مناشدات دولية من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة الذي يعيش مآسي يومية في ظل نقص المساعدات الإنسانية وافتقاد الحد الأدنى من أساسيات العيش الكريم، وفي أولى المناشدات طالبت المفوضية الأوروبية قوات الاحتلال برفع فوري للحصار عن غزة.
وناشد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أنور العنوني، إسرائيل باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، بضرورة رفع الحصار المفروض على غزة فورا والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، من أجل إنقاذ حياة الملايين من البشر الذين يعانون نتيجة للأوضاع الإنسانية في غزة.
متحدث المفوضية الأوروبية عبر أيضا عن مخاوفه تجاه غزة، حيث قال "نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير الإنسانية التي تشير إلى قرب نفاد الإمدادات الغذائية التي تم إدخالها خلال فترة وقف إطلاق النار"، مضيفا في الوقت ذاته أن إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين يجب أن يتم وفقًا للقانون الإنساني الدولي.
وتابع: "نجدد دعوتنا لإسرائيل برفع الحصار عن غزة والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية بشكل واسع".
الصحة العالمية تحذر من عواقب منع المساعدات إلى غزة
من جهته، حذر مايكل راين المدير التنفيذي لبرامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ، من عواقب منع المساعدات إلى غزة، حيث قال إن عقول وأجساد أطفال قطاع غزة تتحطم بعد شهرين من منع دخول المساعدات، وتجدد الضربات.
ولفت "راين" إلى أن "الجوع ينهش أجساد أطفال غزة، وعقولهم. نحن نجوع أطفال غزة. نحن متواطئون"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك، مضيفًا: "بصفة أنني طبيب، أنا غاضب. هذا لا يُحتمل".
وأوضح "راين" أن "المستوى الحالي لسوء التغذية يسبب انهيار المناعة"، ونوه إلى أن حالات الالتهاب الرئوي والتهاب السحايا لدى النساء والأطفال تزايدت، وفقًا لوكالة "رويترز".
وعلى صعيد متصل، قال تيدروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن الوضع في غزة “كارثي”، وإن مليوني شخص بالقطاع يعانون الجوع، مشيرا إلى أن تمويل “الصحة العالمية” يواجه تحديات تاريخية مع تقليص الدول المانحة مساهماتها، حيث قال: " “نشهد أكبر اضطراب في تاريخ تمويل منظمة الصحة العالمية”.
منظمة دولية: الأزمة تتفاقم والجوع يسبب الفوضى
وفي ذات السياق، حذَّر مؤسِّس منظمة “وورلد سنترال كيتشن” الإغاثية خوسيه أندريس، من تفاقم أزمة الغذاء بقطاع غزة، داعيًا إسرائيل إلى فتح ممرات إنسانية على الفور.
وقال أندريس، في حسابه على منصة “إكس”، موجهًا حديثه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “الأزمة تتفاقم، والجوع يسبب الفوضى، ويعرِّض حياة المدنيين والرهائن، على حد سواء، للخطر”.
وأشار أندريس إلى نفاد الدقيق من آخر مخابز المنظَّمة الخيرية في القطاع الذي يتعرَّض لحرب إسرائيلية أسفرت عن مقتل ما يربو على 52 ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023، وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة.
من جهتها، نقلت وكالة رويترز للأنباء عن عدة جماعات إغاثية، قولهم إن عشرات المطابخ الخيرية المحلية معرّضة لخطر الإغلاق، ربما في غضون أيام، ما لم يُسمح بدخول المساعدات لغزة؛ لأن عدم حدوث ذلك سيُنهي آخِر مصدر دائم للوجبات لمعظم السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
مأساة إنسانية في غزة
ومنذ الثاني من مارس الماضي، يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخول المساعدات إلى قطاع غزة بشكل كامل، علما أن غالبية المواطنين في القطاع باتوا يعتمدون بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 19 شهرا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
ويعد قطع الإمدادات عن سكان قطاع غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة "مأساة حقيقية"، حيث نفدت تقريبًا كل المواد الغذائية المخزَّنة خلال وقف إطلاق النار في بداية العام، وهذا هو أطول إغلاق من نوعه يواجهه قطاع غزة على الإطلاق.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في تقرير أصدره الاثنين الماضي، أنه جرى رصد نحو عشرة آلاف حالة سوء تغذية شديدة بين الأطفال في أنحاء غزة، من بينها 1600 حالة سوء تغذية حادة جدًا، منذ بداية عام 2025.
وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الاثنين، أن “الحصار الخانق والإغلاق المستمر للمعابر أدى إلى تدهور كارثي في الأوضاع الصحية، وتفشي حالات سوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال والرُّضع، حيث تجاوز عدد الحالات التي وصلت إلى ما تبقى من مستشفيات ومراكز طبية نتيجة سوء التغذية الحاد 65000 حالة مَرَضية، من أصل 1.1 مليون طفل في قطاع غزة يعانون الجوع اليومي”.
جرائم إسرائيلية متواصلة
ويعد الحصار أخر حلقات الجرائم الإسرائيلية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث يرتكب الاحتلال جرائم إبادة جماعية في القطاع خلّفت أكثر من 170 ألف مواطن بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل.
محللون: الاحتلال ينتهج سياسة التغيير الديمغرافي والجغرافي في غزة لتوسيع الاستيطان
وفي هذا الشأن، قال الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تنتهج سياسة التغيير الديمغرافي والجغرافي في قطاع غزة، ويتبع النهج ذاته في الضفة الغربية من خلال التوسع الاستيطاني.
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن الحلول السياسية وعلى رأسها "حل الدولتين" لا تندرج ضمن أجندة إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا تتبع إسرائيل سياسة التجويع والحصار ضد الفلسطينيين.
وتابع: "سلطات الاحتلال تمارس سياسة التجويع والحصار عبر إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في غزة، مؤكدًا أن نحو 50% من مساحة قطاع غزة تحولت إلى مناطق عازلة بذريعة “أمنية” واهية تروج لها سلطات الاحتلال، مبينًا أن مجمل هذه السياسات تؤكد أن الهدف الحقيقي هو إبادة الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته.
وأضاف "سلامة" في تصريحات تليفزيونية أن التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بشأن الأسرى الإسرائيليين كانت مستفزة للرأي العام الإسرائيلي، إذ أشار إلى أن الهدف من توسيع العمليات العسكرية في غزة هو القضاء على حركة حماس، متابعًا: “في الحقيقة، نتنياهو لم ينجح في القضاء على حماس، ولم يتمكن من استعادة الأسرى، لقد أصبح الهدف الإسرائيلي واضحًا ارتكاب جريمة إبادة جماعية، وتصفية القضية الفلسطينية، والتوسع الاستيطاني على حساب الأراضي العربية المحتلة وسيادة الدول”.
من جهته، يرى الدكتور أشرف سنجر، خبير السياسات الدولية، أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وصلت لمراحل "كارثية"، مشددا على أن الأوضاع في قطاع غزة مأساوية للغاية، نتيجة الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ نحو أكثر من شهرين.
وأضاف "سنجر" في تصريحات تليفزيونية إلى أن هناك محاولات جاهدة من قبل كل من مصر والأردن لرفع الحصار عن غزة، ولفت على أن القاهرة وعمان تمارسان ضغوطًا على الولايات المتحدة، باعتبارها الدولة الوحيدة القادرة على التأثير على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومنعه من ارتكاب المجازر والانتهاكات غير الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
وأشار خبير السياسات الدولية إلى أن قوات الاحتلال لا تزال تستخدم القوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ما أسفر عن استشهاد آلاف المدنيين وإصابة مئات الآلاف بجروح، مؤكدًا أن الاحتلال لا يصطدم مع “أونروا” فقط، بل مع منظمات إنسانية دولية أخرى، في إطار محاولاته لتكريس الحصار واستمرار حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني.