تحديات سورية مقبلة.. النظام الجديد يثير القلق بين الحوكمة الإسلامية والمعضلات الدستورية - خليج نيوز

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى نوفمبر ٢٠٢٤، تولت جماعة هيئة تحرير الشام المتمردة وحلفاؤها السيطرة على دمشق والمؤسسات الحكومية السورية. وقد أثار هذا التحول الزلزالى تساؤلات حول مستقبل الحكم فى الدولة التى مزقتها الحرب. وعلى الرغم من خطاب هيئة تحرير الشام "المغلف بلغة دبلوماسية" تجاه العلويين والمسيحيين والدروز والأكراد وغيرهم من الأقليات فى سوريا، فإن الإجراءات على الأرض والتصريحات الصادرة عن القيادة تشير إلى نهج أكثر تحديدًا ومركزية للحكم.

وقد حدد زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع رؤية المجموعة فى مقابلة أجريت معه فى ديسمبر ٢٠٢٤ مع قناة العربية الإخبارية. وبينما أكد على الشمولية للجميع، ألمحت تعليقاته إلى تفضيل النظام الرئاسى على النظام البرلماني، وهو خيار ستتم دراسته ضمن المفاوضات الدستورية بعد استقرار الأمر. وقد أثار هذا الافتراض، إلى جانب رفض هيئة تحرير الشام للفيدرالية والحكم الذاتى المحلي، مخاوف بين المراقبين والمجتمعات المحلية.

إن دعوة هيئة تحرير الشام إلى المركزية، بهدف تعزيز الوحدة الوطنية، مثيرة للجدال. فبالنسبة للعديد من السوريين، وخاصة الأكراد والدروز، تثير المركزية ذكريات الانقسام والصراع. ويزعمون أن اللا مركزية يمكن أن توفر إطارًا للمصالحة والسلام.

وهناك قضية أخرى مثيرة للجدل وهى العلاقة بين الدولة والدين. فقد أوضحت هيئة تحرير الشام نيتها الحكم على أساس الشريعة الإسلامية، حيث نفذت بالفعل تغييرات مثل إزالة الإشارات إلى نظرية التطور من المناهج المدرسية. وقد أثارت هذه التحركات السريعة قلق العديد من السوريين والمراقبين الدوليين، الذين يرون فيها مؤشرًا على نهج محافظ وأحادى الجانب للحكم.

استبعاد الوساطة الدولية

إن رفض هيئة تحرير الشام للمشاركة الدولية الكبيرة فى العملية الدستورية فى سوريا يتردد صداه لدى العديد من السوريين الذين خاب أملهم فى الجهود السابقة للأمم المتحدة. لقد أدت سنوات من محادثات السلام برعاية المنظمة الأممية والتحيز الملحوظ إلى تآكل الثقة فى المبادرات التى تقودها الأمم المتحدة. وفى حين أن استبعاد الوسطاء الدوليين أمر مفهوم، فإنه يترك مستقبل سوريا الدستورى فى أيدى الفصائل المسلحة المحلية، وهو ما قد يؤدى إلى تفاقم الانقسامات القائمة.

أشارت هيئة تحرير الشام إلى أن الانتهاء من الدستور الدائم قد يستغرق سنوات. ويتماشى هذا الجدول الزمنى مع التجارب فى بلدان أخرى متأثرة بالصراع، مثل ليبيا، حيث كانت المفاوضات الدستورية مطولة ومليئة بالتحديات. ومع ذلك، فإن إصرار هيئة تحرير الشام على المضى قدمًا بدون انتخابات لعدة سنوات يعنى أن المعينين - الذين يمثلون بشكل أساسى الجماعات المسلحة - سوف يهيمنون على المفاوضات. إن القرارات التى تتخذ بالأغلبية، بدلًا من الإجماع، قد تزيد من تهميش الأقليات وتزرع بذور الاضطرابات المستقبلية.

الدروس المستفادة 

إن تاريخ العمليات الدستورية فى المنطقة العربية يقدم تحذيرات صارخة. فقد كانت الحركات الإسلامية، بما فى ذلك هيئة تحرير الشام، تعطى الأولوية فى كثير من الأحيان للهيمنة على الإجماع فى مثل هذه المفاوضات، مما أدى إلى العنف وعدم الاستقرار. وتمثل العراق واليمن أمثلة تحذيرية. ويظل النهج التوافقى الذى تبنته تونس فى عام ٢٠١٤ استثناءً نادرًا، مما يؤكد ضرورة التسوية فى المشهد السياسى الهش.

إجماع حقيقي

يبدو أن التزام هيئة تحرير الشام المعلن بالشمولية مشروط بالالتزام بنظام الحكم المحدد مسبقًا. ويخاطر هذا النهج بإدامة إرث المنطقة العربية من الأنظمة الدستورية الفاشلة. ولتجنب تكرار التاريخ، يتعين على السوريين والمجتمع الدولى دفع هيئة تحرير الشام إلى تبنى إجماع حقيقى فى تشكيل مستقبل البلاد.

ويلاحظ زيد العلي، مؤلف كتاب "الدستورية العربية: الثورة القادمة"، فإن المخاطر عالية. وسوف يحدد مسار الانتقال ما إذا كانت سوريا ستظهر كدولة متماسكة أم ستستسلم للعنف المتجدد. الآن هو الوقت المناسب للتأمل المدروس والمفاوضات الشاملة، قبل اتخاذ قرارات لا رجعة فيها.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق