مصر وقبرص..
في عمق مياه البحر الأبيض المتوسط، تتشكل ملامح مشهد جديد يعيد رسم خريطة الطاقة في المنطقة، فحقل "كرونوس" القبرصي لا يبدو كاكتشاف تقليدي فحسب، بل كجسر جديد لطموحات مصر الإقليمية في أن تظل محورًا للطاقة رغم التحديات.
شراكة الغاز التي تُشعل آمال الطاقة شرق المتوسط
وبينما تستعد القاهرة لموسم صيفي يزداد فيه الطلب على الطاقة، تُسلّط الأضواء مجددًا على الشراكة المصرية القبرصية في قطاع الغاز، بعدما أعلنت شركة توتال إنرجي الفرنسية أن قرار الاستثمار النهائي في الحقل قد يصدر بحلول عام 2026.
الاحتياطيات المكتشفة في "كرونوس" تتجاوز 3 تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ما يجعله من أهم الاكتشافات في شرق المتوسط مؤخرًا.
المشروع، الذي تتقاسمه شركتا توتال إنرجي الفرنسية وإيني الإيطالية، يمثّل بارقة أمل لقبرص للدخول رسميًا إلى نادي مصدّري الغاز المسال، بعد اتفاقها مع مصر على استخدام محطة الإسالة في دمياط.
في السياق ذاته، يكتسب التعاون بين القاهرة ونيقوسيا طابعًا استراتيجيًا، إذ وقّع البلدان في فبراير 2025 اتفاقًا يتيح معالجة الغاز القبرصي في منشآت حقل ظهر ثم إعادة تسييله وتصديره إلى أوروبا.
ويُنظر إلى الاتفاق على أنه انتصار مزدوج؛ لمصر بوصفها مركزًا إقليميًا، ولقبرص التي تبحث عن منفذ فعّال لتصدير مواردها.
من المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم من الحقل بين عامي 2028 و2029، ما يمنح مصر وقتًا كافيًا لتعزيز بنيتها التحتية في محطة دمياط، التي تستأنفت عملها عام 2021 بعد توقف دام سنوات، وتبلغ قدرتها حاليًا نحو 7.56 مليار متر مكعب سنويًا.
وتملك مصر أيضًا محطة "إدكو" بقدرة إنتاجية تصل إلى 7.2 مليون طن سنويًا، ما يجعلها الدولة الوحيدة شرق المتوسط القادرة على تسييل الغاز على نطاق واسع.
محطة "إدكو" بقدرة إنتاجية تصل إلى 7.2 مليون طن سنويًا
ورغم هذا الزخم، تواجه قبرص تحديات في تطوير حقولها الأخرى مثل حقل أفروديت، الذي أجلّت شركات تطويره –ومنها شيفرون ونيو ميد– بدء الإنتاج التجاري إلى ما بعد 2031، ما دفع الأنظار للتركيز على "كرونوس" باعتباره المشروع الأكثر جدية وقربًا من التنفيذ.
ميزة "كرونوس" لا تكمن فقط في كميات الغاز، بل في موقعه القريب من حقل ظهر المصري، الذي تديره شركة إيني أيضًا، ما يتيح للشركة الإيطالية استخدام بنيتها التحتية القائمة لتقليل التكاليف وتسريع الجدول الزمني.
وفي ظل تراجع إنتاج حقل ظهر منذ عام 2021، وتعويض مصر جزءًا من الطلب عبر استيراد الغاز، يأتي هذا المشروع كفرصة حيوية لإعادة مصر إلى واجهة صادرات الغاز، لا سيما أن الأسواق الأوروبية لا تزال تبحث عن بدائل للغاز الروسي، وهو ما يعزز فرص مصر في أن تكون محورًا إقليميًا لتجارة الغاز شرق المتوسط.
بين التحركات الاستثمارية المنتظرة والبنية التحتية القائمة، تبقى العيون مفتوحة على كيفية إدارة هذا التعاون الثلاثي (مصر، قبرص، الشركات الدولية) لضمان استفادة جميع الأطراف من أحد أكبر المشروعات الغازية في شرق المتوسط خلال العقد المقبل.