كشفت تقارير تشريحية رسمية حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز عن تفاصيل مروعة بشأن مقتل 15 مسعفًا وعامل إغاثة، بينهم موظف في الأمم المتحدة، في هجوم إسرائيلي مباشر على سيارات إسعاف وإطفاء في مدينة رفح جنوبي القطاع، يوم 23 مارس الماضي.
طلقات قاتلة بزي رسمي وأضواء مشتعلة
تشير التقارير إلى أن المسعفين الذين ينتمون إلى الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني، قُتلوا بطلقات نارية في الرأس والصدر، رغم أنهم كانوا يرتدون زيّهم الرسمي المميز والمزود بأشرطة عاكسة، وكانت سياراتهم مضاءة بوضوح عند لحظة الاستهداف، بحسب مقاطع الفيديو وشهادات شهود العيان.
وأظهرت نتائج التشريح، التي أجراها رئيس وحدة الطب الشرعي في غزة، د. أحمد ضهير، بالتعاون مع خبير الطب الشرعي النرويجي آرني ستراي بيدرسن، أن 11 من القتلى أُصيبوا بطلقات نارية مباشرة، أربعة منهم في الرأس، وستة آخرون في منطقة الصدر أو الظهر. كما أُصيب آخرون بشظايا وانفجارات، وظهر على أحد الضحايا كدمات حول المعصمين قد تشير إلى تقييده قبل وفاته.
سحق المركبات ودفن جماعي للجثث
لم تكتف القوات الإسرائيلية بإطلاق النار، بل قامت بسحق سيارات الإسعاف وشاحنة الإطفاء ومركبة تابعة للأمم المتحدة بالجرافات، ثم دفنتها في حفرة واحدة إلى جانب الجثث، في مشهد وصفته منظمات حقوقية بأنه "إعدام ميداني متعمد"، وأحد أكثر الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي اعترف بتنفيذ الهجوم، إلا أنه قدّم روايات متناقضة، زاعمًا تارة أن القتلى كانوا "يتحركون بشكل مشبوه دون أضواء"، ثم تراجع عن ذلك لاحقًا، بعد نشر الفيديوهات التي تظهر المركبات مضاءة وتحمل شعارات واضحة.
مزاعم إسرائيلية متغيرة وتحقيقات لم تُعلن نتائجها
في البيان الأولي، قال الجيش الإسرائيلي إن تسعة من القتلى ينتمون إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، قبل أن يُعدل العدد إلى ستة دون تقديم أدلة ملموسة، مؤكدًا أن التحقيق لا يزال جاريًا، رافضًا الإدلاء بتفاصيل إضافية حتى إشعار آخر.
في المقابل، أكدت تقارير التشريح والتحليل الطبي أن معظم الضحايا قُتلوا بطرق متشابهة، ما يعزز فرضية أن الاستهداف كان منهجياً ومنسقًا وليس عرضيًا، وسط مطالب متزايدة بإجراء تحقيق دولي محايد ومستقل.
إدانة دولية واتهامات بارتكاب جريمة حرب
أثارت المجزرة موجة إدانة دولية واسعة من منظمات حقوقية وأممية، حيث وصف خبراء حقوق الإنسان ما حدث بأنه "جريمة حرب مكتملة الأركان"، مشيرين إلى أن استهداف الطواقم الطبية المحمية بموجب اتفاقيات جنيف، يُعد خرقًا فاضحًا للقانون الدولي يستوجب المحاسبة.
وقال الطبيب النرويجي بيدرسن في تصريح للصحيفة: "ما زلنا نحلل النتائج لمعرفة إذا ما كانت هناك أنماط مشتركة في طريقة القتل. هذا عمل يحتاج شفافية دولية، وليس صمتاً عسكرياً".