العنوان أعلاه «هل تقوم قائمة لسوريا» بعد انهيار الدولة الوطنية؟ سؤال يتردد على الألسنة بكل قوة، خاصة بعد تولى الإرهابيين سدة الحكم هناك، وجاء تشكيل الحكومة الانتقالية من بينهم وحدهم، وكل المعطيات لا تبشر بأدنى خير، وبذلك وجود دولة وطنية بات حلمًا بعيد المنال، وباتت قضية إعادة بناء الدولة الوطنية السورية واحدًا من أبرز التحديات التى تواجه المنطقة العربية فى الوقت الحالى، بعد سنوات من الصراع الدامى والدمار الهائل.
وهنا يتطلع السوريون إلى مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، حيث يعيشون فى وطن موحد يحترم حقوقهم وكرامتهم، وتتعدد الرؤى حول كيفية تحقيق هذا الهدف، فمنهم مَن يدعو إلى حل سياسى شامل يضمن مشاركة جميع الأطراف، ومنهم من يرى أن الحل العسكرى هو السبيل الوحيد للقضاء على الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار، كما تختلف الآراء حول شكل الدولة السورية المستقبلية.
إن إعادة بناء الدولة السورية يتطلب جهدًا دوليًا كبيرًا، حيث يجب على المجتمع الدولى أن يتحمل مسئولياته فى دعم عملية الانتقال السياسى وإعادة الإعمار، كما يتطلب الأمر تضافر جهود جميع القوى السياسية السورية، وتجاوز الخلافات والانقسامات، والعمل من أجل مصلحة الوطن والشعب.
إن تحقيق حلم إقامة دولة وطنية سورية قوية ومزدهرة ليس بالأمر السهل، لكنه هدف نبيل يستحق كل الجهد والتضحية، فالشعب السورى يستحق أن يعيش فى سلام وكرامة، وأن يتمتع بحياة كريمة فى وطنه.
وتعد الكارثة السورية واحدة من أعمق الجروح التى مزقت النسيج الاجتماعى والسياسى فى المنطقة العربية، وأدت إلى نزوح ملايين السوريين وتدمير البنية التحتية للبلاد، ولعل من أبرز العوامل التى أدت إلى تعقيد الأزمة وتأخر الحل السياسى التداخل المعقد للمصالح الإقليمية والدولية، والتى حولت سوريا إلى ساحة صراع بينها.
وتعددت الأطراف الفاعلة فى الأزمة السورية، ولكل منها أجندته الخاصة ومصالحه التى يسعى لتحقيقها، فروسيا وإيران تسعيان إلى الحفاظ على نفوذهما فى المنطقة، بينما تدعم الولايات المتحدة ودول أخرى فصائل المتطرفين، وتسعى إلى إحداث تغيير، أما تركيا لها مصالح خاصة فى شمال سوريا، حيث تسعى إلى إقامة منطقة آمنة وتغيير التركيبة الديموجرافية للمنطقة.
إن تنفيذ عملية سياسية شاملة فى سوريا يتطلب تضافر جهود المجتمع الدولى، والعمل على إيجاد حلول توافقية تلبى طموحات الشعب السورى وتضمن استقرار المنطقة، ومن أهم العناصر التى يجب التركيز عليها فى أى حل سياسى وقف جرائم الإرهابيين، ووقف المعاناة الإنسانية للسوريين، وتوفير بيئة آمنة لإجراء الحوار السياسى.
كما يجب تشكيل حكومة انتقالية تضم ممثلين عن جميع الأطراف السورية، وتتولى مهمة إدارة المرحلة الانتقالية وإعداد البلاد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وللأسف كما قلت آنفًا لم يحدث هذا، وهذه كارثة حقيقية تتسبب فى عدم إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة فى المستقبل.
أما الكارثة الأشد فهى قيام إسرائيل باحتلال أجزاء جديدة من الأراضى السورية، مما يشكل عقبة أمام أى عملية سياسية تسعى لإيجاد حل مستدام للأزمة السورية. هذا التوسع الاستيطانى الإسرائيلى، الذى يأتى فى ظل حالة الفراغ السياسى والأمنى التى تعيشها سوريا، يزيد من تعقيد المشهد ويقوض فرص التوصل إلى تسوية سلمية.
إن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية وتوسيع رقعة الاحتلال يؤججان مشاعر الغضب والكراهية لدى الشعب السورى ويعمقان الانقسامات الداخلية، كما أن هذه الانتهاكات تزيد من حدة التوتر فى المنطقة، وتشكل تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار الإقليميين، علاوة على ذلك، فإن الاحتلال الإسرائيلى يمثل عائقًا كبيرًا أمام جهود إعادة الإعمار فى سوريا، حيث يمنع عودة اللاجئين إلى ديارهم.
كما أن الاحتلال الإسرائيلى يُضعف موقف أى حكومة سورية مستقبلًا، ويقوى موقف الفصائل الإرهابية، مما يعقد عملية التفاوض ويؤخر إيجاد حل سياسى، كما أن الاحتلال يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مما يضع المجتمع الدولى أمام مسئولية أخلاقية وقانونية لوقف هذه الانتهاكات ودعم حق الشعب السورى فى تقرير مصيره.
إن استمرار الاحتلال الإسرائيلى يهدد بتقويض أى عملية سياسية مستقبلية فى سوريا، حيث يجعل من الصعب تحقيق المصالحة الوطنية وبناء دولة ديمقراطية تعددية، كما أن الاحتلال يشكل تهديدًا للأمن والاستقرار الإقليميين، حيث يمكن أن يؤدى إلى تصعيد التوتر فى المنطقة واندلاع حروب جديدة.
لذلك، فإن إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى السورية يعد شرطًا أساسيًا لتحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة، وعلى المجتمع الدولى أن يضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها للقانون الدولى والانسحاب من الأراضى السورية المحتلة، كما يجب العمل على التوصل إلى حل سياسى يضمن سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
0 تعليق