الصمود انتصار - خليج نيوز

الأسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
الصمود انتصار

خالد محمد علي

خالد محمد علي

يمكننا أن نعدد عشرات الأسباب والشواهد التي تدلل على أن المقاومة الفلسطينية انتصرت على العدو الإسرائيلي، رغم كل عمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبها في غزة، ورغم هذا الدمار الهائل وغير المسبوق في التاريخ الذي قتل فيه مجرمو الحرب كلَّ أشكال الحياة في قطاع غزة بحثًا عن تحقيق انتصار وهمي على أبطال الصمود.

ولكن 470 يومًا في تاريخ أمتنا العربية هي الشاهد الأعظم على أن الصمود وحده هو الانتصار، رغم كل الدمار، ورغم تحالف الظلم والجبروت والكذب والخداع الذي جمع كلَّ العالم تقريبًا ودون مبالغة في مواجهة 30 ألف مقاتل.

علينا أن نبدأ مع علماء الاجتماع دراسةَ الإجابة على أسئلة من نوع: كيف لم ينكسر هؤلاء؟!!.. ومن أين أتوا بكل هذا الصمود الذي لا يمكن أن يخضع لتقييم العقل أو معايير العلوم العسكرية أو السياسية أو النفسية؟!!.. فعلى الرغم من مئات الآلاف من أطنان القنابل التي أُلقيت على أصغر ميدان حرب في التاريخ والتي استقبلها الأبطال برؤوسهم، وصدورهم، وأولادهم، وإخوتهم، وأخواتهم، وزوجاتهم، وآبائهم، وأمهاتهم، ومعلميهم، وعلمائهم، وقادتهم، وزروعهم، وطيورهم، وكل ما هو حي على أرضهم، فإنهم أقبلوا واستُشهدوا وما بقي منهم شاهد على هذا الجحيم، لم يرتعدوا ولم يتوارَوا ولم يتخفَّوا من جحيم العالم الذي فتحه اليهود، وتفرج عليه الأهل وشركاء الدين والوطن وكأنهم يفرحون ويمرحون لأن رموز الصمود والتحدي والرجال يموتون ليبقوا هم بلا وصف في كتب اللغة في استمتاعهم وتلذذهم بتقبيل أيدي المجرمين.

الصمود الذي كان عنوانًا في 470 يومًا، لابد أن التاريخ خصص له صفحات لم يكتب فيها أحدٌ من قبل، بل كتبت فقط المقاومة الفلسطينية بأسطر من نور أسماءَ شهداء وأبطال تحت الأرض وفوق الأرض جوعى ومرضى، ولكنهم أقوياء كالصخور لا تجرؤ أطنان القنابل على أن تكسر صمودَهم أو رجولتهم. إنه الإيمان بالتاريخ والوطن، وقبل ذلك وفوق كل ذلك الإيمان بالله.

الدرس الذي تعلَّمناه من الأبطال، أن الأوطان لا يحميها إلا الرجال، وأن التاريخ تصنعه المقاومة، وأن الحقيقة هي أن الانتصار هو الصمود، وأن الهزيمة هي الانكسار. والوجوه التي خرجت تفرح وترفع رايات النصر من بين أنقاض غزة لابد أن يسجل من تحت أقدامها رواةُ العصر آلافَ الروايات، وملايين الحكايات التي تسطر كيف أن طفلًا لم يتجاوزِ العاشرة من عمره يتحدى أحط مجرمي العالم، رغم أنه فقد الأب والأم والعائلة، وكيف أن الرعب كان يقتل نتنياهو وأتباعَه رغم أنهم يملكون أقوى وأحطَّ أسلحة الكون.. الروايات سوف تتحدث عن الصخور والأنقاض كيف حمت واحتضنت ضلوعَ أبطال ظلوا يتربصون ويختطفون من الموت لحظات ذهبية كي يقتلوا عدوًّا قبل أن يسلموا أرواحهم إلى خالقها.

سوف تحكي روايات غزة أن العالم، كل العالم، قد تواطأ لكي يقتل أطفالنا هناك جوعًا ومرضًا وحصارًا، ولكنِ الحقيقة أن إسرائيل قد سلَّمت بكل ما أراد الأبطال، فلم يقتلوا حماس ولم ينهوها ولم يقضوا عليها، بل باعترافهم تجددت حماس.. ولم يخرجوا كثيرًا ببنادقهم، بل تجرَّعوا الذل والمهانة حتى يتسلموا أسراهم.. ولم يمكثوا كملوك بني إسرائيل في أرض غزة، بل انسحبوا صاغرين.. ولم يغيِّروا خريطة الشرق الأوسط، بل ستغيِّر الانقسامات حكومةَ مجرم الحرب، وتضعه في قاعات الزنازين بدلًا من كرسي الحكم. إنه الصمود الذي يعني انتصارًا.

cc629545d0.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق