الكشف عن خلية إرهابية جديدة يضع مستقبل الجماعة فى مهب العاصفة
مسيرة الجماعة تشهد تحولات مقلقة نحو العنف وسيطرة الفكر المتطرف فى أوساط الشباب
أعمال التخريب المرتبطة بالجماعة تثير مخاوف جديدة بشأن انزلاق بعض عناصرها لتنفيذ الأعمال الإرهابية
هزّ الكشف الأخير عن خلية تخريبية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين فى الأردن الأوساط السياسية والأمنية فى المملكة، مخلفًا وراءه سلسلة من التساؤلات المقلقة حول مستقبل هذه الجماعة التى تُعدّ من أقدم وأكبر الحركات الإسلامية فى البلاد، فبعد عقود من العمل السياسى والاجتماعى العلني، يثير تورط عناصر محسوبة على الجماعة فى تصنيع أسلحة وصواريخ قصيرة المدى (بمدى يتراوح بين ٣ إلى ٥ كيلومترات)، وتجهيز طائرات مسيرة، وحيازة مواد شديدة الانفجار، بالإضافة إلى تجنيد أفراد وتدريبهم على عمليات عسكرية، علامات استفهام كبرى حول التحولات العميقة التى تمر بها الجماعة، واحتمالية انزلاقها نحو العنف المسلح.
للمزيد.. الأردن يكشف تفاصيل القبض على 16 شخصًا متورطًا في مخططات تخريبية وأمنية
وتعد جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن، منذ تأسيسها فى منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، لاعبًا محوريًا فى المشهدين السياسى والاجتماعى الأردنيين، وبرغم نشأتها كفرع للتنظيم الأم فى مصر، استطاعت الجماعة أن تتكيف ببراعة مع الخصوصية الأردنية، لتصبح بمرور الوقت أحد أكثر التنظيمات الإسلامية رسوخًا وتأثيرًا فى المملكة، سواء على صعيد العمل الدعوي، أو المشاركة السياسية، أو الأنشطة الخيرية الواسعة.
وقد تميزت علاقة الجماعة بالنظام الملكى الأردنى بديناميكية معقدة، تراوحت بين فترات من التعاون والتنسيق، ولحظات من التوتر والتصعيد، خضعت خلالها الجماعة لتحولات فكرية وتنظيمية واستراتيجية جذرية، وقد ازدادت هذه التحولات عمقًا وتأثيرًا فى ظل التغيرات الدراماتيكية التى شهدها العالم العربى خلال العقدين الأخيرين، ولا سيما عقب موجات الربيع العربى وما تلاها من تحولات داخلية وإقليمية معقدة.
“البوابة” ترصد مسيرة جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن وتقديم تحليل شامل ومعمق لها؛ بدءًا من استعراض دقيق لمراحل نشأتها وتطورها، مرورًا بتفصيل بنيتها التنظيمية وهيكلها الداخلي، وتحليل طبيعة علاقاتها المتغيرة بالدولة والمجتمع الأردني، وصولًا إلى تقييم تأثيرها فى مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك التحديات الجسام التى واجهت الجماعة فى السنوات الأخيرة، وفى القلب منها التحول المقلق نحو العنف المسلح الذى تجسد فى الخلية التخريبية الأخيرة، بالإضافة إلى استعراض الانشقاقات الداخلية والانقسامات الفكرية وتأثيرها على مستقبل الجماعة.
للمزيد.. محمد أبو شامة: العملية الإرهابية في الأردن تستهدف زعزعة استقرار المملكة
نشأة مصرية
تأسست جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن عام ١٩٤٥ على يد عبد اللطيف أبو قورة، الذى كان عضوًا فى الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وقد جاء هذا التأسيس قبيل استقلال المملكة الأردنية الهاشمية عن الاحتلال البريطانى فى مايو ١٩٤٦، حيث شهدت العاصمة عمّان إقامة أول فرع رسمى للجماعة، وذلك بدعم مباشر من مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا.
وفى عام ١٩٥٣، شهدت الجماعة تطورًا هامًا بانضمام فرعها فى فلسطين إلى التنظيم الأردني، ليشكل الاثنان كيانًا تنظيميًا واحدًا، وقد تمكنت الجماعة خلال مسيرتها المبكرة من تحقيق حضور سياسى لافت، حيث ترأست المجلس النيابى لثلاث دورات متتالية، وشاركت بخمسة وزراء فى حكومة عام ١٩٩١.
وفى عام ١٩٩٢، تأسس حزب جبهة العمل الإسلامى كذراع سياسى للجماعة، بالإضافة إلى تأسيس جمعية المركز الإسلامى للعمل الخيرى كواجهة لعملها الاجتماعى والدعوي.
للمزيد.. مصر تدين المخططات الإرهابية التي تستهدف أمن الأردن
لقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن فى سياق إقليمى بالغ التعقيد والتوتر، تميز بتمدد النفوذ البريطانى فى المنطقة، وصعود الحركات القومية العربية التى تبنت خطابًا علمانيًا فى الغالب، وبروز الحركات الإسلامية كقوة بديلة تسعى لملء الفراغ السياسى والإيديولوجى الذى خلفه تراجع النفوذ التقليدي.
وقد وجدت أفكار الجماعة أرضًا خصبة للانتشار فى البيئة الأردنية التى اتسمت بطابعها المحافظ وتدينها الواضح، خاصة فى المدن الكبرى مثل الزرقاء وإربد والسلط والكرك، حيث كانت الروابط القبلية والعشائرية تتمتع بمرونة كافية لاستيعاب خطاب الجماعة الدينى الإصلاحى الذى جمع بين الدعوة إلى القيم الإسلامية ومقاومة النفوذ الأجنبي.
وقد تبنت الجماعة فى بداياتها خطابًا وحدويًا يجمع بين مقاومة الاحتلال البريطانى والنشاط الدعوى الهادف إلى إعادة صياغة المجتمع وفقًا للتعاليم الإسلامية، كما أولت قضية فلسطين أهمية مركزية فى خطابها السياسى والديني، وهو ما ساعدها بشكل كبير فى كسب قاعدة شعبية واسعة ومتعاطفة مع أهدافها.
للمزيد.. السيسي يؤكد تضامن مصر الكامل مع الأردن في مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة
ورغم ارتباطها الوثيق بالتنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الجماعة فى الأردن، كما هو الحال مع فروع التنظيم الدولى الأخرى فى تونس والمغرب وغيرها، بدأت منذ خمسينيات القرن الماضى فى اتخاذ مسار مستقل نسبيًا يعكس خصوصيات الحالة الأردنية وتفاعلاتها الداخلية.
حمائم وصقور
أما على المستوى الفكرى والسياسي، فتتميز جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن باحتضانها لتيارات متعددة تعكس تنوع الآراء داخل صفوفها، يبرز من بين هذه التيارات تيار "الصقور" الذى يميل إلى تبنى مواقف أكثر تشددًا وتصعيدية فى التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية، ويدعو إلى مقاومة أشد للنظام السياسي، وفى المقابل، يوجد تيار "الحمائم" الذى يتبنى نهجًا أكثر اعتدالًا ويجنح نحو الحوار والانفتاح على مختلف القوى السياسية والمشاركة الفعالة فى العملية السياسية، بالإضافة إلى هذين التيارين الرئيسيين، يوجد تيار ثالث يدعو إلى إجراء إصلاحات داخلية شاملة على مستوى الفكر والبنية والهياكل التنظيمية للجماعة، بهدف تحديثها وتعزيز فعاليتها فى مواجهة التحديات المعاصرة.
وقد أسهمت هذه التعددية الفكرية فى إثراء النقاش الداخلى داخل الجماعة، لكنها فى الوقت نفسه كانت سببًا فى بعض الأزمات والانشقاقات التى شهدتها الجماعة فى العقدين الأخيرين، حيث أدت الاختلافات فى الرؤى والتوجهات إلى تصدعات فى الوحدة التنظيمية.
للمزيد.. "خلية الفوضى" في الأردن تجدد ضرورة الوعي بمخططات الجماعات الإرهابية
الإخوان والنظام
شهدت العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام السياسى الأردنى مسارًا متقلبًا اتسم بمحطات من التوتر والتقارب، حيث كانت طبيعة هذه العلاقة تتأثر بشكل كبير بالظروف السياسية المحلية والإقليمية المتغيرة، ففى مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، استفادت الجماعة من سياسة الدولة الأردنية التى هدفت إلى احتواء الحركات الإسلامية واستخدامها كقوة موازنة لمواجهة المد القومى واليسارى المتصاعد فى المنطقة، وقد أتاحت هذه السياسة للجماعة مجالًا واسعًا للنشاط التربوى والاجتماعي، مما ساهم فى تعزيز قاعدتها الشعبية وتوسيع نفوذها فى المجتمع.
وقد حققت الجماعة إنجازًا سياسيًا مهمًا فى انتخابات عام ١٩٨٩، حيث تمكنت من تشكيل كتلة نيابية مؤثرة فى البرلمان الأردني، كما شغلت مواقع هامة فى العديد من النقابات المهنية والبلديات، مما عزز من حضورها وتأثيرها فى الحياة العامة، ومع صدور الميثاق الوطنى عام ١٩٩١، وإعادة إحياء الحياة البرلمانية فى المملكة، خاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية عبر ذراعها السياسى المتمثل فى حزب جبهة العمل الإسلامى الذى تأسس رسميًا فى عام ١٩٩٢.
إلا أن هذه الفترة من الانفتاح السياسى لم تستمر طويلًا، فمع انتخابات عام ١٩٩٣، وتعديل قانون الانتخاب نحو نظام الصوت الواحد، بدأت الدولة فى اتخاذ خطوات تدريجية لتقييد نفوذ الجماعة انتخابيًا، وهو ما دفعها لاحقًا إلى مقاطعة عدد من الدورات الانتخابية احتجاجًا على هذا التغيير فى القانون الذى اعتبرته مجحفًا بحقها فى التمثيل البرلماني.
للمزيد.. "القاهرة الإخبارية": التحقيقات جارية وتطويق أمني مكثف لمقار الإخوان بالأردن
وفى عام ٢٠١٥، اتخذت الحكومة الأردنية خطوة تصعيدية أخرى بإلغاء الترخيص القانونى القديم للجماعة، متذرعة بوجود مخالفات قانونية وإدارية، وقد أدت هذه الخطوة إلى حالة من الانقسام القانونى والتنظيمى داخل الجماعة، حيث ظهر كيان مرخص جديد يحمل نفس الاسم، بينما ظل الجناح القديم يعتبر نفسه الممثل الشرعى للجماعة.
ورغم بعض محاولات التهدئة والتقارب التى جرت بين الطرفين فى فترات لاحقة، إلا أن العلاقة بقيت متوترة يسودها عدم الثقة، خاصة مع بروز ضغوط إقليمية متزايدة على الأردن من بعض الدول الخليجية التى تبنت موقفًا مناهضًا لجماعة الإخوان المسلمين وتدعو إلى تقليص نفوذها فى المنطقة.
ومع ذلك، استمر حزب جبهة العمل الإسلامي، الذى يُعتبر الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين غير القانونية، فى ممارسة نشاطه السياسى بشكل ملحوظ، وقد شهدت الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر ٢٠١٦ عودة قوية للحزب إلى صدارة المشهد السياسى فى الأردن بعد فوزه بـ ١٥ مقعدًا من إجمالى ١٣٠ مقعدًا، أى ما يعادل حوالى ١١.٥٪ من المقاعد، وعلى الرغم من انخفاض هذا التمثيل فى برلمان عام ٢٠٢٠ حيث حصل الحزب على ١٠ مقاعد، إلا أنه عاد ليحقق قفزة نوعية فى انتخابات عام ٢٠٢٤، حيث فاز بـ ٣١ مقعدًا من إجمالى ١٣٨ مقعدًا، أى بنسبة تزيد على ٢٢٪ من المقاعد.
وتأتى هذه النتائج اللافتة بعد مقاطعة استمرت لدورتين انتخابيتين متتاليتين فى عامى ٢٠١٠ و٢٠١٣، احتجاجًا على نظام الصوت الواحد فى القانون الانتخابى القديم قبل إدخال التعديلات عليه، وقد عزت الجماعة مقاطعتها أيضًا إلى ما وصفته بـ "التزوير المتعمد للانتخابات" الذى اعترف به بعض المسئولين الحكوميين، والذى أدى بدوره إلى خلق أزمة ثقة عميقة بين النظام والشعب فيما يتعلق بنزاهة العملية الانتخابية برمتها.
وقد دفعت هذه الأوضاع الحكومة الأردنية إلى تبنى نهج جديد يهدف إلى تعزيز نزاهة الانتخابات، وتمثل ذلك فى التحول إلى نظام القائمة النسبية المفتوحة الذى يسمح للناخب باختيار مرشح أو أكثر داخل القائمة.
وفى سبيل العودة القوية إلى البرلمان، تبنت الجماعة استراتيجية جديدة تقوم على التحالف مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية، وقد تجلى ذلك فى ترشيح شخصيات من خلفيات متنوعة على قوائمها ضمن كتلة الإصلاح الوطني، بما فى ذلك سلفيون ومسيحيون ونساء.
للمزيد.. من تصنيع الصواريخ إلى تجنيد عناصر داخل المملكة.. الأردن يقرر حظر أنشطة جماعة الإخوان
وربما كان هذا المناخ من الانفتاح النسبى هو السر وراء الموافقة الرسمية على تأسيس حزب إخوانى جديد باسم حزب المؤتمر الوطنى "زمزم"، بقيادة رحيل الغرايبة، ليتنافس مع حزب الوسط الإسلامى المنشق عن الجماعة الأم أيضًا فى عام ٢٠٠١، والذى فاز بخمسة أعضاء فى انتخابات ٢٠١٦ ليصبح الكتلة الإسلامية الثانية بعد جبهة العمل الإسلامى داخل البرلمان،
وتشير نتائج الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠٢٤، التى جرت فى ظل أوضاع مأساوية فى قطاع غزة وتصاعد التوتر الإقليمي، إلى احتمال وجود رغبة لدى النظام الأردنى فى استخدام وتوظيف التيار الإسلامى كقوة موازنة ضد اليمين المتطرف فى إسرائيل، من خلال إرسال رسالة مفادها أن تطرف اليمين الإسرائيلى قد يؤدى إلى صعود جماعات متطرفة فى داخل البلدان العربية والإسلامية.
تحولات الربيع العربي
شكلت مرحلة ما بعد عام ٢٠١١، التى شهدت اندلاع موجات الربيع العربي، نقطة تحول فارقة فى مسيرة جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن، فقد شاركت الجماعة بفاعلية فى الحراك الإصلاحى الذى اجتاح المملكة، مطالبة بإجراء إصلاحات دستورية جوهرية، وتعزيز دور البرلمان المنتخب، ومكافحة الفساد المستشرى فى مؤسسات الدولة.
وقد نظمت الجماعة، بالتعاون مع قوى المعارضة الأخرى من مختلف التيارات الفكرية والسياسية، العديد من المظاهرات والاعتصامات الحاشدة، كان أبرزها مسيرة ٢٤ مارس التى طالبت بتعديل قانون الانتخاب بما يضمن عدالة التمثيل، وتوسيع صلاحيات الحكومة المنتخبة بما يعزز مبدأ الفصل بين السلطات، وقد بدا فى تلك الفترة أن الجماعة تسعى إلى لعب دور قيادى فى عملية التحول الديمقراطى فى الأردن.
إلا أن هذه الفترة من الحراك السياسى المكثف سرعان ما كشفت عن وجود خلافات داخلية عميقة بدأت تطفو على السطح، فقد انشق عدد من القيادات التاريخية البارزة فى الجماعة، وأسسوا مبادرات سياسية بديلة مثل مبادرة "زمزم" وحزب المؤتمر الوطنى "نهضة"، رافعين شعار الاعتدال والانفتاح على الدولة، وتبنى نهج تدريجى فى الإصلاح.
للمزيد.. الراعي: جماعة الإخوان كشفت عن وجهها الحقيقي.. السلمية غطاءً لمشروع تخريبي
فى المقابل، اتخذت القيادة التقليدية فى الجماعة موقفًا حذرًا ورافضًا لهذه المبادرات المنشقة، واعتبرتها محاولات لشق الصف وإضعاف وحدة الجماعة فى مواجهة التحديات، وقد تصاعدت حدة الخلافات الداخلية، مما أدى إلى مزيد من الانقسامات والتصدعات فى الهيكل التنظيمى للجماعة.
كما أثار قانون الأحزاب الجديد الذى صدر فى عام ٢٠٢٢ جدلًا واسعًا فى الأوساط السياسية الأردنية، بما فى ذلك داخل جماعة الإخوان المسلمين، فقد اعتبرت القيادة التقليدية فى الجماعة أن القانون الجديد يمثل أداة جديدة تهدف إلى تحجيم دورها وتقييد نشاطها السياسى والاجتماعي، بينما رأى فيه آخرون، بمن فيهم المنشقون عنها، فرصة للانخراط فى مشهد حزبى جديد أكثر انفتاحًا وتعددية، يسمح لهم بتأسيس أحزاب سياسية بمرجعية إسلامية معتدلة بعيدًا عن القيود التنظيمية القديمة للجماعة.
انشقاقات وأزمة قيادة
تواجه جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن سلسلة متزايدة من التحديات الداخلية التى تهدد تماسكها ووحدتها واستمرارها كقوة سياسية واجتماعية مؤثرة، أبرز هذه التحديات هو تصاعد وتيرة الانشقاقات بين صفوفها، خاصة بين جيل الشباب الذى يرى أن القيادات التقليدية لم تعد قادرة على التكيف مع المتغيرات المعاصرة، وبين بعض القيادات التاريخية التى اختلفت مع النهج الحالى للجماعة.
كما أن تراجع الموارد المالية للجماعة، وغياب الشفافية الإدارية فى إدارة هذه الموارد، وتوجيه بعض الاتهامات بسوء الإدارة من قبل بعض الأعضاء، قد أضعف ثقة القواعد الشعبية فى القيادة الحالية، وزاد من حالة الاستياء الداخلي.
وقد أدى هذا الوضع إلى تفاقم الانقسامات التنظيمية داخل الجماعة، خصوصًا مع تعدد المرجعيات وظهور كيانات تنظيمية موازية تحمل نفس الاسم، أحدهما مرخص رسميًا من قبل الدولة والآخر يعتبر نفسه امتدادًا للشرعية التاريخية للجماعة الأم، وقد أضعف هذا الانقسام من قدرة الجماعة على توحيد صفوفها والتحدث بصوت واحد فى مواجهة التحديات.
علاوة على ذلك، فقد أثر صعود التيارات السلفية الجهادية فى المنطقة على مكانة جماعة الإخوان المسلمين التى طالما قدمت نفسها باعتبارها الممثل الحصرى للتيار الإسلامى المعتدل فى الأردن، وقد جذبت هذه التيارات المتشددة بعض الشباب المحسوب على التيار الإسلامي، مما قلل من جاذبية الإخوان بالنسبة لهذه الفئة، كما شكلت المنافسة المتزايدة من قبل أحزاب أخرى ذات مرجعية إسلامية معتدلة، والتى نشأت فى بعض الحالات من رحم الجماعة نفسها، تحديًا وجوديًا للجماعة فى بعض المناطق التى كانت تعتبر تقليديًا معاقل لها.
الاتجاه للعنف.. مؤشرات مقلقة
على الرغم من التزام القيادة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين فى الأردن المعلن بخيار السلمية والعمل المؤسسى والسياسى العلني، فإن التقارير الأمنية الأخيرة التى كشفت عن الخلية التخريبية المرتبطة بالجماعة تثير مخاوف جدية بشأن احتمال انزلاق بعض العناصر المنتمية إليها نحو العنف والعمل المسلح.
وتشير هذه التقارير إلى أن عددًا من العناصر التى انشقت عن الجماعة أو تأثرت بأفكار متطرفة داخلها قد انخرطت فى صفوف جماعات مسلحة، خاصة بعد اندلاع الأزمة السورية وتصاعد نفوذ التنظيمات الجهادية فى المنطقة.
للمزيد.. القاهرة الإخبارية: مخطط خطير لزعزعة أمن الأردن تقوده جماعة الإخوان
وتؤكد بعض الدراسات الأمنية أن الجماعة لم تكن دائمًا قادرة على ضبط خطابها الداخلى بشكل كامل، مما سمح بتسرب بعض الأفكار المتطرفة إلى صفوف الشباب، وجعل بعضهم ينتقلون من تبنى مواقف دعوية وسياسية سلمية إلى الانخراط فى جماعات أكثر تشددًا وعنفًا، مثل جبهة النصرة وتنظيم داعش.
ويكشف اكتشاف الخلية التخريبية الأخيرة عن وجود عناصر داخل أو على صلة بالجماعة تبنت خيار العنف المسلح، وهو تطور خطير يهدد الأمن الوطنى ويضع مستقبل الجماعة فى مهب الريح.
وفى حين تنفى القيادة الرسمية للجماعة أى علاقة تنظيمية لها بهذه التنظيمات المتطرفة، وتدين أعمال العنف والإرهاب بشكل علني، فإن التحولات الفكرية والانقسامات الداخلية التى شهدتها الجماعة قد ساعدت على خلق بيئة خصبة لتطرف بعض الدوائر المحسوبة عليها أو المنشقة عنها.