أنشودة البساطة.. محمود حامد يكتب: في حب يحيى حقي - خليج نيوز

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من أين نبدأ حين يكون الحديث عن يحيى حقى، ونحن نحتفى به فى هذا العدد الذى يصدر قبل أيام من يوم مولده فى يناير ١٩٠٥، وبعد أيام من ذكرى وفاته فى ديسمبر ١٩٩٢؟.. نحن أمام ظاهرة قائمة بذاتها، فهو الروائى وهو مبدع القصة القصيرة، والناقد الأدبى والناقد المسرحى والناقد الموسيقى أيضًا، وهو الكاتب السياسى والدبلوماسى الذى بدأ حياته وكيلًا للنائب العام وعمل لفترة فى المحاماة؟.. وهو، قبل ذلك، الشاب الذى لم يتجاوز عمره أربع عشرة عامًا حين خرج مع المصريين فى ثورة ١٩١٩، وهتف مع الهاتفين لمصر الوطن والأرض والشعب، وظلت تلك الثورة فى مخزون وعيه الذى انعكس بلا شك على كتاباته فيما بعد.

ولعل عمله فى أكثر من وظيفة فى وزارات التجارة والخارجية والثقافة، وفى أكثر من مكان داخل مصر وخارجها، أكسبه القدرة على الكتابة بروح تستلهم الواقع، وبالأخص فى أحيائنا الشعبية بكل ما كان يدور فيها من عادات وتقاليد.. وليس من قبيل المبالغة حين نقول أن يحيى حقى أجاد بتمكن واقتدار التعبير عن الروح المصرية والأجواء الشعبية فى بلادنا وعن مكنون النفس البشرية أصدق تعبير وبدون تكلف أو ادعاء، فاستطاع عبر أدبه وقلمه أن يتواصل مع الرجل البسيط العامى ومع القارىء المتعمق الدارس لفنون الأدب ولكل ألوان الثقافة.

كان حقى تاسع من نال جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ١٩٦٩، ومنحته فرنسا وسام الفارس من الطبقة الأولى عام ١٩٨٣، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية (فرع الأدب العربي) عام ١٩٩٠.. لكن كل هذه الجوائز لم تغير من طبيعته التى اشتهر بها، فقد كان قمة فى تواضعه، عاش حياته على الفطرة الطيبة النقية بشكل يزيد عن الحد، وكان فى مسيرته هادئًا لم يًعرف عنه محاربة طواحين الهواء.. ورغم هدوئه هذا، رسم طريقه المستقيم وخط لنا سيرة كاتب فذ احتل عن جدارة ركنًا مهمًا من أركان قوتنا الناعمة التى تفخر بها مصر.

ومن غرائب الطبيعة، أنه وهو من هو، لم يكن من كُتاب «الأهرام» مع أقرانه وأصدقائه الذين جاءوا قبله أو بعده مثل توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ أو الدكتور حسين فوزى.. ولعل هذا الأمر يكشف لنا عن بُعد يؤكد بالفعل مدى تواضعه ومدى ارتباطه بأهل مصر الطيبيين، فقد كان يكتب مقالًا أسبوعيًا فى جريدة «التعاون» المعنية بمخاطبة الفلاحين، وحين دعته «الأهرام» للكتابة، اعتذر بأنه ارتبط بالعمل مع «التعاون»، وأن العمال والفلاحين وقراء «التعاون» يستحقون الاهتمام أيضًا.

a27cbbcab1.jpg

وإذا كان يحيى حقى قد اشتهر بين الناس بأنه صاحب «قنديل أم هاشم»، فإن هذا التوصيف كان يضايقه كثيرًا وكان دائمًا ما يقول: «كما لو كنت لم أكتب غير هذه الرواية».. ورغم احتفاء المثقفين والنقاد بهذه الرواية، إلا أن صيتها ذاع عندما تحولت إلى فيلم سينمائى، وهذا يأخذنا إلى مدى تأثير الشاشة الفضية على المتلقى، وهى ظاهرة لا تخص مصر فقط، فالعديد من الأفلام أحدثت ضجة عند عرضها تفوق ما أحدثته الرواية المأخوذ منها الفيلم عند صدورها.. والأمثلة على ذلك كثيرة، لعل أشهرها رواية «الفراشة papillon» التى صدرت عام ١٩٦٩ للكاتب هنرى شاريير، وكانت محل اهتمام أهل الأدب، لكن تأثيرها الحقيقى كان مع تحويلها إلى فيلم عام ١٩٧٣ تناول محاولات الهروب من سجن جزيرة الشيطان المميت وظروف ذلك السجن فى أربعينيات القرن الماضى ومدى العذاب الذى يلاقيه السجناء.

الحديث عن يحيى حقى ذو شجون كما يقولون.. وقد حاولنا بهذا العدد الخاص أن نقدم باقة ورد إلى روحه الخالدة، ذلك أن أمثال يحيى حقى لا يموت ويظل عائشًا فينا من خلال كتبه وآرائه وأفكاره وإبداعاته وروحه المصرية الخالصة، كما يظل دائمًا واحدًا من صناع البهجة لأجيال متعاقبة تنهل من ميراثه الثرى والمرتبط أشد الارتباط بالكون والحياة التى نحياها.

65b6743d93.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق