شهدت الصادرات المصرية خلال السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا، ما يعكس نجاح السياسات الاقتصادية فى تعزيز مكانة مصر التجارية على المستوى الدولى، والاقتراب من تحقيق حلم الوصول إلى ١٠٠ مليار دولار صادرات.
وفى عام ٢٠٢٤، سجلت الصادرات المصرية نحو ٤٤.٨ مليار دولار، مقارنة بـ٤٢.٥ مليار دولار فى عام ٢٠٢٣، و٥١.٦ مليار دولار فى ٢٠٢٢، و٤٣.٦ مليار جنيه فى عام ٢٠٢١ و٢٩.٢ مليار جنيه فى عام ٢٠٢٠.
ويعكس هذا النمو المتسارع زيادة بنسبة ٥٣.٤٪ فى الصادرات المصرية خلال الفترة بين عامى ٢٠٢٠ و٢٠٢٤، ما يشير إلى تطور القطاع وتوسع قاعدة التصدير.
زيادة ضخمة فى صادرات السلع تامة الصنع.. وإيطاليا وتركيا والخليج أكبر المستوردين
من بين أبرز السمات التجارية المميزة لعام ٢٠٢٤، كانت الزيادة الكبيرة فى صادرات السلع تامة الصنع، والتى استحوذت على ٥٣.٣٪ من هيكل الصادرات المصرية، بما يعادل ٢٣.٨ مليار دولار، مقارنة بـ٢١.٦ مليار دولار فى عام ٢٠٢٣.
ويعكس هذا الارتفاع تطور الصناعات المصرية وقدرتها على تلبية احتياجات الأسواق العالمية، فى حين سجلت الصادرات نصف المصنعة محليًا زيادة أيضًا بنسبة ٢٢.٦٪، بما يعادل ١٠.١ مليار دولار فى ٢٠٢٤، مقارنة بـ٨.٤ مليار دولار فى العام السابق.
على الجانب الآخر، سجلت واردات الوقود انخفاضًا ملحوظًا بنسبة ١٧.٩٪، حيث وصلت إلى ٥.٤ مليار دولار فى ٢٠٢٤، مقارنة بـ٧.٦ مليار دولار فى ٢٠٢٣.
ويأتى هذا التراجع فى إطار استراتيجيات الحكومة لترشيد واردات الطاقة وتحقيق كفاءة فى استهلاك الموارد.
وتتنافس عدة دول على استيراد السلع المصرية، وتعد إيطاليا والسعودية وتركيا والإمارات وأمريكا من أبرز الوجهات الرئيسية للصادرات المصرية.
وتصدرت إيطاليا قائمة أكبر المستوردين للسلع المصرية، حيث ارتفعت صادرات مصر إليها بنسبة ٤.٢٪، مسجلة ٣.٣٨ مليار دولار فى ٢٠٢٤، مقارنة بـ٣.٢٥ مليار دولار فى ٢٠٢٣، وتمثلت أهم الصادرات المصرية إليها فى الوقود والزيوت المعدنية والألومنيوم والحديد.
وفى المرتبة الثانية جاءت السعودية، التى استقبلت صادرات مصرية بقيمة ٣.٣ مليار دولار فى ٢٠٢٤، مقابل ٢.٦ مليار دولار فى ٢٠٢٣، مسجلة زيادة بنسبة ٢٦.٩٪، وتمثلت أهم الصادرات المصرية إليها فى الوقود والزيوت المعدنية والنحاس والملابس.
ورغم انخفاض الصادرات المصرية إلى تركيا بنسبة ٨.٨٪، فإنها جاءت فى المركز الثالث وسجلت ٣.٣٢ مليار دولار فى ٢٠٢٤ مقارنة بـ٣.٦ مليار دولار فى ٢٠٢٣، واستمرت تركيا فى كونها واحدًا من أكبر المستوردين للسلع المصرية، معتمدة فى الأساس على صادرات مصر من الأسمدة والملابس والوقود.
وفى المرتبة الرابعة، جاءت الإمارات، التى استقبلت صادرات مصرية بقيمة ٣.٢ مليار دولار فى ٢٠٢٤، مقابل ٢.٢ مليار دولار فى ٢٠٢٣، مسجلة زيادة بنسبة ٤٥٪، وتمثلت أهم الصادرات المصرية إليها فى اللؤلؤ والأحجار الكريمة والآلات والأجهزة الكهربائية والفواكه والخضروات.
أما الولايات المتحدة فحلت فى المرتبة الخامسة، بعد أن سجلت الصادرات المصرية إليها نموًا بنسبة ١٢.٨٪، ووصلت إلى ٢.٢ مليار دولار فى ٢٠٢٤، مقارنة بـ١.٩ مليار دولار فى ٢٠٢٣، وتمثلت أبرز الصادرات المصرية لأمريكا فى الملابس والحديد والسجاد والخضروات والفواكه.
إنشاء صندوق تنمية الصادرات.. و6 مليارات جنيه مخصصات لتحفيز المصدرين
فى سياق تعزيز القدرة التصديرية، تعد برامج المساندة التصديرية من أبرز آليات تحفيز الصادرات المصرية، وبدايةً من عام ٢٠٠٢، تم إنشاء صندوق تنمية الصادرات المصرية بموجب قانون ١٥٥، والذى يقدم حوافز للمصدرين فى صورة رد نسبة من إجمالى فاتورة الصادرات، وقد تطورت مخصصات هذه البرامج لتصل إلى ٦ مليارات جنيه فى العام ٢٠٢٢/٢٠٢٣، مقارنة بـ٣٢٠ مليون جنيه فى بداية تطبيقها.
وحول ذلك، أوضحت الدكتورة سحر عبود، المدرس بمعهد التخطيط القومى، فى ورقة بحثية أعدتها، أنه على الرغم من نجاح الجهود العديدة خلال السنوات الماضية فى زيادة الصادرات المصرية الإجمالية لتسجل نحو ٤٤.٨ مليار دولار فى ٢٠٢٤، فإن الأرقام لا تزال أقل كثيرًا من المستويات الممكنة.
وأشارت إلى أن هيكل الصادرات المصرى يعانى من محدودية التنوع السُلّمى والجغرافى، وتواضع درجة تعقيده، وهذا يتضح عند مقارنة مصر بدول آسيوية حققت طفرات تصديرية جعلت القارة الآسيوية تستحوذ على ثلث الصادرات العالمية فى ٢٠٢٢.
وأضافت: «تعد برامج تحفيز الصادرات إحدى الآليات المهمة التى تعتمد عليها مصر لتحقيق استراتيجيتها لتنمية الصادرات، ومع ذلك فإن التحديات التى يواجهها الاقتصاد العالمى والمحلى، خاصة خلال الأزمات الأخيرة، تقتضى إعادة تقييم كل آليات التحفيز لضمان كفاءتها ومرونتها».
وتابعت: «من خلال دراسة أفضل الممارسات فى تركيا وجنوب إفريقيا، يمكننا استخلاص مقومات نجاح برامج التحفيز فى تلك البلدان للاستفادة منها فى تطوير البرامج المصرية، إذ ستساعد ورقة السياسات المقترحة صانعى السياسات فى مجال التجارة والصناعة والمالية على تعزيز برامج تحفيز الصادرات فى مصر بما يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية».
مقترحات لتدشين استراتيجية شاملة للتنمية الصناعية ومنصة قومية للتصدير
قالت آية السرسى، المدرس المساعد بمعهد التخطيط القومى، إن تطوير برامج تحفيز الصادرات المصرية يعد أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز النمو الاقتصادى وتحقيق أهداف مصر فى زيادة صادراتها، لافتة إلى أن هناك عددًا من المقترحات التى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لوضع إطار استراتيجى شامل لتحفيز الصادرات المصرية وتحقيق تنوع فى المنتجات المصدرة.
وأضافت: «من بين المقترحات الأساسية تطوير البرامج الحالية بشكل يتماشى مع متطلبات السوق العالمية، حيث يجب وضع إطار استراتيجى شامل يعالج التحديات الحالية ويحدد الإجراءات العاجلة الضرورية لزيادة الصادرات، مثل تشكيل مجموعة عمل (Task Force) تضم أكبر ٥٠ مصدرًا من مختلف القطاعات والأسواق الخارجية لتقديم مقترحات عملية قابلة للتنفيذ».
وأوضحت أن المقترحات تتضمن العديد من الأبعاد التى من شأنها أن تسهم فى تحسين القدرة التنافسية للصادرات المصرية، ومن أبرزها تدشين استراتيجية للتنمية الصناعية يتم تصميمها بشكل علمى، بناءً على دراسات للقدرات الإنتاجية وأولويات الدولة، مع مشاركة واسعة من القطاع الخاص فى إعدادها، وتدشين منصة قومية للتصدير تضم كل المنتجات المصرية المصدرة والشركات والأسواق المستهدفة، بحيث تكون سهلة الاستخدام ومحدثة بشكل دورى لتسهيل الوصول إلى المعلومات المتعلقة بفرص التصدير.
كما أشارت إلى ضرورة إطلاق حوافز متنوعة لتشجيع الإنتاج من أجل التصدير، بما فى ذلك أسعار فائدة تفضيلية لتمويل الاستثمارات والتوسعات، ودعم فنى مخصص وفقًا لاحتياجات الشركات المصدرة، وتقديم إعفاءات من الرسوم الحكومية، إلى جانب تحسين الإجراءات الجمركية لتسريع إنهاء إجراءات الإفراج الجمركى عن مستلزمات الإنتاج، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية لتوفير حلول سريعة وفعالة.
وأكدت أهمية الاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات الضخمة، لتوفير معلومات متكاملة حول الفرص التصديرية المتاحة فى الأسواق العالمية، نظرًا لأن استخدام هذه التكنولوجيا سيساعد فى تحديد القطاعات والأسواق الواعدة، ما يسهم فى اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر دقة وفاعلية.
وأشارت إلى أن القطاع الخاص يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من عملية تطوير السياسات والبرامج التصديرية، من خلال تقديم ملاحظات واقتراحات لتحسين الآليات التنفيذية.
ولفتت إلى ضرورة التركيز على تحديد مستهدفات كمية وقطاعية واضحة للصادرات المصرية فى ضوء القدرات التصديرية الحالية والمستقبلية، ما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق الدولية، كما دعت إلى ربط جهود تنمية الصادرات مع ترويج الاستثمار والسياحة، إذ يمثل التكامل بين هذه القطاعات حافزًا أساسيًا لتحقيق النمو المستدام.