محرقة "جدعون": الدين في مُعترك السياسة! خليج نيوز

محرقة "جدعون": الدين في مُعترك السياسة! خليج نيوز
محرقة "جدعون": الدين في مُعترك السياسة! خليج نيوز

الخميس 08/مايو/2025 - 11:02 ص 5/8/2025 11:02:26 AM

رغم أن أغلب مؤسسي ودعاة وقادة الكيان الصهيوني الغاصب كانوا علمانيين مُتطرفين، لا يؤمنون بالأديان، ومن ضمنها الديانة اليهودية، التي رأي فيها أول رئيس وزراء صهيوني، "ديفيد بن جوريون"، مُجَرّد: "حافلة مُتحركة نركبها حتى نصل إلى غايتنا، ثم نغادرها ونستكمل طريقنا نحو هدفنا بوسيلة أخرى!"، إلّا أنهم لم يتورعوا عن استغلال "الميثولوجيا الدينية"، (Religious Mythology)اليهودية المنبع، المُمثلة في مجموعة من الحكايات والأساطير التقليدية التي تنقلها ثقافة معينة عبر الأجيال، والتي غالبًا ما تتضمن هذه الحكايات قصصًا حول أصل الكون، وحول شخصيات خارقة للطبيعة مثل الآلهة والأبطال والوحوش، وتشرح أصول العالم والظواهر الطبيعية والعادات والتقاليد والقيم الاجتماعي، ولا تُعتبر هذه الحكايات ـ من وجهة النظر العلمية ـ بالضرورة حقائق تاريخية أو علمية، بل هي تعبيرات رمزية وثقافية عن رؤية العالم وقيمه، منقولة من مراحل زمنية سحيقة، توفر إطارًا لفهم العالم، وتُقدم تفسيرات للظواهر التي قد تبدو غامضة أو مخيفة، كما أنها تلعب دورًا مُهمًا في تعزيز الوحدة الاجتماعية للقبيلة أو التجمُّع البشري، وفي نقل القيم والمعتقدات، وتعزيز الشعور بالانتماء، وغالبًا ما تتضمن الميثولوجيا الدينية وعودًا بالخلاص أو الحياة الأبدية، مما يوفر عزاءً للمؤمنين بها، وتعمل على بث الشعور بالطمأنينة والتفاؤل، والراحة والأمل، والثقة في الخروج من الكوارث والأزمات، وخاصةً في أوقات المحن والشدّة!
وكثيرًا ما لجأ الكيان الصهيوني، وبالذات في لحظات التأزم، إلى استدعاء المكونات الميثولوجية اليهودية، بأشخاصها المؤلفة في مُعظم الحالات، وأحداثها المُخترعة وأوهامها المُتوارثة، لتحفيز إرادة التجمُّع اليهودي المُغتصب، واختراع تاريخ حضاري موَّحِد لشظاياه المُلفَّقة، وإشعاره بالمهمة (الرسولية) في خطواته الدامية التي تتحرك على أشلاء الشعب الفلسطيني، العميق الوجود في أرضه؛ والشديد التمسُّك بها.
ومن هنا نلج إلى مسألة "مركبات جدعون" التي أُسميت بها العمليات الإجرامية الجديدة في غزة، التي أعلن عنها "بنيامين نتنياهو" في اليوم الخامس من هذا الشهر، والتي تتضمن "الانتقال من أسلوب الاقتحامات  إلى احتلال الأراضي والبقاء فيها" عن طريق شن هجوم مُكثف، يعقبه احتلال دائم للأرض، بادِّعاء أن ذلك: "يُساعد على تقويض حماس، وإعادة المُحتجزين"، ويحمي الفلسطينيين، ويكفل لهم الأمان!
وتتضمن هذه الخطة: "الإخلاء الواسع للسُكّان نحو جنوب القطاع، وإقامة فاصل بينهم وبين حركة حماس"!، وحيث تتحكم القوات الصهيونية في أمر تجويع الشعب الفلسطيني، عبر السيطرة على توزيع المُساعدات الإنسانية، تحت ذريعة "منع حماس من السيطرة على الإمدادات، وتدمير قدراتها  في الحكم"، وهو ما يُعزز ـ من وجهة النظر الصهيونية ـ الفرصة لتحقيق "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين خارج أراضيهم!! (الأهرام 6 مايو 2025).
وعودة إلى قضية تسمية هذه العملية الإجرامية الصهيونية الجديدة باسمها الذي أطلقته الإدارة الصهيونية عليها: "مركبات جدعون".. فمن هو "جدعون"؟، ولماذا أطلقوا اسمه على هذه العملية الحربية الجديدة!
"جدعون" شخصية توراتية من "سبط مَنَسَّى"، زُعم أنه قاد مجموعة ضئيلة من المقاتلين، وانتصر على جيش "المديانيين: الأكبر عددًا، عبر الحيلة  الخطة العسكرية الذكية، بحسب النص التوراتي في"سِفر القضاة"، الذي يذكر أن "جدعون"، قاد بأمر من "الرب"، جيشًا صغيرًا قوامه 300 رجل فقط ليهزم جيشًا جرّارًا من المديانيين.
تتلخص القصة في أن "إله القبائل الإسرائيلية" أمر "جدعون" بتقليل عدد جنوده مرتين، في المرة الأولى سمح لمن خاف أن يعود إلى بيته، فتبقى 10 آلاف رجل. ثم أمره الله بأن يأخذهم إلى النهر ليختار منهم بطريقة شربهم للماء، فاختار فقط 300 رجل شربوا الماء بأيديهم وراقبوا، بينما استبعد الباقين الذين ركعوا ليشربوا.
باستخدام هؤلاء الـ 300 رجل فقط، وبأساليب غير تقليدية مثل الأبواق والمشاعل المخفية في جِرار، حقّق "جدعون" نصرًا ساحقًا على المديانيين، الذين كانوا يفوقونهم عُدةً وعددًا!
وإزاء صمود الشعب الفلسطيني، ومقاومته الأسطورية، وتحمّله لحملات الإبادة الصهيونية، وعجز العدوان الصهيوني المتوحش عن كسر إرادة الفلسطينيين وارتباطهم بأرضهم، وفي مواجهة احتدام الصراعات الداخلية في الكيان، والإرهاق الواضح على الجيش المُنهك بعد حرب ضروس استمرت أكثر من تسعة عشر شهرًا دون أن تهزم الإرادة البطولية للفلسطينيين، أُجبرت الإدارة الصهيونية إلى استدعاء "عشرات الآلاف من جنود الاحتياط" مُجددًا، لسد العجز المترتب على المعارك الضارية التي لم تتوقف أبدًا! 
وفي مواجهة الروح المعنوية المهتزة للقوات الصهيونية، تم استخدام هذه القصة كرمز أو استعارة في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لرفع المعنويات، والإيحاء بإمكانية النصر، انطلاقًا من  النظر إلى "مراكب جدعون" أو "رجال جدعون" على أنهم المجموعة الصغيرة التي تثق بقدرتها على تحقيق النصر على خصم أكبر وأكثر عددًا، تمامًا كما فعل "جدعون" التاريخي في قصته (المُخترعة)، مُتجاهلين درس التاريخ الحقيقي الصارم: لا "جدعون" ولا آلاف مؤلفة من أشياعه القتلة المُعاصرين، قادرين على كسر إرادة الشعب الفلسطيني، المُتمسكٌ بأرضه، والمُستعدٌ للتضحية في سبيل الزود عنها بأغلى ما يملك.
وما أحوجنا في هذه اللحظات إلى استرجاع صوت شاعر المقاومة والصمود الفلسطيني الكبير، "سميح القاسم"، وهو يترنم بإنشودة الكفاح البطولي لشعبه النبيل: قصيدة "تقدموا"، التي يُخاطب فيها القتلة، ويُنذرهم بالعقاب:
"تقدموا..تقدموا..كل سماء فوقكم جُهنمُ..وكل أرض تحتكم جُهنمُ..تقدموا..يموت منا الطفلُ والشيخُ.. ولا يستسلمُ.. وتسقط الأم على أبنائها القتلى.. ولا تستسلمُ  .. تقدموا..تقدموا..بناقلات جندكم.. وراجمات حقدكم. وهدِّدوا.. وشرّدوا..ويتموا.. وهدِّموا.. لن تكسروا أعماقنا.. لن تهزموا أشواقنا.. نحن القضاءُ المُبرم.. تقدموا..تقدموا.. طريقكم ورائكم.. وغدكم ورائكم.. وبحركم ورائكم.. وبركم ورائكم.. ولم يزل أمامنا.. طريقنا.. وغدنا.. وبرنا.. وبحرنا.. وخيرنا.. وشرنا.. فما الذي يدفعكم.. من جثةٍ لجثة.. وكيف يستدرجكم.. من لوثة للوثة.. سفر الجنون المُبهم.. تقدموا.. وراء كل حجر.. كفٌ.. وخلف كل عشبة.. حتفٌ.. وبعد كل جثة.. فخٌ جميلٌ مُحكمٌ.. وإن نجت ساق.. يظل ساعدٌ ومعصم.. تقدموا.. كل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم جهنم.. تقدموا.. تقدموا.. حرامكم مُحللٌ.. حلالكم مُحرمٌ.. تقدموا بشهوة القتل التي تقتلكم.. وصوبوا بدقةٍ لا ترحموا.. وسدِّدوا للرحم.. إن نُطفة من دمنا تضطرمُ.. تقدموا كيف اشتهيتم..واقتلوا.. قاتلكم مبرأٌ.. قتيلنا مُتهمٌ.. ولم يزل "رب الجنود" قائمًا وساهرًا.. ولم يزل قاضي القضاة المجرمُ.. تقدموا.. تقدموا..لا تفتحوا مدرسةً.. لاتُغلقوا سجنًا.. ولاتعتذروا..لا تحذروا.. لاتفهموا.. أولكم.. آخركم.. مؤمنكم.. كافركم. ودائكم مُستحكمُ.. فاسترسلوا واستبسلوا.. واندفعوا وارتفعوا.. واصطدموا وارتطموا.. لآخر الشوق الذي ظل لكم.. وآخر الحبل الذي ظل لكم.. فكل شوق وله نهاية.. وكل حبل وله نهاية.. وشمسنا بداية البداية.. لا تسمعوا. لاتفهم..."!!.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أسعار الذهب اليوم الخميس في أسواق الصاغة.. سعر جرام الذهب الآن خليج نيوز
التالى والد الطفل ياسين: شوفت العذاب.. وفضلت آخد حق ابنى بالقانون خليج نيوز