الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
سياسة

فى أبريل ٢٠٢٥، شهدت العلاقات بين الهند وباكستان توترًا متصاعدًا إثر تبادل الاتهامات بشأن دعم الإرهاب، وسط تصاعد فى الاشتباكات العسكرية على الحدود خاصة فى منطقة كشمير المتنازع عليها، مما أعاد إلى الواجهة النزاع القديم بين الجارين الإقليميين.
تركز هذه التطورات على هجوم نفذه مسلحون فى إقليم جامو وكشمير الذى تديره الهند، ما دفع نيودلهى إلى تحميل إسلام آباد مسئولية تمويل ودعم الجماعات المسلحة، وهو ما نفته باكستان بشدة.
اتهامات هندية مجددا بدعم الإرهاب
قال وزير الدفاع الهندي، راجناث سينغ، فى تصريحات مؤخرا إن صندوق النقد الدولى يجب أن يعيد النظر فى قرض بقيمة مليار دولار لباكستان بزعم أنه "يمول الإرهاب".
وأضاف: "أعتقد أن جزءًا كبيرًا من المليار دولار القادمة من صندوق النقد الدولى سوف يُستخدم لتمويل البنية التحتية للإرهاب فى باكستان. أى مساعدة اقتصادية تُمنح لباكستان ليست سوى تمويل للإرهاب."
ورغم اعتراضات الهند، وافق صندوق النقد الدولى على مراجعة برنامج القروض لباكستان، مما أتاح لها الحصول على دفعة بقيمة مليار دولار. وأوضحت وزارة المالية الهندية أن الهند امتنعت عن التصويت على المراجعة، معربة عن "مخاوف بشأن فعالية برامج صندوق النقد الدولى فى حالة باكستان نظرا لسجلها الضعيف".
من جانبها، رفضت باكستان هذه الاتهامات، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، شفقت على خان، إن محاولة الهند لعرقلة الدعم الدولى لباكستان تعكس "إحباط نيودلهي". وأضاف: "إن محاولة انتقاد مؤسسة مثل صندوق النقد الدولى دليل على هذا اليأس".
تصعيد خطير فى كشمير
اندلعت اشتباكات عسكرية بين القوات الهندية والباكستانية على طول خط السيطرة فى كشمير الأسبوع الماضي، فى أسوأ أعمال عنف عسكرى بين البلدين منذ عقود. أسفرت المواجهات عن مقتل نحو ٧٠ شخصًا من الجانبين، بينهم مدنيون وجنود.
وترجع هذه المواجهات إلى هجوم نفذه مسلحون على سياح فى جامو، وهو الهجوم الذى اتهمت فيه الهند باكستان بدعم الجماعات التى نفذته، فيما نفت إسلام آباد هذه الاتهامات، معتبرة إياها "محاولة من الهند لتبرير سياساتها القمعية فى كشمير".
بعد تصاعد العنف، توصل الطرفان إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بداية من يوم السبت، بعد وساطة دولية، كان من ضمنها زيارة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إلى إسلام آباد لبحث سبل خفض التوتر.
تاريخ طويل من الخلافات
تعود جذور النزاع بين الهند وباكستان إلى تقسيم شبه القارة الهندية عام ١٩٤٧، عندما قُسمت الإمبراطورية البريطانية إلى دولتين مستقلتين هما الهند وباكستان، مع إقليم كشمير المتنازع عليه ذى الأغلبية المسلمة، والذى ظل نقطة خلاف مركزية بين الجانبين.
منذ ذلك الحين، اتهمت الهند باكستان بدعم وتمويل الجماعات المسلحة التى تعمل على زعزعة استقرار كشمير، مثل جماعة "جيش محمد" و"عسكر طيبة"، والتى تنشط داخل الهند وتنفذ هجمات تستهدف المدنيين والقوات الأمنية.
فى المقابل، تتهم باكستان الهند باستخدام "إرهاب الدولة" لقمع السكان المسلمين فى كشمير، واتهامات مماثلة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، إضافة إلى اتهامات بأن الهند تدعم جماعات مسلحة داخل الأراضى الباكستانية.
بلغ النزاع ذروته فى عدة مناسبات، منها هجوم بولواما فى عام ٢٠١٩ الذى أسفر عن مقتل ٤٠ جنديًا هنديًا، وهو الهجوم الذى ردت عليه الهند بضربات جوية داخل الأراضى الباكستانية، متهمة إياها بتدريب ودعم الإرهابيين، وهو ما نفته إسلام آباد
وتعكس الاتهامات المتبادلة واقعًا معقدًا من عدم الثقة والتوترات السياسية العميقة بين الهند وباكستان. ويرى محللون أن هذه الاتهامات تُستخدم فى أحيان كثيرة كأداة سياسية لكسب الدعم الداخلى وتبرير الإجراءات الأمنية والعسكرية.
وترى الهند فى دعم باكستان للجماعات المسلحة تهديدًا وجوديًا لأمنها الوطني، وتتبنى سياسات صارمة ضد التمويل والدعم اللوجستى لتلك الجماعات، وتستخدم باكستان من جهتها، الاتهامات الهندية لتبرير سياساتها فى كشمير وتسليط الضوء على "انتهاكات حقوق الإنسان" التى تطال المدنيين فى الإقليم.
وتعتبر هذه الاتهامات محاولة هندية لإبقاء النزاع على حاله، وتؤدى هذه الديناميكية إلى تفاقم التوترات وتعطيل أى فرص للحوار السياسى أو الحلول السلمية، كما ترفع من احتمالات التصعيد العسكرى على الحدود.
تلعب الأزمة الاقتصادية دورًا هامًا فى المشهد الباكستانى الحالي، حيث تعانى باكستان من ديون ضخمة وأزمة مالية حادة وصلت إلى حافة التخلف عن السداد فى ٢٠٢٣، مما دفعها إلى طلب دعم صندوق النقد الدولي.
فى هذا السياق، وافق الصندوق على خطة إنقاذ بقيمة ٧ مليارات دولار شملت قرضًا بقيمة مليار دولار، مما ساعد فى تخفيف الأعباء المالية مؤقتًا. ولكن الهند أعربت عن معارضتها لهذه المساعدات بسبب المخاوف من أن تمويل باكستان قد يُستخدم لدعم الإرهاب، وهذا التوتر الاقتصادى يعكس جزءًا من الصراع الأوسع، حيث تستغل كل دولة الأوضاع الاقتصادية والسياسية لتقوية موقفها فى النزاع.
تُعد الاتهامات المتبادلة بدعم الإرهاب حجر عثرة أساسى أمام تحسين العلاقات بين الهند وباكستان، حيث تعزز حالة العداء وعدم الثقة بين الطرفين، على الرغم من محاولات متكررة لاستئناف الحوار، فإن أى محادثات بين البلدين غالبًا ما تنهار بسبب هذه الاتهامات وتصاعد العنف، مما يجعل مسار السلام هشًا وغير مضمون.
ويظل مستقبل العلاقات مرهونًا بإرادة سياسية حقيقية من الطرفين لخفض التصعيد، وتبنى سياسات تتيح فتح قنوات حوار جادة تستند إلى احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.