الإثنين 10/فبراير/2025 - 05:04 م 2/10/2025 5:04:53 PM
كانت منطقتنا، على مدار تاريخها القديم والمُعاصر، ولا زالت، مطمعًا لكل القوي الطامحة للهيمنة، ومحطًّا للإمبراطوريات الساعية للنهب والسيطرة.. مَرَّ عليها المغول، والفرس، والأغريق، والرومان، والفرنجة، والانجليز، والفرنسيين، والعثمانيين،.. وظنوا جميعًا أن هذه الأرض دانت لهم، بما فيها ومَن عليها، حتى أصبحوا فوجدوا أنفسهم مطرودين منها، يحملون أمتعتهم ويرحلون غير ماسوف عليهم، ملعونين ومهزومين!
وما أشبه اليوم بالبارحة!، ففي الحقبة المعاصرة التي واكبت التخطيط لفرض المشروع الصهيوني ـ الاستعماري الاستيطاني، تواترت المؤتمرات وتنوعت اللقاءات بهدف رسم الخرائط، وترسيم الحدود، وتدبير الترتيبات... التي تسعى جميعها لوضع اليد على منطقة، هي الأهم من حيث التموضع الجغرافي الاستراتيجي، والأغني من حيث الثروات والمغانم الدفينة!
ويُمكن ـ على سبيل المثال ـ رصد بعض "المحطات" الأساسية في هذا المسار، من أهمها: "المؤتمر الصهيوني الأول" برئاسة "تيودور هرتزل"، (بازل ـ سويسرا، 29 أغسطس 1897)، مؤتمر "كامبل بنرمان"،(لندن ـ 1907)، والذي ضمَّ الدول الاستعمارية المُهيمنة آنذاك: بريطانيا ـ فرنسا ـ هولندا ـ بلجيكا ـ أسبانيا ـ إيطاليا.. (وروسيا القيصرية كمراقب)، واستهدف إيجاد مُخطَّطات وآليات عمل تحافظ على ديمومة تفوق وسيطرة الدول الاستعمارية على مصائر المنطقة، و"اتفاقية سايكس ـ بيكو" البريطانية ـ الفرنسية عام 1916، لاقتسام الهيمنة على دول المنطقة بين الإمبراطوريتين الكبيرتين، و"وعد بلفور" الذي أصدرته بريطانيا في نوفمبر 1917، دعمًا لتأسيس "وطن قومي لليهود في فلسطين"، وأخيرًا مشروع "برنارد لويس" المُكلّف لإنجازه، عام 1980، من وزارة الحرب الأمريكية، بهدف إعادة ترسيم خرائط المنطقة، من خلال تمزيقها إلي "دويلات صغيرة ضعيفة، على أساس عرقى وطائفى ومذهبى، فى سبيل تحقيق حلم دولة ما يُسمى «إسرائيل الكبرى»، والسيطرة على الأماكن الغنية بالنفط والثروات الطبيعية."
ويرى البعض من المفكرين والكُتّاب الوطنيين المحترمين، ألَّا حاجة بنا للاهتمام (الزائد) والانشغال الفائق بخطة "التهجير" لأبناء الشعب الفلسطيني من قاطني قطاع غزة، التي أطلقها الرئيس الأمريكي "ترامب"، والتي مضمونها "ترحيل" أهالي غزة إلى خارجها، إلى مصر والأردن وغيرها من البلدان التي تقبل إيوائهم، إذ "ليس أمام الفلسطينيين ـ كما أشار الرئيس الأمريكي مِرارًا ـ من بديل؛ إلّا مُغادرة غزة!"، التي "ستتولى الولايات المتحدة السيطرة عليها، وسنقوم بعمل هناك أيضًا: سوف نمتلكها!!" كما صرّح "ترامب".. "فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى إنشاء "ريفييرا الشرق الأوسط".. إن حيازة هذه القطعة من الأرض، وتطويرها، وخلق آلاف الوظائف، سيكون أمرًا رائعًا حقًا"!!
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى نظريات في العلاقات العامة والتمويه السياسي، تُشير إلى أن "ترامب" يقصد من هذه "المناورة" صرف الأنظار عن مُبتغاة الأساسي، وهو الهيمنة على هيئة العمل الداخلية الأمريكية الخطيرة، وكسر عظام مؤسسات "الدولة العميقة"، التي يعتقد في أنها تناصبه العداء، وكذا للسيطرة على تريليونات الدولارات التي تتحكّم فيها، وخاصةً هيئات "المُجمّع الصناعي العسكري"، وأجهزة الاستخبارات الأمريكية الهائلة، وأهمها جهاز الـ … (C.I.A) التي لا يثق في تبعيتها وولائها.
وبالفعل فإن هذا المسار يقتطع جانبًا مُهم من جهد "ترامب" وأعوانه، غير أن ذلك لا يمنع أن "حاسة" "ترامب"، كمقاولٍ احترف انتهاز الفرص، لا تريد أن تغادر غزة بإغراءاتها الكبيرة، وأهمها الغاز والشواطئ والممرات التجارية العالمية القادمة من الهند، البديلة لممرات "الحزام والطريق" الصيني.. وهو مستمرٍ في الدعوة والعمل على اقتناص غزة حتى اليوم، وكانت آخر تصريحاته بهذا الشأن: "ملتزمٌ بشراء غزة وامتلاكها، وقد أمنح أجزاءٍ منها لدول أخرى في الشرق الأوسط لإعادة بنائها"! في الوقت الذي يعزف "نتنياهو" وقطعانه نفس النغمة، فوزير الطاقة في عصابته الإجرامية، "إيلي كوهين"، يُصَرِّح بأن "مَن يُريد إقامة دولة فلسطينية فليفعل ذلك على أرضه"، أما مجرم الحرب رئيس الوزراء الصهيوني، فمستمرٌ في ترديد أكاذيبه واختراع تخاريفه، فهو في لقاء مع "فوكس نيوز ـ 9 فبراير 2025)، يتهم مصر، لا إجرامه وإجرام كيانه، بأنها "حوَّلت غزة إلى "سجنٍ كبير" برفضها تهجير الفلسطينيين"!، ومؤكدًا النيّة، مع حاميه وسنده، "ترامب"، أن: "إسرائيل صغيرة جدًا"... "ولا يُمكننا أن نكون أصغر من ذلك"! مُبينًا العزم على اغتصاب مايمكن اغتصابه مما تبقي من التراب الوطني الفلسطيني، بعيدًا عن مخالب اللص الصهيوني المحترف!
*******
غزة رمز العِزّة والكبرياء، ودون مُزايدة أو ادِّعاء ليست للبيع، وأهلها لم يُفوضوا أحدًا للحديث باسمها أو اسمهم، وهم باقون رغم الثمن الباهظ، والتضحيات الرهيبة، وعدوهم إلى زوال ولو بعد حين، وهم يُسجلون تاريخهم البطولي بالدم الأحمر القاني، بينما، كما كتب الأستاذ عاصم عبد الخالق (الأهرام 9 فبراير 2025)، ومعه كل الحق: فإن "تُجَّار العقارات لا يكتبون التاريخ؛ ولا يصنعونه، ولا يعرفون معنى الوطن"!