على الحافة.. بين رغبة ترامب والحق الفلسطيني! خليج نيوز

على الحافة.. بين رغبة ترامب والحق الفلسطيني! خليج نيوز
على الحافة.. بين رغبة ترامب والحق الفلسطيني! خليج نيوز

الأحد 16/مارس/2025 - 04:58 م 3/16/2025 4:58:13 PM


تحاول مصر التعامل مع أزمة قطاع غزة، بما هو متاح وقابل للتطبيق على الأرض.. لا تبالغ ولا تتشنج، ولكنها كمن يمسك بقطعة من حديد مصهور، تحاول تشكيله دون أن يكوي أيديها.. لذلك، فقد أعربت عن تقديرها لتصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن عدم مطالبة السكان الفلسطينيين بمغادرة قطاع غزة، قائلة إنها تعكس تفهما لضرورة تجنب تفاقم الوضع الإنساني.. وقالت وزارة الخارجية في بيان لها، إن موقف ترامب يعبر عن )تفهمه لضرورة العمل على إيجاد حلول عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية(.. وأكدت مصر أهمية البناء على هذا )النهج الإيجابي لدفع جهود السلام في الشرق الأوسط، من خلال تبني مسار شامل يرتكز على رؤية واضحة، تضمن الاستقرار والأمن لجميع الأطراف(، وأنها تعتقد أن مبادرة ترامب لإنهاء الصراعات الدولية وإحلال السلام، بما في ذلك في الشرق الأوسط، يمكن أن تكون بمثابة إطار عملي للجهود التعاونية، مع التزام مصر الثابت بدعم )كل المبادرات الجادة الهادفة إلى تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة(.. لكن هل حقًا لا يريد ترامب إخراج أهل غزة من أرضهم؟.
ذكرت وكالة (أسوشيتد برس)، أن مسئولين إسرائيليين وأمريكيين كانوا على اتصال مع السودان والصومال وأرض الصومال، بشأن إعادة توطين سكان غزة هناك.. وقالت رينا باسّيست، في تقرير لها، أنه في أعقاب اقتراح الرئيس ترامب في فبراير الماضي، بنقل سكان غزة إلى أماكن أخرى لفترة غير محددة، أفادت التقارير أن مسئولين أمريكيين وإسرائيليين اتصلوا بالسودان والصومال وأرض الصومال لاستكشاف إمكانية إعادة توطين الفلسطينيين النازحين في غزة.. ووفقًا لمسئولين أمريكيين، لا يزال من غير الواضح مدى تقدم هذه المناقشات، مشيرين إلى أن إسرائيل تقود المحادثات.. كما نقل التقرير عن مصادر في السودان قولها، إنها رفضت مثل هذه العروض، بينما قالت مصادر في الصومال وأرض الصومال إنها لا علم لها بأي مناقشات من هذا القبيل.
بدأت الاتصالات المنفصلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بشأن الوجهات المحتملة الثلاث الشهر الماضي، بعد أيام من طرح ترامب لخطة غزة إلى جانب نتنياهو، وفقًا للمسئولين الأميركيين، الذين قالوا إن إسرائيل كانت تقود المناقشات، بعد اقترح ترامب إعادة توطين أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، خلال اجتماعه في الرابع من فبراير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض.. وقال بأن قطاع غزة أصبح غير صالح للسكن، واقترح نقل جميع سكانه إلى دول أخرى، وأن الولايات المتحدة ستتولى إدارة غزة وتعيد تأهيلها، (سنمتلكها.. سنستولي على تلك القطعة، ونطورها، ونوفر آلافًا وآلافًا من فرص العمل، وستكون مصدر فخر للشرق الأوسط بأكمله).. كما صرّح بأن انتقال الفلسطينيين إلى أرض جديدة، (سيكون أفضل بكثير من العودة إلى غزة، التي عانت عقودًا من الموت)، وأنه (سيتم إعادة توطينهم في مناطق يمكنهم فيها عيش حياة كريمة).. لاحقًا، صرّح ترامب بأنه يناقش الخطة مع قادة الأردن ومصر، وهما وجهتان محتملتان للنازحين من غزة، على حد قوله.. لكن خطته قوبلت بردود فعل واسعة في العالم العربي وأوروبا.. ورغم أنه أضاف أن سكان غزة لن يُجبروا على مغادرة القطاع، إلا أنه لم يتراجع عن اقتراحه.. وفي المقابل، تبنت أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل فكرة الترحيل الجماعي للفلسطينيين، وأشاد بها نتنياهو واصفًا إياها بـ (الرؤية الجريئة).
ومعروف أن العلاقات التي تربط الولايات المتحدة وإسرائيل بالدول الإفريقية الثلاث المعنية معقدة.. فالسودان، إحدى الدول الأربع ـ إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب ـ التي وقّعت في البداية على اتفاقيات إبراهام عام 2020 لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.. وكجزء من الاتفاق، رفعت واشنطن اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. في الواقع، قبل أشهر من توقيع الاتفاقيات، التقى نتنياهو في أوغندا برئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان. وقد أشارت التقارير على مر السنين، إلى أن إسرائيل قدمت دعمًا عسكريًا لنظام البرهان.. في غضون ذلك، غرق السودان في حرب أهلية منذ عام 2023.. وقد حذرت اليونيسف من أن السودان (يُمثل الآن أكبر أزمة إنسانية وأكثرها تدميرًا في العالم)، مشيرةً إلى أنه بعد عامين من الحرب، (يعيش أكثر من ثلاثين مليون شخص ـ أكثر من نصفهم من الأطفال ـ في قبضة الفظائع الجماعية والمجاعة والأمراض الفتاكة).
على مدار العقد الماضي، تعاونت الولايات المتحدة مع الصومال في جهود مكافحة جماعة الشباب الجهادية في جنوب البلاد.. وتُعد واشنطن أكبر مورد للأسلحة للصومال، التي يُقدّر عدد سكانها بنحو 18 مليون نسمة، موزعين على مساحة ستمائة وأربعين ألف كيلومتر مربع، ولا تزال الصومال واحدة من أفقر دول القارة.. وأشار تقرير لصحيفة (تايمز أوف إسرائيل) عام 2023، إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، سعى إلى تطبيع العلاقات مع الصومال، على الرغم من دعم مقديشو الراسخ للقضية الفلسطينية.. ولا تربط الدولتان حاليًا علاقات دبلوماسية.
أما أرض الصومال، وهي منطقة انفصالية مُعلنة من جانب واحد، فإنها تُمثل حالة مختلفة، إذ إنها غير مُعترف بها دوليًا كدولة مستقلة.. وتعتبرها الصومال جزءًا من أراضيها السيادية.. وتقع أرض الصومال على خليج عدن بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي، وقد جذبت اهتمامًا إسرائيليًا على مر السنين.. في عام ٢٠٢٤، أفادت صحيفة (ميدل إيست مونيتور)، أن إسرائيل سعت إلى إنشاء قاعدة عسكرية هناك مقابل الاعتراف باستقلالها، إلا أن المسئولين الإسرائيليين لم يؤكدوا هذا الادعاء.
●●●
ومع هذا، فإن مصر، صاحبة الديبلوماسية النشطة، والموقف الثابت من القضية الفلسطينية، ومسألة التهجير خصوصًا، نجد نفسها على الحافة، لإيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على حقوق غزة وما يريدة ترامب.. ومع اشتهر به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتسمية الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه (ديكتاتوره المفضل) عام 2019، إلا أن علاقتهما كانت معقدة، كما ترى ماي درويش، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية للشرق الأوسط، بجامعة برمنجهام.. وقد أرسلت عودة ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، موجات من القلق عبر القاهرة.. في يناير 2025، اقترح ترامب حلًا للحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس في غزة: إعادة توطين الفلسطينيين قسرًا إلى مصر والأردن.. وهدد ترامب في الوقت نفسه بسحب المساعدات الأمريكية، إذا لم تمتثل هاتان الدولتان للاقتراح.. ستحتاج مصر السيسي إلى التعامل مع طموح ترامب، دون التضحية ببقاء النظام نفسه.. وتشرح ماي درويتش، التي درست السياسات الخارجية للدول العربية وتحالفاتها في الشرق الأوسط، ما هو على المحك.
على مر الزمن، تلقّت مصر مساعدات خارجية أمريكية أكثر من أي دولة أخرى، باستثناء إسرائيل.. فقد تلقت ثمانية وسبعين مليار دولار أمريكي كمساعدات اقتصادية، وتسعين مليار دولار أمريكي كمساعدات عسكرية منذ عام 1946.. أنهت اتفاقية السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩ الحرب بين البلدين.. انسحبت القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء.. ومنذ ذلك الحين، تُقدّم الولايات المتحدة لمصر مبلغًا ثابتًا قدره مليار ونصف المليار دولار أمريكي، منها مليار وثلاثمائة مليون دولار أمريكي مساعدات عسكرية سنويًا.. ويُخصّص هذا المبلغ لتمويل شراء مصر لأنظمة أسلحة من شركات دفاع أمريكية.. لقد شكلت المساعدات الأمريكية حجر الزاوية في العلاقات المصرية ـ الأمريكية لعقود من الزمن.. ومنذ عام ١٩٧٩، تُعدّ مصر ركيزة أساسية للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.. ويُعتبر الدعم العسكري ضروريًا لضمان مراعاة النظام المصري للمصالح الأمريكية.. ولكن التاريخ يبين، أن مصر قادرة على تخفيف التأثير المحتمل لتجميد المساعدات الأمريكية، خلال فترات التوتر في العلاقات.
علّقت الولايات المتحدة بعض مساعداتها العسكرية لمصر، بعد تغيير النظام عام ٢٠١٣.. خلال تلك الفترة، تلقى الرئيس السيسي، الذي انتُخب رئيسًا عام ٢٠١٤، دعمًا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.. كما زاد من وارداته من الأسلحة من فرنسا وروسيا.. وبعد فترة مراجعة، أفرجت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، عن المساعدات لمصر حفاظًا على المصالح الأمريكية. وكما أوضح وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ذات مرة، (إننا نجني عائدًا لا يُستهان به من هذا الاستثمار.. فالجيش يُساعدنا أيضًا في تعزيز الأمن في سيناء، وفي إرساء السلام في غزة).. وإذا توترت هذه العلاقة مجددًا، فقد تتعلم مصر كيف تصبح أكثر استقلالية.. يتزايد نفوذ الصين في مصر، وقد تُقرر دول الخليج، التي تتمتع بعلاقة وثيقة مع الرئيس السيسي، تقديم تمويل.
●●●
إن عبقرية السياسة المصرية ودبلوماسيتها، تتبدى في كيفية توازن مصر لمصالحها مع الدول العربية وإسرائيل والولايات المتحدة.. فقد مثّل توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية عام ١٩٧٩، تحولًا في السياسة الخارجية المصرية.. فقد جعلت المعاهدة مصر متوافقة مع الغرب في الاعتراف بإسرائيل.. إلا أن هذا القرار أدى إلى عزلة مصر في العالم العربي، وأبعدها من جامعة الدول العربية، قبل أن تعود إليها عام ١٩٨٩.. وعندما تولى الرئيس الراحل، محمد حسني مبارك، السلطة في أعقاب اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، كان على مصر أن توازن بين شراكتها مع الولايات المتحدة، والحفاظ على السلام مع إسرائيل، وتوفيق علاقاتها مع الدول العربية.
أدانت مصر العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين ولبنان عامي ١٩٨٢ و٢٠٠٦، وجمدت جهود تطبيع العلاقات مع إسرائيل.. عزز هذا من مكانتها المحورية في الأوساط العربية، دون المساس بسلامها مع إسرائيل.. في غضون ذلك، ساعدت مصر القوات العسكرية الأمريكية على التنقل عبر المنطقة، وساعدت النفط على التدفق عبر قناة السويس.. وحافظت على السلام والاستقرار مع إسرائيل، بالضغط على حركات المقاومة الفلسطينية لتهدئة الأوضاع.. وقد مكّن هذا التوازن مصر من أن تصبح وسيطًا بين فلسطين وإسرائيل.. وبذلت مصر في عهد الرئيس السيسي جهودًا للحفاظ على هذا التوازن.. إلا أن حرب غزة المستمرة، زادت من حدة التحديات التي تواجهها مصر، بما في ذلك نزوح اللاجئين وعدم الاستقرار على حدودها.. كما هددت الحرب التوازن في مصر.. كيف؟.
أثار اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023 قلق مصر.. فالقاهرة متخوفة من استراتيجية إسرائيل المحتملة، لتهجير الفلسطينيين قسرًا إلى شبه جزيرة سيناء،.. وقد اعتبر المسئولون المصريون هذا السيناريو خطًا أحمر.. ولا تريد القاهرة أن يُنظر إليها على أنها تُقوّض القضية الفلسطينية.. كذلك، يخشى المصريون من أن وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين في سيناء ـ التي تربط أفريقيا بآسيا، وتحد إسرائيل وغزة ـ قد يُحوّل المنطقة إلى منصة انطلاق لهجمات على إسرائيل.. وهذا سيُجبر مصر إما على قمع هذه الأنشطة أو مواجهة ردّ إسرائيلي. وينبع هذا القلق من حادثة وقعت عام ١٩٥٥.. إذ داهم الجيش الإسرائيلي معسكرًا عسكريًا مصريًا في قطاع غزة، الذي كان آنذاك تحت السيطرة المصرية.. قُتل سبعة عشر جنديًا إثر قيام مسلح فلسطيني بقتل إسرائيلي.. وأثارت خطة لنقل الفلسطينيين إلى سيناء احتجاجات في قطاع غزة، مما دفع الجيش المصري إلى مواجهة مباشرة مع الفلسطينيين.. وقد ظل هذا الحدث التاريخي يشكل السياسة الخارجية المصرية، التي ترفض أي توطين للفلسطينيين في سيناء.
سلّطت الحرب الحالية الضوء على نقاط ضعف هيكلية في الاقتصاد المصري المتعثر أصلًا.. فقد تسببت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، التي بدأت عام ٢٠٢٤، في انخفاض حاد في عائدات قناة السويس، وهي المصدر الحيوي للإيرادات من العملات الأجنبية لمصر.. استغل الرئيس السيسي المخاوف الأوروبية، من أن ما حدث في غزة قد يضر بالوضع الاقتصادي المصري، ويؤدي إلى هجرة جماعية إلى أوروبا.. لكن ضخ الأموال لن يحل التحديات الاقتصادية العميقة التي تواجه البلاد.
هذا، ومازال اقتراح ترامب يضع مصر في موقف حرج.. فإذا وافقت على خطة تهجير الفلسطينيين من غزة، فسيكون ذلك بمثابة انحراف جذري عن سياساتها الخارجية الأساسية، كما أن رفض الاقتراح من شأنه أن يؤدي إلى توتر العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى تقويض الدعم الأمريكي للدولة المصرية، التي قد تضطر بعد ذلك إلى طلب المساعدة من دول أخرى، خصوصًا وأن الصراع في غزة، يؤكد التورط التاريخي والسياسي لمصر في القضية الفلسطينية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق «بمسدس مياه».. 3 شباب يضايقون فتيات بورسعيد والأمن يضبطهم - خليج نيوز
التالى مسلسل الشرنقة الحلقة 2 … أحمد داود يعيش أحلام اليقظة - خليج نيوز