في منطقة الأنفوشي على شاطئ البحر الأبيض بالأسكندرية يقع مسجد الإمام البوصيري بمواجهة مسجد المرسي أبو العباس بميدان المساجد، وقد كان المسجد قديمًا زاوية صغيرة قبل أن يُشيّد على صورته الحالية في عام 1274 ھ 1858 م.
والإمام البوصيري هو الشاعر الأديب والإمام الصوفي شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد حماد بن محسن والملقب بالبوصيري، نسبة إلى مدينة بوصير بصعيد مصر، والذي عاش في الفترة من 1213 م وحتى 1295 م، ينتمي أسلافه إلى فرع من قبيلة صهناجة ببلاد المغرب، حيث نزح بعضهم إلى مصر واستقروا بها.
ولد الإمام البوصيري ببلدة دلاص التي تقع بين الفيوم وبني سويف وهي قرية قديمة كان منها أبوه، وفي صباه نزح من القرية واستقر في القاهرة حيث تلقى في أحد مساجدها الصغيرة بعض العلوم الشرعية واللغوية، وقد كان البوصيري فقيرا ولكنه كان يحسن الكتابة وله خط جميل فأشتغل فترة في كتابة شواهد القبور وانتقل بعد ذلك ليعمل كاتب للحسابات بمدينة بلبيس بالشرقية، حيث أمضى بضع سنوات في تلك الوظيفة ولكنه واجه الكثير من المتاعب حيث صور في أشعاره بعض مما رآه من انحرافات ووشايات واستغلال للسلطة، فغادر بعد ذلك الشرقية عائدا إلى القاهرة حيث افتتح كتابا لتعليم الأطفال، ولكنه عانى أيضا في هذا الكُتّاب وعبر أيضًا عن ذلك في أشعاره، انتقل بعد ذلك إلى الأسكندرية والتي استوطن بها حتى وفاته.
عاصر الإمام البوصيري في حياته عددا من سلاطين المماليك ومنهم الظاهر بيبرس، وفي الاسكندرية تعرف على شيخها الكبير وعالمها أبو العباس المرسي حيث لازمه وأقبل على طريقته الصوفية وتتلمذ على يديه وأخذ عنه حب الرسول ومدحه فذاع صيته بالأسكندرية، وملأت قصائده الآفاق ومنها قصديته ذائعة الصيت “البوردة” التي فاقت شهرتها شهرة صاحبها، وهي تعتبر من الفرائد في مدح رسول الله، وسار على نهجها الكثيرون من الشعراء الذين جاؤوا من بعده، وكان للإمام البوصيري قصائد أخرى في مدح الرسول إلا أنه ارتبط أكثر بالبردة التي أصبحت أهم قصائده التي يتغنى بها المداحون في الليالي الدينية وفى إحتفالات المولد النبوي.
يعود اسم البردة إلى حادثة تتعلق بمرض شديد ألم بالإمام البوصيري، حيث رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم، والذي حنا عليه وغطاه ببردته أو عبائته فشفي بعدها وبرأ من مرضه، وتسمى القصيدة أيضا بالميمية لأن آخر قافيتها حرف الميم وقصيدة البردة تسمى الكواكب الدرية في مدح خير البرية.
أمّا مسجد البوصيري، فيتكون من مربعين منفصلين، المربع الأول يشمل صحن المسجد وتتوسطه نافورة وتحيط به الأروقة من جميع الجهات، أمّا المربع الثاني، فبه إيوان القبلة الذي يؤدي إلى ضريح الإمام البوصيري تعلوه قبة من الصاج، والمسجد ومأذنته التي في شكل مسلة يمثلان الطراز التركي في القرن التاسع عشر، وقد شهد المسجد في الآونة الأخيرة تجديدات وتطويرات شملت جزأيه معًا بالإضافة لمبنى المسجد من الخارج.