آراء حرة
الإثنين 28/أبريل/2025 - 01:38 ص
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تطورًا مذهلًا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تطبيقاته تلامس كل جوانب حياتنا اليومية، بدءًا من المساعدات الذكية على الهواتف المحمولة، مرورًا بتقنيات التوصية في مواقع التواصل الاجتماعي، وصولًا إلى التعليم الإلكتروني والألعاب الذكية، ولعل أكثر الفئات تأثرًا بهذه الطفرة التكنولوجية هم المراهقون، الذين وجدوا أنفسهم في عالم جديد مليء بالفرص والمخاطر في آنٍ واحد.
ولاشك أن الذكاء الاصطناعي أتاح للمراهقين فرصًا عظيمة للتعلم والتطور، حيث ساعدت أدواته المختلفة على تطوير مهارات البحث والاستكشاف، وسهّل الوصول إلى المعرفة عبر المنصات الذكية التي تقدم المعلومات بطريقة تفاعلية ومبسطة، كما أن البرامج التعليمية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مكنت العديد من الطلاب من التعلم وفقًا لقدراتهم الفردية، مما عزز من فهمهم وزاد من تحفيزهم نحو الإبداع والابتكار، بالإضافة إلى دور الألعاب الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تنمية قدرات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والعمل الجماعي لدى المراهقين، مما ساهم بشكل واضح في تحسين أدائهم الأكاديمي والعملي. وعلى الرغم من هذه الفوائد، إلا أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل خطرًا حقيقيًا إذا أسيء استخدامه، فالإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية لدى المراهقين، ويضعف مهارات التواصل الواقعي لديهم، كما أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تتحكم في منصات التواصل قد تروج لمحتويات ضارة أو مضللة، مما يزيد من تعرض المراهقين لمخاطر التنمر الإلكتروني أو الانسياق خلف الشائعات والأفكار السلبية، أيضًا الاستخدام غير الواعي للألعاب الإلكترونية قد يؤدي إلى الإدمان، الذي يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية لهم، بل ويدفعهم أحيانًا إلى العنف أو السلوكيات العدوانية، فضلًا عن تهديد خصوصيتهم بسبب جمع البيانات الشخصية من قبل بعض التطبيقات والبرامج، دون إدراك كامل منهم لحجم هذه المخاطر.
من جهة أخرى، يظهر الذكاء الاصطناعي كسلاح ذو حدين عندما يتعلق الأمر بتكوين الهوية لدى المراهقين، فبينما يمكن أن تسهم الأدوات الذكية في تعزيز الثقة بالنفس وتوسيع المدارك، إلا أنها قد تفرض عليهم في بعض الأحيان معايير نمطية ومثالية، تخلق فجوة بين الواقع والطموحات، مما يسبب الإحباط أو القلق المستمر، وبالتالي فإن تأثير الذكاء الاصطناعي على هذه الفئة العمرية يعتمد بالدرجة الأولى على طريقة الاستخدام، والرقابة الأسرية، والتوجيه التربوي السليم. لذلك، فإن مسؤولية حماية المراهقين من مخاطر الذكاء الاصطناعي تقع على عاتق الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع ككل، من خلال رفع مستوى الوعي لديهم، وتدريبهم على الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا، بالإضافة إلى تطوير برامج تعليمية تدمج الذكاء الاصطناعي بطريقة تفاعلية وإيجابية، مع غرس القيم الأخلاقية لديهم، وتعزيز التفكير النقدي، لكي يكونوا قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ في العالم الرقمي. وفي النهاية، يبقى الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذو حدين في حياة المراهقين، فهو قادر على أن يكون وسيلة للارتقاء والابتكار إذا استُخدم بحكمة ووعي، وقد يتحول إلى مصدر للضرر إذا أُسيء التعامل معه، لذلك فإن الاستثمار الحقيقي يكمن في بناء جيل من المراهقين المثقفين رقميًا، القادرين على تسخير هذه التكنولوجيا لصالحهم ولصالح مجتمعاتهم.