في كنيسة بجنوب إفريقيا سارت العروس إيفلين سيكجالكان بثوبها الأبيض متشابكة الأيدي مع شيرلي مولالا، الزوجة الأولى لزوجها المشترك، ليسيبا مولالا، خلال حفل زفاف جماعي غير تقليدي نظمته كنيسة "القداسة الخمسينية الدولية" في ضواحي جوهانسبرج، في مشهد يختزل مزيجاً من التقاليد الأفريقية والعقائد الدينية المعادة صياغتها.
تخلل الحفل ترانيم روحانية وألوان زاهية، فلم يكن مجرد احتفال بزواج 55 ثنائياً، بل تأكيداً على رؤية دينية ترفع شعار "التعددية الزوجية كوصية إلهية".
الكتاب المقدس والسجاد الأحمر حين تصبح "الأخت الزوجة" قدوة
"الرب يوافق على تعدد الزوجات"، هذه العبارة ترددت بين جدران الكنيسة المكتظة، حيث مثلت السبع زيجات التعددية من بين الـ55 نواةً لحياة عائلية يعتبرها المؤمنون "مستوحاة من العهد القديم"، حسب تقرير لـ"بي بي سي".
تروي شيرلي (48 عاماً)، التي تتقاسم حياة مولالا منذ 25 عاماً، كيف أن "البدء الروحي" للعلاقة جعل تقبل الزوجات الجدد أمراً طبيعياً: "كنا نرتدي ملابس متطابقة، كأخوات". أما إيفلين (44 عاماً)، العروس الجديدة التي انضمت إلى العائلة بعد عملية انتقاء دامت أشهراً، تؤكد أن "الشفافية الروحية" هي ما طمأنها لقبول دور الزوجة الثانية.
امرأة واحدة لا تكفي
وفي المقابل انسحبت زوجة ثالثة سابقاً بسبب خلافات، وهو ما يعترف به النظام الكنسي كتحدٍ محتمل، لكنه يرى فيه "اختباراً للإيمان".
العريس ليسيبا (67 عاماً) يلخص فلسفته: "امرأة واحدة لم تكفني، لكن الخيانة ليست خياراً. التعددية هي الحل".
الألوان الممنوعة والفحص الإلزامي.. قواعد صارمة لحماية "المشروع العائلي المقدس"
الكنيسة، التي تأسست عام 1962 في سويتو وبات لديها 3.1 مليون عضو، تفرض شروطاً صارمة للحفاظ على "النقاء الروحي والمجتمعي". قبل دخول القاعة، يُفحص الزي النسائي للتأكد من عدم كشف الذراعين أو ارتداء السراويل، مع إلزامية غطاء الرأس. الرجال والنساء يجلسون منفصلين خلال الصلوات، والمواعدة التقليدية ممنوعة كلياً.
وحسب تقرير "بي بي سي" أكثر الإجراءات لفتاً هو الفحص الإلزامي لفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) قبل الزواج، رداً على أزمة صحية أثرت سابقاً على عائلات متعددة الزوجات. "النتائج تُسجل في ملفات الكنيسة، والشفافية واجبة"، يوضح مفو ماكوانا، المسؤول الكنسي، مشيراً إلى أن هذه السياسة قلصت حالات الطلاق الناجمة عن "خداع صحي".
زواج بلا مواعدة.. كيف تختار الكنيسة شريك حياتك؟
في عالم تُحظر فيه المواعدة، تتحول خطوبة مثل فريدي ليتسوالو (35 عاماً) ورينداني مايمو (31 عاماً) إلى قصة غريبة: تعارفا قبل عشر سنوات في حفل زفاف جماعي آخر، ولم يتحدثا إلا عبر تهنئات عيد الميلاد على فيسبوك، حتى قرر فريدي في ديسمبر 2024 تقديم طلب زواج رسمي عبر الكنيسة. "الحب من النظرة الأولى مسموح، لكن الخطبة يجب أن تتم عبر القنوات الروحية"، يضحك فريدي.
أما رينداني، التي حلمت منذ الطفولة بزفافها تحت سقف الكنيسة، تقبلت بفرح فكرة أن يصبح زوجها متعدد الزوجات في المستقبل: "هذا إيماننا". بينما يرى البروفيسور موسى زولو، الخبير الديني، أن هذه الممارسات تعكس "مسيحية أفريقية هجينة"، تزاوج بين العقيدة الدينية والتقاليد المحلية.
"الروح القدس" وسيارات الرولز رويس.. طقوس العبادة والتباهي
لا يكتمل المشهد دون ذكر ليونارد موديسي، زعيم الكنيسة الملقب بـ"الروح القدس"، الذي دخل الحفل بموكب أسطوري ضم خيولاً وفرقة موسيقية وسيارتي رولز رويس، في إشارة إلى الثروة التي تتمتع بها بعض الكنائس المستقلة في جنوب أفريقيا. موديسي، الذي بارك الأزواج في ختام المراسم، يمثل سلطة دينية لا تُعارض، حيث تُحل النزاعات العائلية عبر "آليات كنسية داخلية".
جدل لا ينتهي بين التقاليد والأمراض الاجتماعية
رغم أن تعدد الزوجات قانوني في جنوب أفريقيا (كزيجات عرفية)، فإن الاحتفال به كنسياً يبقى استثناءً يثير جدلاً.
منتقدون يرون فيه إحياءً لتقاليد بالية تزيد من مخاطر الأمراض أو الاستغلال المادي، بينما يدافع مؤيدون عن "حق اختياري" يقره الدين، و الكنيسة ترد بأن نظامها "يحمي النساء عبر الإطار الروحي والقانوني"، مشيرة إلى أن الأزواج يوقعون على عقود رسمية لدى الحكومة.
المنافسة على قلب الرجل في الإيمان والخدمة
في النهاية، قد لا يكون حفل زوربيكوم مجرد احتفال ديني، بل نافذة على مجتمع يحاول إيجاد توازنه بين هويات متعددة: أفريقية، مسيحية، وعصرية. وكما تقول إيفلين بينما تستعد للانتقال إلى منزل شيرلي: "هنا، تصبح المنافسة على قلب الرجل منافسةً في الإيمان والخدمة".
