في خطوة طال انتظارها تهدف إلى تنظيم المشهد الديني؛ فيما يخص عملية إصدار الفتاوى في مصر، خرج مؤخرًا قانون جديد «قانون الفتوى» ينظم عمل هيئات الفتوى ويحدد الجهات المخولة بذلك، ويسعى إلى وضع إطار تشريعي واضح يضمن دقتها وموثوقيتها، ويحمي المجتمع من الفتاوى الشاذة والمضللة، وذلك بعدما أثار نقاشًا واسعًا في الأوساط الدينية والقانونية.
قانون الفتوى يخرج للنور
وبعد إقرار القانون من مجلس النواب في جلسة العامة، أمس الأحد، برئاسة المستشار حنفي جبالي، تستعرض «البوابة نيوز»، تفاصيل القانون الجديد بما في ذلك أهم بنوده وأهدافه، بالإضافة إلى ردود الأفعال المختلفة حوله، والآثار المتوقعة له على المؤسسات الدينية والمجتمع المصري بشكل عام.
ضرورة ملحة
القانون الذي حظي بتوافق ودعم كبير من المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية، يمثل علامة فارقة في مسيرة تنظيم الشأن الديني في مصر، ويهدف إلى مواجهة فوضى الفتاوى، وحماية المجتمع من الآراء المتطرفة والمضللة، فقبل إصداره، كان المشهد يتميز بعدة سمات أبرزها: إصدار فتاوى من أشخاص غير مؤهلين وليسوا متخصصين في العلوم الشرعية.
وقد أدت في بعض الأحيان إلى إثارة الجدل والبلبلة في المجتمع، بل وصل الأمر إلى إصدار فتاوى متطرفة أو غريبة، كما أنه على الرغم من أن الأزهر ودار الإفتاء كانا المؤسستين الرئيسيتين المسؤولتين عن إصدار الفتاوى، إلا أن هناك أفرادًا وجماعات أخرى غير متخصصة؛ كانت تتصدر للمشهد وتصدر فتاوى عبر بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ضبط بوصلة الفتوى
لم يكن هناك قانون ينظم بشكل محدد من له حق إصدار الفتوى، وما هي الضوابط والمعايير التي يجب الالتزام بها، هذا الغياب للإطار القانوني ساهم في انتشار الفتاوى غير المنضبطة، وعلى الرغم من أن الأزهر الشريف ظل ممثلاً في هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، يقوم بدوره التاريخي في إصدار الفتاوى المستندة إلى المنهجية العلمية الشرعية، إلا أن صوته كان في بعض الأحيان يتداخل مع أصوات أخرى غير مؤهلة.
إضافة لذلك، كانت هناك محاولات من قبل المؤسسات الدينية والأوقاف؛ للحد من فوضى الفتاوى من خلال التوعية، والتأكيد على ضرورة الرجوع إلى الجهات المتخصصة، ولكن هذه الجهود لم تكن كافية في ظل غياب الإطار القانوني الملزم.
أهداف قانون الفتوى
يهدف قانون الفتوى الجديد إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، من أبرزها؛ تعزيز الاستقرار الديني والاجتماعي من خلال توحيد مرجعية الفتوى وضمان صدورها عن جهات مؤهلة، وضمان جودة الفتاوى عبر وضع ضوابط ومعايير علمية دقيقة، وتعزيز الشفافية في ممارستها من خلال تحديد الجهات الرسمية المخولة، كما أنه يهدف إلى حماية المجتمع من الفتاوى المتطرفة وغير الصحيحة؛ بالتصدي للفتاوى الشاذة التي تثير البلبلة، ويضمن التزام وسائل الإعلام بعدم نشر الفتاوى إلا الصادرة عن الجهات المتخصصة.
أبرز بنوده
قانون الفتوى حصر حق إصدار الفتوى في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء المصرية، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، واللجان المشتركة التي يتم إنشاؤها، وأئمة الأوقاف المستوفين لشروط محددة، عمل على تجريم إصدارها من غير الجهات والأشخاص المخولين قانونًا، مع فرض عقوبات على المخالفين تشمل الحبس والغرامة.
كما أنه ألزم وسائل الإعلام بعدم استضافة غير المتخصصين في برامج الفتوى، والاقتصار على نشر فتاوى الجهات الرسمية، ووضع شروط وضوابط للمفتين، من بينها ألا تقل السن عن ثلاثين عامًا، وأن يكون المفتي خريجًا من إحدى الكليات الشرعية بجامعة الأزهر، وأن يكون محمود السيرة وحسن السمعة، وأن يكون له إنتاج علمي بارز في الدراسات الإسلامية.
وبناءً على عرض من الأزهر الشريف، تعقيبًا على مشروع القانون المقدم من الحكومة، يتم إعداد لائحة تشمل تشكيل لجنة تقوم بإقرارها هيئة كبار العلماء خلال شهر من تاريخ العمل بهذا القانون، وتضم اللجنة في عضويتها كل من وزير الأوقاف، ووكيل الأزهر الشريف ومفتي الجمهورية.
إشادة واسعة
حظي قانون الفتوى الجديد بإشادات واسعة من مختلف الأطراف، فقد أكد رئيس مجلس النواب على التعاون الذي جمع بين الحكماء والعلماء، خلال مناقشة مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، قائلًا «إن هذا التعاون يبرهن على روح التكامل التي تسود بين مؤسساتنا الدينية العظيمة».
من ناحيته، أكد الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر الشريف، أن مشروع القانون يُعد خطوة غير مسبوقة من شأنها إحداث طفرة حقيقية في مجال تنظيم الفتوى، مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي من القانون هو تحقيق وحدة الرأي الديني ومنع تضارب الفتاوى.
يتصدى لخطر الفتاوى
وفي كلمته -بالجلسة العامة أمام النواب- قال وزير الأوقاف، الدكتور أسامة الأزهري: «هذا يوم مجيد ويوم خالد في تاريخ الوطن، حيث نرى جميعًا أبناء شعب مصر العظيم في رحاب برلمان مصر العظيم وقد اتفقت كلمتهم فى إبراز ظاهر كلمات هذا القانون الذي يتصدى لخطر الفتاوى التي تصدر من غير المختصين».
بدوره، أكد الدكتور علي جمعة رئيس اللجنة الدينية، موافقته على اقتراح وكيل الأزهر الشريف، مؤكدًا أن المؤسسات الدينية تضرب النموذج للعالم كله في وحدة الكلمة، وفي التنسيق بينها لمصلحة البلاد والعباد.