تحديات مصرية.. على الحدود الجنوبية خليج نيوز

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الجمعة 24/يناير/2025 - 08:03 م 1/24/2025 8:03:01 PM

تمثل حدود بطول ألف ومائتي كيلو مترًأ بين مصر والسودان، تحديًا أمنيًا كبيرًا بالنسبة للقاهرة، بين مواجهة مع المتسللين من الجنوب إلى داخل مصر، وبين مُهربين، من وإلى الداخل المصري عبر الحدود.. فمع استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من ثمانية عشر شهرًا، تزدهر عمليات تهريب الذهب على حدود البلاد مع مصر.. وتعتبر هذه التجارة، التي تشمل عشرات الآلاف من الأشخاص، وتجتذب أشخاصًا من دول خارج السودان ومصر، جزءًا من شبكة الجريمة المنظمة التي تمتد على طول الحدود، إذ يوجد في مصر نحو مائة وخمسة وعشرون منطقة تعدين تقليدية، في منطقة النوبة جنوبًا.. ويمكن العثور على الذهب في الصحراء الشرقية، وهي مساحة تبلغ أكثر من مائتين وعشرين ألف كيلو متر مربع من الصحراء الكبرى تقع شرق نهر النيل، على طول ساحل البحر الأحمر، وفي منطقة الحدود المثلثة بين مصر والسودان وليبيا.. وبحسب هيئة الثروة المعدنية المصرية، فإن شركات التعدين الرئيسية هي، شركة شلاتين المملوكة للدولة، وحماشة مصر، والسكري، المملوكة لشركة تعدين الذهب المتعددة الجنسيات، سنتامين، ومقرها في جزيرة جيرسي.. وتشارك بريطانيا وروسيا وأستراليا وغيرها من اللاعبين الدوليين، في التنقيب عن الذهب في المنطقة، حيث افتتحت مصر مؤخرًا مناطق جديدة لتعدين الذهب في الصحراء الشرقية، في منطقة المثلث الذهبي.
وبفضل قدرتهم على النفاذ، أصبح مهربو الذهب على الحدود السودانية ـ المصرية، يتاجرون الآن في مجموعة واسعة من السلع، بما في ذلك الوقود والأسلحة والبشر.. لكنهم واجهوا ردًا قاسيًا من الجيش المصري، الذي نشر طائرات هليكوبتر وقناصة وأسلحة ثقيلة، خلال الهجمات التي أسفرت عن مقتل مهربين في مناطق حدودية نائية وجبلية.. فمع انعدام الأمن والتوتر على نطاق واسع على طول الحدود، كنتيجة ثانوية للوضع العسكري والسياسي، خلقت الحرب في السودان، التي بدأت في أبريل 2023، الظروف المناسبة لازدهار هذه الشبكات غير القانونية، في حين تحاول السلطات المصرية منع تهريب الوقود والسلع.. فنشر الجيش المصري تعزيزات عسكرية على طول الحدود الجنوبية لمصر، في محاولة لاستقرار الوضع، بينما يستمر الفراغ الأمني في السودان المجاور، والذي أدى إلى أن كميات هائلة من الذهب تم نقلها من السودان إلى مصر منذ بدء الحرب في السودان، وتتجه مادتا السيانيد والزئبق، التي تُعد غير قانونية في مصر، بسبب سُميتها والأضرار التي تسببها للإنسان والحيوان، إلى الشمال عبر الحدود.. وفي الاتجاه الآخر، من مصر إلى السودان، تتوفر إمدادات رخيصة من الوقود والغذاء والسلع، وغيرها من الإمدادات لمناجم الذهب في ولايات البحر الأحمر وشمال السودان.. والأمر الأكثر خطورة، هو أنه يتم تهريب البشر والأسلحة بين البلدين أيضًا.
بالنسبة للوقود، فقد أصبح أحد أكثر السلع المربحة للتهريب، حيث يتم دعم الوقود في مصر، وبالتالي فإن الأسعار أقل بكثير من الأسعار في السودان، الذي يعاني من نقص حاد في الوقود..في مناطق التنقيب عن الذهب الجديدة في السودان، خصوصًا تلك الموجودة في شرق السودان وولاية نهر النيل، مثل الأنصاري ونورايا وغيرها، فإن الوقود الذي يأتي من مصر هو المصدر الرئيسي للعمليات، ويستخدم الوقود القادم من مصر أيضًا على نطاق واسع، في المشاريع الزراعية في المناطق الآمنة التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية.. ويعتبر مهربو الذهب والوقود والسلع الأخرى في الغالب، من رجال قبائل العبابدة والرشايدة والبشاري، التي تتواجد على جانبي الحدود المصرية السودانية.
الوقود وإمدادات الغذاء بما في ذلك مواد البقالة، هي العناصر الرئيسية التي يجلبها المهربون من مصر إلى السودان، في حين أن الذهب والزئبق والسيانيد، هي العناصر الرئيسية التي يتم تهريبها في الاتجاه الآخر.. أسعار الوقود في مصر مدعومة، حيث يبلغ سعر الجالون نحو دولار، بينما يتراوح سعره في السودان بين خمسة وستة دولارات، فأصبح الوقود أحد السلع الرئيسية في السوق السوداء، والعمليات تعتمد بشكل أساسي على الوقود المصري.. ونستطيع أن نقول، إن ما لا يقل عن مائتي مركبة تتحرك يوميًا بين البلدين، محملة بالذهب والوقود والبشر والمواد المهربة الأخرى.. حتى أجهزة الإنترنت ستارلينك وغيرها من الاحتياجات تأتي من مصر إلى هذه المناطق، وفي بعض الأحيان يتبادل التجار والمهربون الذهب مع الوسطاء في مصر،ويشترون كميات كبيرة من الوقود وينقلونها على الفور إلى السودان.. إلا أن هذا النشاط التهريبي المزدهر لاقى ردًا قويًا من جانب الجيش المصري، حيث شوهدت قوات مصرية مزودة بطائرات هليكوبتر وقناصة حول الجبال ونقاط العبور بين السودان ومصر، وأن هذه القوات قتلت أو أصابت عددًا من المهربين، بينما تسلح مهربون من السودان ومصر، ونظموا أنفسهم على الحدود بين البلدين، إذ تلاحق القوات العسكرية المهربين المسلحين المتورطين في الجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة، في جنوب أسوان ومناطق أخرى في جنوب مصر.. حتى أن أحد المهربين قال، (لا نستطيع التحرك دون تسليح أنفسنا، لأن الجيش المصري لديه في بعض الأحيان نقاط تفتيش متنقلة ويجب تجنب ذلك..لقد أصيب بعض أصدقائنا، وسمعنا عن مقتل آخرين.. أما (الخطر الآخر،فيأتي من العصابات التي تنهب السائقين أثناء تنقلهم بين البلدين.. فهم يختبئون داخل الجبال، وإذا لم تتسلح جيدًا، فقد تتعرض ذهبك أو حتى سيارتك للنهب).
●●●
وإذا كان تهريب الأسلحة بين البلدين هي حالة قديمة، فإن تهريب الذهب زاد من التوترات.. ومع انعدام الأمن في السودان بسبب الحرب والأعداد الضخمة من الأشخاص القادمين إلى مصر، أصبحت منطقة الحدود غير آمنة للغاية، خصوصًا أنها طويلة جدًا، ويصعب التنقل عبر العديد من الطرق الوعرة.. ومن بين المناطق الساخنة الأخرى، منطقة مثلث حلايب، حيث تقع هناك العديد من مناطق التعدين الجديدة للذهب، بما في ذلك منطقة مصباح، ووادي العلاجي، ومنطقة التعدين صلاح، وجبال أورجيم والأنباط وغيرها.. وقد بدأت عمليات التنقيب عن الذهب في منطقة صلاح في مثلث حلايب عام 2017، ولكن منذ عام 2020 تم استغلالها من قبل شركة شلاتين للثروة المعدنية المملوكة للدولة المصرية، والتي طردت بعض عمال المناجم والحرفيين المحليين، بعد هجوم كبير شنه الجيش المصري في أغسطس الماضي.. وتتعرض المنطقة لحملات متكررة من السلطات المصرية منذ عام 2022، لكن الهجوم في أغسطس الماضي كان الأضخم، حيث استخدمت فيه المعدات الثقيلة والمروحيات، وكانت النتيجة مقتل العشرات من الحرفيين وعمال المناجم الصغار، وهم في الغالب سودانيون، وكذلك بعض المصريين، مما أدى إلى فرار الآلاف إلى السودان أو مناطق أخرى في مصر.
أحرقت وحدات مكافحة التهريب الآلات والمعدات التعدينية التي تركها عمال التعدين في الحقول، وجاء بعض المستثمرين المصريين والأجانب للعمل بشكل كامل في هذه المنطقة، إذ يشارك في التنقيب عن الذهب هناك، عدد من الشركات البريطانية والروسية والأسترالية وغيرها من الشركات العالمية.. وترددت أنباء عن نية شركة شلاتين، التي تعمل بالفعل في نفس المنطقة، الاستيلاء على موقع صلاح وإدارته.. وفي عام 2023، أنتجت منطقة شلاتين أكثر من ثلاثمائةكيلوجرام من الذهب من المنطقة، بحسب إحصائيات الهيئة المصرية للثروة المعدنية.  
إن التوتر والمنافسة على تعدين الذهب وتهريبه منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة، حيث لا تشمل مصر فقط، بل تشمل إثيوبيا وإريتريا وتشاد وجنوب السودان.. وتقاطع عمليات تعدين الذهب عبر الحدود الشاسعة للسودان.. وهناك أنشطة تعدين متداخلة، ليس فقط في مثلث حلايب، ولكن أيضًا في المنطقة التي تربط السودان وليبيا ومصر.. بالإضافة إلى ذلك، يتقاطع التعدين مع الأنشطة التجارية بين مناطق شمال وغرب دارفور، ووسط وشمال تشاد.. وبالمثل، يحدث تقاطع أنشطة التعدين على حدود السودان مع إثيوبيا، وبدرجة أقل مع إريتريا.. وفي الآونة الأخيرة، بدأت أنشطة التعدين المشتركة مع جنوب السودان على الحدود مع جنوب دارفور، وخصوصًا في مناطق بورو وراجا وأويل.
أحد المُعدِّنين السودانيين قال، إن أكثر من عشرة مناطق جديدة لتعدين الذهب، تم افتتاحها في محافظة أسوان مؤخرًا، من قبل مُعدِّنين محليين يعملون بمبادرة ذاتية ودون رقابة حكومية.. وعلى الجانب الآخر من الحدود، تم فتح أو توسيع مناطق التعدين السودانية، في ولايات البحر الأحمر والشمالية ونهر النيل، منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. وتتمتع المواقع القريبة من الحدود المصرية بنجاح ملحوظ لأسباب لوجستية، وخصوصًا سهولة نقل الإمدادات من مصر، (أرسل ذهبي عبر هؤلاء الرجال القبليين الأقوياء، الذين يعرفون الطرق السرية عبر الجبال والصحاري).. هناك مناطق تعدين جديدة تم افتتاحها أو توسعة مناطق قديمة بولاية البحر الأحمر، بالقرب من الصحراء الممتدة بين مصر والسودان.. هذه المنطقة ازدهرت، حيث يتم التعدين في مناطق المطار والميرج وجبل نمر ونورايا والأنصاري والتبريدة والعبار، بالإضافة إلى منطقة التعدين (صلاح) في جنوب مصر، والتي توسعت بالقرب من شلاتين، أكبر مدينة في مثلث حلايب، وتأسست الشركة عام 2017، وعملت في منطقة صلاح حتى عام 2023.. وهناك نحو عشرين ألف سوداني آخرين يعملون هتاك، وآلاف المصريين.. يقول الرجل، (عملت في ذلك المكان لمدة ثلاث سنوات تقريبًا..كنا نذهب بالذهب إلى البلاد التي تكون الأسعار فيها أعلى.. في الماضي كنا نذهب إلى السودان، لكن في الآونة الأخيرة أصبحت مصر أكثر ملاءمة لنا، لأن الأسعار هناك أعلى مؤخرًا.
ويأتي العشرات من باحثي الذهب السودانيين إلى أسواق الذهب في أسوان، لبيع ما لديهم من ذهب للمشترين، ولكن لأن هذا النشاط غير قانوني،فإن الذهب عادة ما يتم تهريبه إلى مصر عن طريق عصابات منظمة ومهربين.. ووفقًا لمصادر متعددة، يتم تهريب كميات هائلة من الذهب من السودان إلى مصر، في حين تعود الوقود الرخيص والأسلحة والسلع الأخرى إلى السودان.. إنهم اشتروا الذهب إما مباشرة من صغار مناجم الذهب، أو في بعض الأحيان من أسواق ولايات نهر النيل والبحر الأحمر في السودان، وتختلف الأساليب المستخدمة لتهريب الذهب من السودان إلى مصر، بحسب كمية الذهب التي يتم نقلها، (الأفراد الذين يأتون بشكل قانوني عبر الحدود، يحاولون دائمًا إخفاء الذهب في ملابسهم أو تقوم النساء بإخفائه على أجسادهن).. وعندما يتم تهريب الأشخاص أنفسهم ـ إذا كانوا يعبرون الحدود بشكل غير قانوني ـ فقد يطلب منهم المُهرِب الذي يقود السيارة التي يستقلونها إخفاء الذهب، وفي بعض الأحيان مقابل الحصول على رحلة مجانية.
●●●
نأتي إلى ثالثة الأثافي.. حيث أشار أحد عمال مناجم الذهب، إلى أن الجبال والصحاري في شمال السودان وجنوب مصر، توفر البيئة المثالية لشبكة تهريب البشر.. ليس فقط من السودان، ولكن أيضًا من إثيوبيا وإريتريا وأماكن أخرى في إفريقيا.. إن رجالًا أقوياء ومسلحين من قبائل العبابدة والرشايدة والبشاري، الذين يعيشون الآن على جانبي الحدود، هم التجار الرئيسيون الذين ينقلون الذهب من السودان إلى مصر.. وفي الجبال المحيطة بأسوان ومناطق أخرى في جنوب مصر، بما في ذلك الأقصر وكوم أمبو وإدفو، يتم تسليم الذهب في نقاط لقاء محددة، يتم الاتفاق عليها مسبقًا بين المهرب والمجموعة التي تأخذه.. ويتم الدفع بالدولار في بعض الأحيان قبل الموعد المحدد، و(في حالات أخرى، يتم الدفع في نفس وقت تسليم الذهب.. وفي حالات أخرى، يتم استبدال الذهب بسلع غير قانونية أخرى، بما في ذلك الوقود والزئبق والسيانيد وأشياء أخرى).. و(أحد الأساليب الرئيسية لتغطية العمليات،هو تغيير السيارة التي تستخدمها لنقل الذهب عبر الحدود.. في بعض الأحيان أبيع السيارة فور دخولي مصر.. وفي بعض الأحيان أبيعها كقطع غيار بعد تفكيكها).. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق