت علامات فارقة في مسيرة المسرح، محليا وعربيا.
وعلى الرغم أن بعضها توقف بعد رحيل مؤسسيه، إلا أن إبداعاته لا تزال شاهدة على زمن من العطاء والتميز، مؤكدة أن المسرح الحقيقى لا يموت، بل يبقى نابضا بإرث رواده ورؤاهم الخالدة.

انفردت الفنانة منيرة المهدية بالصوت العذب الذى أسر القلوب، حيث عُرفت منذ صغرها بحلاوة صوتها وتميزها فى الغناء، فكانت تجوب القرى والمدن تشدو بأجمل الألحان، ما جعلها تكتسب شهرة واسعة.
غنت «المهدية» لكبار الملحنين، من بينهم: الشيخ سلامة حجازى، أبوالعلا محمد، وغيرهم وبفضل نجاحها افتتحت قهوتها الخاصة «نزهة النفوس»، التى أصبحت ملتقى للفنانين، فقدمت خلالها مجموعة من الأغانى التى لاقت رواجا كبيرا، مثل "لازم أهشه ده العصفور»، «أسمر ملك روحى»، «يا شمعة العز ايدى".
فى عام 1915، دخلت «المهدية» عالم المسرح من أوسع أبوابه، حين جسدت دور «وليم» فى الفصل الثالث من مسرحية «صلاح الدين الأيوبى»، فحققت نجاحا لافتا شجعها على التوسع فى هذا المجال.
أسس لها زوجها محمود جبر فرقة مسرحية خاصة، واستأجر لها مسرح «برنتانيا»، حيث قدمت مجموعة من روائع الشيخ سلامة حجازى، مثل «صلاح الدين الأيوبى»، «صدق الإخاء»، «شهداء الغرام»، «ضحية الغواية»، «عايدة» وغيرها، إلا أن الخلافات بينها وبين زوجها أدت إلى انفصالهما عام 1921، ما تسبب فى توقف نشاط الفرقة.
لكن «المهدية» لم تتراجع، ففى عام 1922، شكلت فرقة جديدة قدمت من خلالها أعمالها السابقة، إلى جانب مسرحيات جديدة مثل «غادة الكاميليا»، «أدينى جيت»، «بتر فلاى» وغيرها.
كما استعانت «المهدية» بنخبة من الممثلين وقدمت عروضا متميزة، مثل «الغندورة»، «قمر الزمان»، «حورية هانم»، «الحيلة»، «البريكول»، «حماتى»، «كيد النساء»، وغيرها، وفي عام 1933، أعادت تشكيل فرقتها مرة أخرى وقدمت عروضا ناجحة على مسرح الأزبكية، من بينها: أوبريت «المخلصة»، «لولو»، «كليوباترا»، «الأميرة نورة»، قبل أن تتخذ قرارا بحل فرقتها والانسحاب تدريجيا من الساحة الفنية.

وفى عام 1948، حاولت «المهدية» مجددا العودة إلى المسرح، لكنها لم تحقق النجاح المنشود، خاصة مع ازدهار السينما وتراجع الإقبال على المسرح الغنائى، فعلى الرغم من دخولها مجال السينما بفيلم وحيد هو «الغندورة»، المقتبس من أحد أعمالها المسرحية، لم تتمكن من مجاراة التغيرات الجديدة، خاصة مع صعود نجم أم كلثوم، التى فرضت نمطا غنائيا مختلفا.
قررت الفنانة منيرة المهدية الاعتزال أمام هذه التحولات، لتنهى بذلك مسيرة فنية زاخرة استمرت لأكثر من خمسين عاما، تاركة بصمة لا تنسى فى تاريخ الغناء والمسرح.