السلفية الجهادية الذراع العسكرية للتيار.. و«الحركية» تستخدم العنف لتهديد وإرهاب الخصوم ودفعهم للاعتراف بدولة الشريعة.. و«العلمية» تمتلك مرونة عالية لتكييف النص الشرعي وفقًا لرغبات الفقهاء والتيار العام للقادة
يمتلكون تأويلًا مقنعًا لعناصرهم وأنصارهم يمكنهم من الحركة دون عوائق
التيار السلفي لا يعترف بالتناقضات بين السياسة والدين
المسئول عن شيوع الكراهية ضد النساء لدرجة الطعن في عرضهن، وتعميم الخيانة الزوجية على العاملات هم بعض المسئولين والنافذين والأثرياء الذين يدعمون هذا التطرف العنصري
المرأة في أفكارهم مجرد خادمة أو جارية أو سلعة مادية من الممتلكات
شهد التيار السلفي في العالم الإسلامي وخاصة في مصر- تحولات جذرية على مر العقود، انعكست بشكل واضح على مواقفه الفكرية والسياسية والتنظيمية. ورغم تنوع أطيافه بين السلفية العلمية والحركية والجهادية، فإن القاسم المشترك بينها يبقى هو المرجعية الدينية القائمة على تأويلات كتب السياسة الشرعية ومبادئ طاعة الحاكم والخلافة. ومع ذلك، تظهر الخلافات والتباينات فى توجهاتها، خاصة فيما يتعلق بمسائل الحكم والمشاركة السياسية، وهو ما يجعل دراسة هذا التيار ضرورة لفهم تأثيره على الحياة السياسية والاجتماعية.
"البوابة" تلتقى واحدا من المفكرين والباحثين المهمين في مجال نقد التراث وتفكيك الفكر السلفي، وهو الباحث والكاتب سامح عسكر، حيث يتناول تصنيف التيار السلفي وتياراته المختلفة، ومواقفه من الأنظمة السياسية، خاصة في عهد مبارك وما بعد ثورة يناير 2011، بالإضافة إلى تحالفاته وصراعاته مع جماعة الإخوان المسلمين. كما يسلط الضوء على موقف التيار المتغير من الديمقراطية والمشاركة الانتخابية، وكيف انعكست هذه التحولات على علاقته بالمجتمع والدولة. وإلى نص الحوار..
■ كيف يمكن تصنيف التيار السلفي في مصر؟ وما أبرز فصائله وتياراته؟
-السلفية بالعموم هي حالة سياسية، فإذا لم يوجد دعم سياسي لن تظهر السلفية بشكلها المعهود الآن، وذلك لأن عصر التأسيس الأول للمذهب السلفي كان فى القرن ٥ هـ عن طريق كتب السياسة الشرعية، وهى التي أنتجت مذهب طاعة الحاكم + القانون الديني للخليفة، وهما المشهدان اللذان يسيطران وما زالا يسيطران على المشهد السلفي بشكل عام، وأنتجا ما تسمى مبادئ الخلافة وتطبيق الشريعة، وهما الركائز الأولى في ثقافة التيار.
والسلفيون ينقسمون من حيث التنظيم إلى ثلاثة أقسام كبرى (علمية وحركية وجهادية) فالعلمية مركزها في منطقة الخليج، وهي التي تهتم بالبناء الفكري والعقلي وإشاعة مذهب الحديث الذى تم تأسيسه في القرن ٢ هـ وتطور لاحقا فى القرن ٥ هـ إلى مذهب السياسة الشرعية، وهو المذهب الأم لكل جماعات التيار السلفي الحالي، ويمكن القول أن السلفية العلمية هي مصنع الحواضن الشعبية لكلا القسمين الآخرين.. نظرا لما تتمتع به من اعتراف مجتمعي وسياسي وقانوني ودعم أحيانا من ذوي النفوذ والمال، أما السلفية الحركية فمركزها جماعة الإخوان المسلمين، وهى التي تهتم بالحكم وتشارك بالانتخابات وتعترف بالدولة ومؤسساتها الحديثة كوسيلة أولى لتحقيق دولة الخلافة، التي عن طريقها يجرى إنشاء دولة الشريعة التي في جوهرها قائمة على كتب السياسة الشرعية المشار إليها، مثل كتب "الأحكام السلطانية للماوردى وأبى يعلى الفراء، وغياث الأمم للجويني".. وغيرهم.
أما السلفية الجهادية فهي الذراع العسكرية للتيار السلفي بشكل عام، وهى القوة التي يعتمد عليها الإخوان والسلفية الحركية في تهديد وإرهاب الخصوم ودفعهم للاعتراف بدولة الشريعة كما يفهمها تيار السلفية الحركية، ومن أبرز جماعات هذا النوع من السلفية تنظيمات الجهاد والقاعدة وداعش والجماعة الإسلامية.. وغيرهم، ويمكن اختصار الأسباب التي أدت لانشقاق هؤلاء وتفرعهم إلى طبيعة الناس والمجتمع بالعموم، فذوو الطبيعة العنيفة والمتهورة اختاروا بمحض إرادتهم السلفية الجهادية، وذوو الطبيعة البراجماتية والطموحة اختاروا السلفية الحركية، وذوو الفكر وأرباب العلم اختاروا السلفية العلمية.
السلفية في عهد مبارك وما بعد الثَورة
■ كيف كان موقف التيار السلفي تجاه نظام مبارك؟ وهل كانت هناك تحالفات أو توافقات مع النظام؟
-نظام مبارك كان يتناول التيار السلفي بمبدأ "التدجين" مصحوبا بسياسة "العصا والجزرة" فقد اختار الاعتراف الجزئي بالسلفية الحركية ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين، على أمل دمجهم في المجتمع وفى النظام بالتدريج دون الإخلال بطبيعة الدولة المدنية المصرية التي أسست على هذا الطابع المدني منذ عهد محمد على باشا في القرن ١٩، لكن ما بين التفاصيل كانت تحدث بعض الصراعات نتيجة للإخلال ببنود العقد الشفهي بين الطرفين أحيانا، فيسارع النظام بتشديد القبضة الأمنية على السلفية الحركية والجهادية، لكنه يترك الباب مفتوحا للعلمية من باب التواصل الفكري مع هذه الحركات من جانب، ولكى لا يخسر شعبيته وحضوره إذا ما قام بقمع السلفية العلمية التي هي الأساس في بناء شعبية وحضور الجماعات من باب الدين، وبناء شعبية وحضور النظام من باب الوطنية وطاعة ولى الأمر.
في المقابل كانت تخل جماعة الإخوان بالتزاماتها فتشارك أحزاب المعارضة العمل الثوري في الشارع، والانضمام لجماعات التغيير، وفى هذه الحالة يعتمد النظام مبدأ القمع الجزئي للسلفية الحركية كما تقدم، والتواصل أكثر مع السلفية العلمية لتعزيز حضوره وشعبيته بنشر مذهب طاعة الحاكم، ومن جانبها لا تتردد السلفية العلمية في خياراتها فهي منحازة دائما لطاعة الحاكم، وحين يتعارض الحاكم مع مبادئ السلفية تختار الحاكم بما لا يخل مع جوهر السلفية، بمعنى نسمع ونطيع للحاكم الذى هو في مخيلة السلفيين حاكم مؤمن وجبت له النصيحة في السر والعلن، وفى ذات الوقت ننصح بقية إخواننا في التيار السلفي الحركي والجهادي بالهدوء وعدم الخروج عن القطيع، عملا بالمثال الشهير "لا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية".
أما مشاركة السلفيين عموما للسياسة رغم مقاطعتها قبل ثورة يناير ٢٠١١ فكما قلنا، إن السلفيين ليسوا فصيلا واحدا، فالذي كان يقاطع الانتخابات هم السلفية العلمية والجهادية، لكن الحركية كانت تشارك عادي، والسر في تغير مبدأ السلفيتين العلمية والجهادية باختيارهما للمشاركة في الانتخاب يكمن في أن السلفية كحالة فكرية عربية إسلامية هي واحدة، وما يجمع هؤلاء مذهب السياسة الشرعية والقانون الديني للخلفية، وبعد تنحى نظام مبارك المشهور بأنه كان من أقوى الأنظمة الأمنية في الشرق الأوسط، صارت الساحة مواتية لتفعيل مذهب السياسة الشرعية، وبالتالي إنشاء دولة الخلافة والشريعة، فما قبل يناير لم تكن هناك فرصة في المشاركة لرفض نظام مبارك الاعتراف بالسلفية الجهادية مطلقا نظرا لممارستها العنف، وكذلك دعم نظام مبارك للسلفية العلمية ما دامت بعيدة عن الانتخابات والسياسة.
وهذا يعني أنه في حال اختار السلفيون العلميون المشاركة في الانتخابات في عهد مبارك، كانوا سيفقدون كل طرق وأشكال الدعم الذى يتلقونه بأريحية، سواء في الداخل المصري، أو في الخارج العربي والإسلامي، والآن بعد تنحى مبارك لم تعد هذه التهديدات قائمة، وصارت هناك حرية عمل سياسي وديني أكثر من السابق، فتحولت الانتخابات من كونها بدعة شرعية ومخالفة عقائدية جسيمة، إلى واجب ديني يمثل تركها عودة إلى الوراء وبدعة شرعية في المقابل، ذلك لأن تعريف البدعة عند الأصوليين لا يتوقف على تفسيرهم للنص الديني، ولكن يتوقف على المصلحة الخاصة من ورائه، وهى الجزئية المتعلقة بالمصالح المرسلة التي هي من إحدى أدوات الفقه في السياسة الشرعية.
السلفيون وجماعة الإخوان المسلمين
■ ما أبرز نقاط الخلاف بين التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمين؟ وكيف أثرت هذه الخلافات على تحالفاتهم؟
-باختصار شديد، يميل الاتجاه العام للتيار السلفي إلى طاعة الحاكم، حتى السلفية الجهادية هي تطيع الحاكم الذى يطبق الشريعة ويدافعون عنه بأرواحهم حتى لو كان ظالما لفئة أخرى، فالمعيار عند هؤلاء ليس ظلما وعدلا، بل في (الخلافة والشريعة) المفهومة من كتب السياسة الشرعية كما تقدم.
والسلفية العلمية التي تقصدها خالفت الحركية في زمن مبارك بالإنكار عليها الخروج على الحاكم، حيث كانت ترى العلمية أن منافسة الحاكم بأي شكل هو أحد الخروج عليه، ولو سمى ذلك تصرفا ديمقراطيا، إنما الحركيون والإخوان المسلمين كانوا يرون أن منافسة الحاكم والديمقراطية هي أحد أشكال ممارسة السياسة الحديثة التي لم توجد فى السابق، وهى خاضعة كليا للمصالح المرسلة، بالتالي هي شرعية والانتخابات ليست بدعة مثلما يقول السلفيون العلميون، وأشهر من كان يرد على السلفية العلمية لفقهاء السعودية والخليج، هو المنظر الأول للسلفية الحركية آنذاك "يوسف القرضاوي" بكتاباته المتعددة عن شرعية الديمقراطية والانتخابات، وسلسلته الشهيرة المعروفة بترشيد الصحوة الإسلامية التي كان ينتقد فيها كلتا السلفيتين الأخريين "العلمية والجهادية" ومحاولة القرضاوي تبقى أهم محاولة للحركيين بشكل عام فى التجديد والخروج عن القاعدة السلفية الخاصة بمبدأ الخلافة، لأن تشريع الديمقراطية نفسه لا يعترف بالخليفة، ويراه حكاما يجوز الخروج عليه ومنافسته وإقصاءه متى أرادت الأغلبية ذلك.
إنما القرضاوي برغم انتقاداته المتكررة للجهاديين والقطبيين والعلميين، هو كان أصوليا علميا بشكل آخر، أي كان يحاول الجمع بين السلفية العلمية والحركية، باعتماد المصالح المرسلة كأصل وركن ركين في مذهب السياسة الشرعية، وهو ما كان يرفضه العلميون والجهاديون، الذين كانوا يفضلون تناول السياسة من باب "الولاء والبراء + الكفر والإيمان + الفرقة الناجية + الخلافة والشريعة" ويعنى ذلك العمل على تأسيس دولة أمير المؤمنين (الخليفة) بناء على صحة العقيدة الإسلامية، وهى لن تكون صحيحة ما دام المسلمون يوالون النصارى واليهود والعلمانيين وفقا لأدبيات الجهادية والسلفية العلمية، وهى النقطة الخاصة بالمواطنة التي سار كثير من السلفية الحركية فى طريق الاعتراف بها فى زمن مبارك، لكن تبين لاحقا أن اعترافهم بالمواطنة كان شكليا تكتيكيا، إنما جوهر عقيدتهم والذى ظهر بجلاء بعد يناير ٢٠١١ أن المواطنة لديهم هي الكفر بعينه، وتعنى خلع ربقة الإسلام بموالاة النصارى واليهود والعلمانيين الذين لا يتساوون مع المسلمين – وفقا لتفسيرهم – بأي حال.
وأما مشاركة بعض السلفية العلمية (كحزب النور) فى إزاحة الإخوان فى ثورة يونيو ٢٠١٣ فهى تعود في جوهرها إلى مذهب طاعة الحاكم المهيمن على السلفية العلمية بشكل عام، والإخوان فى هذه الجزئية يكونون قد خرجوا عن الحاكم الفعلي لمصر وهو "القوات المسلحة" التي تدير البلاد بالمجلس العسكري منذ ثورة يناير ٢٠١١ وفى حال كان هناك حاكم آخر غير القوات المسلحة، ما لجأت السلفية العلمية لهذا الموقف، الذى يفسر أنه موقف تكتيكي سياسي يعود إلى براجماتية هذا الفصيل التي استقاها من تحالف "محمد بن عبدالوهاب وآل سعود" فى المملكة العربية السعودية منذ القرن ١٨ وهو التحالف الذى أسس لمذهب السلفية العلمية بشكل عام، وهو الذى أنتج وأثر فى سائر جماعات السلفية بالقرنين ٢٠ و٢١ وأدى لانتشار الفكر السلفي بحقبة زمنية عرفت "بالصحوة الوهابية" وبعبارة أخرى "الصحوة الإخوانية" وبلفظ آخر "الصحوة الإسلامية" التي كانت دارجة على ألسن فقهاء الجماعات أشهرهم أبى الأعلى المودودي ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي.
الموقف من الديمقراطية
■ كيف يمكن تفسير التغير في موقف السلفيين من الديمقراطية، حيث كانوا يكفرونها سابقًا ثم شاركوا في الانتخابات؟
-في الشق الأول المتعلق بكيفية قبول السلفية العلمية مبدأ الديمقراطية، فهو تصرف غير مسبوق بالفعل، وحدث ذلك عبر طريقين، الأول وهو الذى انتهجته السلفية الحركية بتقديم المصالح المرسلة، وتفسير الطاغوت على أنه ليس بالضرورة أن يكون كافرا، فقد يكون الطاغوت مسلما، وهنا انفتح العلميون لتأويلات أكثر حداثة تتناقض مع مبادئ الولاء والبراء التي نشروها، والطريق الثاني بتحكيم أولوية الحكم الوضعي على التكليفي.
فالدليل فى أصول الفقه ينقسم باعتبار مُنتجه إلى حكم تكليفي وآخر وضعي، التكليفي هو المفهوم من النص كالوجوب والندب والكراهة...إلخ. بينما الوضعي هو الذى يبحث فى تطبيق النص/ الدليل بالواقع، فقد يكون النص واجبا ودليله الوجوب بالتكليف، لكن لا يصلح للتطبيق كحكم وضعي كوجود موانع من تطبيقه، والعكس، قد يكون الحكم التكليفي به كراهة لكن توجد رخص وعزائم تسمح بتطبيقه، هنا اختارت السلفية العلمية طريق الانتخابات باعتبارها حكما وضعيا يسمح بخوض المنافسة السياسية دون عوائق، وهى الطريقة التي أقنعتهم بخوض الانتخابات باعتبار أنها طريق ممهد لتحقيق دولة الخلافة الإسلامية، ويمكن القول أن هذا التغير الجذري فى السلفية العلمية هو قناعة فكرية وتكتيك سياسي معا، قناعة لأن الفقه الشرعي يقول بذلك ويجيز لهم الانتخابات، وتكتيكي لكونه طريقا مضمونا لتحويل مصر إلى دولة خلافة وشريعة محصنة ضد ضلالات العلمانيين والنصارى والملحدين وفقا لتعريفهم.
أما القول بأن هناك صداما بين الفكر السلفى الرافض للانتخابات ثم ممارستها لاحقا بعد الثورة، هذا لم يحدث، فالسلفية العلمية تمتلك مرونة عالية لتكييف النص الشرعى وفقا لرغبات الفقهاء والتيار العام للقادة، فكل تصرف للقادة والفقهاء لديهم فيه تأويل مقنع لعناصرهم وأنصارهم يمكنهم من الحركة دون عوائق، ذلك لأن السلفية بالعموم وإن كانت تميل فى جوهرها للتقليد الحرفى للنصوص، لكن مذهب طاعة الحاكم أعطاهم مرونة كبيرة وأكسبهم مزيدا من الأمن الشخصى والجماعى لم يتوافر لكلتا السلفيتين الأخريين "الحركية والجهادية"، إضافة لحصانة مجتمعية رأت أمان هؤلاء وعملهم دون عوائق هو اعتراف من الدولة والمجتمع بهم، وليس ثمة شكوك تعترى منهجهم، وهذا معنى الذى قلته فى البداية أن السلفية بالعموم وبشتى تفريعاتها الكبرى والصغرى هى حالة سياسية، فلو كانت السلفية العلمية محظورة لتجنبها الناس، ورأوا أن هناك شكوكا إنسانية وأخلاقية تعترى منهجهم مثلما حدث مع الحركيين والجهاديين.
ولنا ما يحدث فى المملكة العربية السعودية مثال، حيث قررت الدولة نزع كثير من سلطات ونفوذ السلفية العلمية أسوة بحظر الجهادية والحركية، فكانت النتيجة انفتاحا فكريا شبابيا ونخبويا كبيرا، وعدم خوف ورهبة من أنصار السلفية العلمية والفقهاء داخل هيئة كبار العلماء.. حتى أن المملكة حاليا تخوض غمار صراعات فكرية كالتي عاشها ويعيشها المصريون بصدام فكرى واسع بين الإصلاحيين التقدميين وبين المحافظين.
الموقف من المرأة
■ ما الموقف الأساسى للتيار السلفى من المرأة ودورها فى المجتمع؟ وكيف يمكن تفسير فتاواهم المتشددة ضد حقوق المرأة؟
-السلفية بالعموم هي أصولية نصية، يعنى لا تميل لتحديث وعصرنة النصوص القديمة أيا كانت، لذلك فهي ورثت كل ثقافات الأمم الماضية تجاه المرأة التي كانت عند أسلافنا مجرد خادمة أو جارية أو سلعة مادية من الممتلكات، ولم يكن لها حق التمتع الجنسي فى العلاقة كالذكر، ومن ذلك ظهرت مرويات كلعن الزوجة الممتنعة عن فراش زوجها، لكن لم تظهر روايات فى المقابل تلعن الزوج الممتنع، وأشياء أخرى منها عدم مساواة الرجل والمرأة من حيثيات (الشهادة والدم والديات) وغيرها، وزاد على ذلك مواقف العنصريين المشهورة ضد المرأة بأنها شؤم وفأل سيئ، وحديث الشؤم فى ثلاثة "المرأة والفرس والدار" وضعه الرواة فى ذلك السياق، وصار من الدين باعتبار كتب الحديث هى الإسلام الأصيل، أما القرآن ففي المرتبة الثانية، وهى القاعدة المشهورة عند السلفيين بأن (السنة تنسخ الكتاب)
يوجد عامل نفسى آخر دفع هؤلاء للتحرض ضد المرأة وهو ما يوصف "بالمعارك الآمنة" فالدعاة والوعاظ السلفيون لا يستطيعون الانشغال بما يسمى (فتنة الحُكام) أو (الدعوة للخلافة والشريعة) أو (فتنة إسرائيل) أو (فتنة الجوع والفقر) لكون الانشغال بهذه الأشياء يعنى صداما حتميا مع ولى الأمر، وبما أن مذهبهم الأساسى طاعة ولى الأمر صارت هناك ضرورة لكسب الأنصار والحواضن الشعبية بطرق أخرى آمنة منها التحريض على النساء بما يعرف بالتحذير من فتنة النساء، وهو سلوك مشهور يقوم فيه الواعظ السلفى بترصد أى نشاط أنثوى فى المجتمعى ومقاومة أى ظهور نسوى قوي، فضلا عن رفض واستنكار الدعوات لحقوق الإنسان وحقوق المرأة وغيرها.
أما لماذا انشغال هؤلاء بفتنة النساء يسمى معركة آمنة؟ فلأن المجتمع يحتوى فى معظمه على فئات محافظة ومتشددة وذكورية هى فى الأساس ليست متدينة، وليست من جمهور الدعاة، فيقوم الشيخ بتسليط الضوء على المرأة ليجتذب هؤلاء لجمهوره، ولكى يُرضى الثقافة الشعبية المعادية لحقوق المرأة، وفى ذات الوقت لا يخالف القانون فلا يتعرض لعقاب..فالقانون لا يُعاقب على حملات الكراهية أو النقد بغرض الكراهية، لكنه يعاقب إذا ما أدى ذلك الخطاب لعنف أو لتحريض مباشر على العنف ضد أشخاص وجهات، وهنا يسهل على الداعية الفكاك والهرب من نتائج أفعاله، فيدعى أن الذى يمارس العنف والتحريض ليسوا منه، وليس منهم، أو بالعربى ( فهموه غلط).
فمجال الدعوة لكراهية النساء والحط من قدرهم مفتوح، لا قانون يعاقب على ذلك.. والمسئول عن شيوع الكراهية ضد النساء لدرجة الطعن فى عرضهن، وتعميم الخيانة الزوجية على العاملات هم بعض المسئولين والنافذين والأثرياء الذين يدعمون هذا التطرف العنصري، أو الذين يتقاعسون عن الرد عليه بتنظيم حملات معادية للدعاة المتطرفين الذين ملأوا السوشيال ميديا فى السنوات الأخيرة بغرض استدعاء نموذج طالبان..
أما أن هذا الموقف السلفي من المرأة يؤثر عليها، بالطبع يؤثر لكن بشكل طفيف، لكون طبيعة الدولة المصرية مدنية منذ ما يقرب من ٢٠٠ عام، وقد ورث المصريون التعامل مع المرأة من نواحي (الوظائف والتعليم والحق فى الممارسة السياسية) كشيء طبيعي لا يستوجب الإنكار، أو أنه عمل يتعارض مع الشريعة الإسلامية، خصوصا بعد ظهور دعوات تجديدية أشهرها محاولات الإمام محمد عبده وتلاميذه فى عصرنة وتحديث الدين، وفتح المجال أمام المرأة بالمجتمع مثلما قاد دعت لذلك بعض النخبة أشهرهم المستشار "قاسم أمين" وبرغم أن هذه المحاولات أثرت بشكل طفيف لكن يوجد احتمال لتأثيرها بشكل كبير إذا اعتمد الحاكم المصري بشكل كامل على السلفية العلمية، أو وثق فى معتقداتهم.. حينها سيتغير المجتمع المصري لحالة أشبه بأفغانستان ونظام حكم طالبان