أدوار أساسية للأغنية الشعبية.. فرح وحزن وتوثيق شفهى لمناسبات مجتمعية بارزة - خليج نيوز

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تظل الأغنية الشعبية واحدة من أهم فنون الأدب الشعبي المعبرة بإخلاص عن هموم المجتمعات البشرية في كافة مناحي الحياة، في الأفراح كانت عنوانا للبهجة والسرور، وجسرا للتواصل بين جميع أفراد المجتمع للتعبير عن الفرحة والاندماج فيها، وفي الأحزان كانت طريقًا لاستخراج الضيق والكآبة، وتنفيسًا عن الغضب والسخط، وتعبيرًا عن الأحزان المشتركة والجماعية، وفي المناسبات الدينية كانت بمثابة الضراعة والذكر، وتحفيزًا على المشاعر الروحية والقيم النبيلة، وتشجيعًا على أداء الشعائر الدينية. 

وتتميز الأغنية الشعبية بموسيقاها المحببة للنفس، وعباراتها القصيرة سهلة الترديد والتكرار، وأجوائها الخيالية التي تقتبس من الطبيعة ومن البيئة المحلية لها مفرداتها بشكل مباشر، لتصنع عالما مميزا داخل الأغنية الشعبية، فـ"الغناء الشعبي هو مغامرة بالخيال، عابرة للمعاني المباشرة، تقف على جسور ممتدة الأمكنة والأزمنة، لتحتفي بالتناقضات البشرية، وهي تحاول في الوقت نفسه امتلاك صوتها المائز في عالم الغناء"؛ وذلك وفقاً لكتاب "تاريخ الغناء الشعبي من الموال إلى الراب" لمؤلفه د. ياسر ثابت.

ويضاف لأهمية الأغنية الشعبية أنها لا تنسب لمؤلف واحد، بل هي نتاج الجماعة البشرية التي عبرت عنها بطريقة مباشرة في المناسبات المختلفة، فهي بمثابة الديوان والتاريخ الحافظ لخبرات الأسلاف وأجيال سابقة من الآباء والأجداد، خبرات عن الزواج، والعمل، والحب، والحزن، والرثاء في الفقد والهزيمة، والمناسبات الدينية، وغيرها من الخبرات والمناسبات المختلفة.

بهذا الموروث الشعبي الثري تغنى أبرز مطربين ومطربات الغناء الشعبي في مصر مثل الفنان محمد طه، والفنانة جمالات شيحة، وغيرهما الكثير..

73ffea10ea.jpg
جمالات شيحة، واحدة من أبرز فنانات الغناء الشعبي في مصر، رحلت في مايو 2018

الأفراح.. الفروسية للعريس والجمال للعروس

في تعبيرها عن المناسبات السعيدة في المجتمع الريفي المصري مثلا، وأبرز هذه المناسبات هي الزواج، نلاحظ أن الأغنية ركزت على الفخر باختيار الزوجة، وإلصاق كل معاني الفروسية بالزوج لكونه نجح في الوصول إلى هذه الزيجة حتى باتت مصدرا للفخر.
في إحدى الأغنيات: "هو اللي نقاها / شرب الشاي وياها / هو اللي خطبها / هو اللي فلوسه حلال / واتجوز قبل الجدعان"، وفي غيرها: "يا صياد ياصياد / الواد اصطاد يا صياد / اصطاد غزالة يا صياد / بنت الرجالة يا صياد"؛ وفي كلا النموذجين السابقين نلاحظ أن المغني الشعبي اهتم في النموذج الأول بدور العريس في انتقاء العروس، ومجالستها، مع الإشارة إلى أن ماله حلال، أي أنه صاحب عمل، وهو محل تقدير من المجتمع، وأنه كان له السبق في الزواج قبل جيله من الجدعان، وهذه فضيلة عند المجتمع الريفي الذي يؤيد الزواج المبكر للشباب، وخاصة الشاب الذي يعمل ويوفر مال الزوجية من عرق جبينه، وفي النموذج الثاني تضيف للخاطب أو العريس صفة الصيد، أي أنه استطاع أن ينتقي من الفتيات واحدة، وفي تعبير الصيد ما يدل على الجهد، أي أنه وصل إليها بجهد وعمل، ونتيجة ذلك فقد حصل على الغزالة، إشارة للصفات الحسية في العروسة، وتعبيرا عن جمالها، وأنه حصل على "بنت الرجالة" في إشارة إلى الصفات الخلقية، وشرف النسب الذي حصل عليه. 
واحدة من الأغنيات الشعبية تركز على "ليلة الحناء"، إحدى ليالي التجهيزات للزفاف، وفيها يغنون بجمال العروس، هكذا: "على خد النبي غنى/ دا الورد لحمر / على خد النبي غنى / جبنا جهازك وجينا / من مصر حملنا / ونزل علينا الندى / عجن لنا الحنى / وتعالي شوفي يا أم العريس / مراة ابنك تتحني"؛ وفيها إعجاب بالعروس وهي تتزين للزفاف بالحناء، وفيها إشارة لتجهيزها بجهاز من مصر أي من القاهرة، أي استوجب جهازها الرحلة إلى العاصمة لتحميله والمجيء به.
أما عندما عبرت عن جمال العروس، ولهفة العريس وانتظاره ليوم الزفاف ووصول العروس إليه، غنوا: "يا حلاوتك يا سفندي يا بن عم البرتقال / العروسة في بيت أبوها / وأربعة بيزوقها / والعريس بيقول هاتوها / دى وحشانى من زمان".
وتغنت واحدة من الأغنيات الشعبية بالصفات الحسية للعروس، وبأن العثور عليها تطلب جهدا، لأنها بمثابة الكنز المخبي، تقول الأغنية: "كنت فين مخبية / يا سبع وردات مندية يا شعرك صفوف صفوف / يا إيدك دهب مرصوص وخش يا العريس وشوف / دى عروستك مربية كنت فين مخبية / يا سبع فلات مندية يا إيدك بتلمع لمع / ورقبتك بضي الشمع دي عروستك شرفت الجمع / كاملة الأدب ومربية كنت فين مخبية / يا سبع وردات مندية".

الأحزان.. فقدان الأب وتبدل أخلاق الناس

وللأغاني الشعبية المعبرة عن الحزن رصيد وافر، خاصة في اللون الذي عرف باسم "العدودة" حيث إنشاد الأغاني الحزينة التي تأتي كرثاء للميت، وفي واحدة من البكائيات التي قيلت في فقدان الأب: "يا أبويا بعتنا ولا قبضت فلوس / دا أمر الله محدش يحوش / ياريت يا أبويا عيني اليمين تفاديك / وأدى الشمال أقعد بها جنبيك/ ياريت يا أبويا يعاود تاني / وأشيل برأس زي جيراني / حلف زماني ما يهنيني / ولا بروس الناس يساويني"؛ وفيها نوع من التمني المستحيل، تمني ذهاب العين في سبيل بقاء الأب، وهو مساواة الأب بأغلى عضو يملكه الإنسان.
أما البكائيات في فقدان الأم، فتقول: خبطت على الباب/ والباب خد وشي / ملقيتش حبيبة تقول لي خشي / كان ليه حبيبة أغيب وأجيلها / يا ريت كان الموت ناسيها / كان لي حبيبة من بعيد جيه / وإيدها في الود مرخية / حق والنبي ما حد زي الأم / زي البدن يركب على الكم"؛ وفي موال فقدان الأم يظهر التركيز على دور الأم في استقبال الأبناء بود زائد، وأنها تمثل الاستقرار والمركز الذي يدور حوله الإبن ويعود إليه، وأنها صاحبة الكرم والود، مشبها إياها بأنها كما الثوب يغطي الجسم وينسجم معه فهكذا تكون الأم مع الأبناء فهي المنسجمة معهم لذا يقر الموال بأنها لا أحد في الدنيا مثل الأم.
وفي رثاء الزوج، تقول العدودة: "نازل من المقعد يهز أناه / وعبايته الحلوة تجر وراه / نازل من المقعد يهز ايديه / وعبايته الحلوة تجر عليه"، وفيها استعراض لمكانته وحضوره في البيت إثارة للأحزان على رحيله وتحسرا على فقده.
وفي واحدة من المواويل الشعبية الحزينة، التي تفيد بحزن الإنسان لتغير الناس من حوله، وفيها يقول الفنان الشعبي: كنتوا جواهر صبحتوا صاج صديتوا / فايت على الباب لقيته مفتوح ورديته/ فضلت أنادي وأنادي لحد ما اتنبح صوتي/ إشمعنا غيري ندا بشويش رديتوا"؛ وفي الموال عتاب شديد وأسى لتغير الأحباب والأشخاص المقربين من القلب، كانوا بمثابة الجواهر النادرة لكنها مع الزمن تحولت وتبدلت إلى صاج لا قيمة له، أصابه الصدى، لأنه صاحب الصوت في الموال ظل ينادي عليهم وهم يتجاهلون النداء بينما أسرعوا في تلبية همس غيره، وهي مفارقة تبرز حجم تبدل أخلاقهم. 

48e2385497.jpg
تزيين واجهات منازل الحجاج برسومات عادة شعبية فلكلورية صاحبة الغناء الشعبي في الاحتفاء بالمناسبة الدينية

المناسبات الدينية.. مدائح النبي والاحتفال بشعائر الحج

تحفل المواويل الشعبية والأغاني الشعبية بالكثير من النماذج التي تخص المناسبات الدينية مثل المولد النبوي الشريف والهجرة النبوية، وليلة النصف من شعبان، وقدوم رمضان، وشعيرة الحج، والحضرات الصوفية التي تركز بشكل كبير على مواويل المدائح النبوية.
وفي أحد النماذج التي يتغنى بها المنشد في الحضرة الصوفية، يصاحبه ترديد الدراويش بقولهم: "الله الله /الله الله / الله الله / لا إله إلا الله"، فينطلق المنشد في غنائه: "قلبي يقول لي امدح محمد / عسى بمدحو من النار تُنجي"، وتكرر الدراويش: الله الله / الله الله / الله الله لا إله إلا الله. فيتابع المنشد: "مهما لاموني فيك قلبي يصلي عليك / مغرم صبابة بيك يا احمد يارسول الله"، فيكررالدراويش: الله الله/ الله الله/ الله الله لا إله إلا الله.
ومن أشهر الأغاني الشعبية في مناسبة الحج: "رايحه فين يا حاجة / يا أم الشال سماوي / رايحة أزور النبي محمد / وارجع ع القناوي / ويا نبي يا نبي / ياما ليك أحبة / هملوا عيالهم يا نبي وجولك محبة"؛ وفي هذه الأغنية إشارة إلى ملابس المرأة التي تخرج لأداء مناسك الحج، وأنها تخرج في رحلة تبدأ بالحج وزيارة النبي الكريم مع التأكيد على العودة إلى مصر وزيارة الأولياء مثل عبدالرحيم القناوي، وفيها توجيه الخطاب إلى النبي الكريم للتأكيد على أن له أحبة كثيرين تركوا الأبناء والأسرة وجاءوا لزيارته محبة وشوقا له.
وفي نفس المناسبة، تركز الأغنية الشعبية على مودعي الحجيج وهم يتمنون الزيارة، ويظهرون شوقهم لزيارة النبي الكريم، حيث تقول الأغنية: "يا زايرين النبى خدونى معاكم/ تركبوا البواخر وأنا أمدحه وياكم/ الباخرة عما تنادي/ يلا يا زوار الهادي".
وهكذا، فإن الأغنية الشعبية لم تترك أي مناسبة أو حزينة كانت أو سعيدة، دينية كانت أو مناسبة للتحميس في العمل الجماعي أو الفردي، إلا وعبرت عنها، مع التعبير الجلي عن هموم المجتمع وتطلعاته وطموحاته، وأيضا مخاوفه ومواطن هواجسه. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق