فاجأ رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، العالم باستئناف الحرب على قطاع غزة، من خلال شن غارات جوية وحشية على القطاع خلال الساعات الأولى من صباح أمس، ما أسفر عن استشهاد أكثر من ٤٠٠ فلسطينى وإصابة المئات، ما أثار موجة غضب دولية وإسرائيلية واسعة.
ورأت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن استئناف الحرب سمح لـ«نتنياهو» بتعزيز تحالفه مع اليمين المتطرف، خاصة قبل تصويت حاسم بشأن إعفاء المتطرفين «الحريديم» من الخدمة العسكرية، وكذلك بشأن الموازنة العامة التى قد تؤدى إلى انتخابات مبكرة فى حال فشل إقرارها فى الكنيست.
وتابعت الصحيفة أن استئناف الحرب دفع إيتمار بن جفير، وزير الأمن القومى الإسرائيلى المتطرف السابق، وحزبه للعودة إلى الحكومة ما يضمن لـ«نتنياهو» موافقة الكنيست على مشروع الميزانية، مشيرة إلى أنه فى حال لم يتم تمرير مشروع الميزانية، ستلجأ إسرائيل إلى انتخابات مبكرة قد تُنهى حكم «نتنياهو» بشكل نهائى.
وأشارت الصحيفة إلى أن «نتنياهو» توصل بالفعل إلى اتفاق مع «بن جفير»، زعيم حزب «القوة اليهودية»، لإعادته إلى الائتلاف الحكومى، حيث كان قد انسحب من الحكومة عندما بدأ وقف إطلاق النار فى يناير، مطالبًا بتجديد الحرب قبل عودته.
ويرى أبراهام ديسكين، أستاذ العلوم السياسية فى منتدى كوهيليت للسياسات، أن الحكومة قررت المخاطرة فى قضية المحتجزين لتحقيق ما تعتبره هدفًا مصيريًا يتمثل فى إزالة حماس من السلطة، فى وقت وصلت فيه حالة الانقسام الداخلى فى إسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة، قائلًا «هذا ربما هو أسوأ وأخطر انقسام تشهده إسرائيل منذ تأسيسها، إنه يهدد وجودنا ذاته».
فى السياق ذاته، أكدت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن الساحة السياسية والعسكرية فى إسرائيل تشهد تطورات متسارعة بعد قرار «نتنياهو» استئناف الحرب على قطاع غزة، وهو القرار الذى أثار جدلًا واسعًا فى الأوساط السياسية والأمنية، حيث اتهمه معارضوه بأن هذه الخطوة جاءت لتحقيق مصالح سياسية وشخصية تتعلق بمستقبله السياسى، أكثر من كونها خطوة مدروسة تهدف إلى تحقيق مكاسب أمنية لإسرائيل.
ويرى مراقبون أن توقيت قرار «نتنياهو» بإعادة إشعال الحرب فى غزة لا يمكن فصله عن عدة عوامل سياسية وشخصية، حيث يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى استغلالها لصالحه.
وأضافت «الصحيفة» أن أحد أبرز الدوافع التى يُعتقد أنها وقفت وراء قرار «نتنياهو» هو رغبته فى استعادة دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة فى ائتلافه الحاكم، وعلى رأسها حزب «القوة اليهودية» بزعامة «بن جفير»، مشيرة إلى أن استئناف الحرب فى هذا التوقيت أعاد «بن جفير» بالفعل إلى صفوف الحكومة، ما يعزز من استقرار الائتلاف الحاكم بعد اتفاق بين الأخير و«نتنياهو».
وأشارت الصحيفة، أيضًا، إلى أن قرار التصعيد العسكرى تزامن مع استعداد حكومة الاحتلال لتمرير ميزانية الدولة، وهو ملف حاسم لاستمرار الحكومة.
ورأى مراقبون أن «نتنياهو» أراد كسب الوقت وتأمين دعم شركائه السياسيين عبر التصعيد فى غزة، ما يضمن له تمرير الميزانية دون معارضة قوية.
وأوضحت «الصحيفة» أن العدوان تزامن، أيضًا، مع تصاعد المظاهرات الشعبية المناهضة لحكومة «نتنياهو»، التى تزايدت بعد الكشف عن محاولاته لعزل رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار، وكذلك المستشارة القانونية للحكومة جالى بهراف ميارا.
كما اعتبر معارضو «نتنياهو» أن تصعيد الحرب جاء أيضًا كخطوة محسوبة تهدف إلى صرف الأنظار عن هذه الخطوات المثيرة للجدل.
كما يواجه «نتنياهو» سلسلة من تهم الفساد التى تهدد مستقبله السياسى، ويعتقد البعض أن قرار التصعيد العسكرى جاء فى إطار استراتيجية سياسية تهدف إلى تعطيل محاكمته أو تأجيل جلساتها، مستفيدًا من حالة الطوارئ التى تفرضها الحرب.
ووفقًا لمراقبين، فإن «نتنياهو» يتعامل مع الحرب كـ«بوليصة تأمين» تُبقيه فى السلطة وتجنبه مواجهة لجنة تحقيق وطنية قد تسلط الضوء على أخطاء حكومته فى إدارة ملف الأمن قبيل هجوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
وفى مقابلة مع قناة ١٤ الإسرائيلية فى يونيو ٢٠٢٤ قال «نتنياهو»: «أنا مستعد لقبول صفقة جزئية تعيد لنا جزءًا من المحتجزين، لكننا مستعدون أيضًا لاستئناف الحرب بعد توقف مؤقت، لاستكمال هدفنا المتمثل فى القضاء على حماس».
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن هذه التصريحات تكشف عن أن «نتنياهو» لا يسعى إلى إنهاء الحرب بشكل كامل، بل يتبنى استراتيجية تقوم على إدارة الحرب عبر مراحل متقطعة، يتخللها وقف لإطلاق النار من حين إلى آخر، ما يمنحه الوقت لمناورة خصومه السياسيين داخليًا.