الجمعة 18/أبريل/2025 - 10:56 م 4/18/2025 10:56:26 PM
كان السؤال الذي يفرض نفسه على عقلي دائما.. هو كيف يٌدرَّس التاريخ في مدارسنا؟ وهل تحققت الاستفادة لدى أجيالنا الصاعدة من طريقة دراسة تاريخ مصر في المناهج الدراسية والتي وقعت في أسر الأساليب القديمة التي تعتمد على الحفظ وتكرار المعلومات دون الإتيان بالجديد في التفسير والتوضيح واستقاء التجارب والتعلم منها؟ والإجابة كانت مٌحبطة ودليلها ما نعاني منه في مصر من نقص في معارف التنشئة والشباب حول مسئوليات الانتماء والمواطنة ووجود حالات اغتراب لدى غالبية الشباب عن المجتمع ومؤسساته، وعدم الوعي بعملياته ومتطلبات نهضته والارتقاء به، ثم دليل آخر وهو معاناة الحاكم الوطني الأمين في تسويق سياساته ورؤيته والتفتيش في ضمير الرئيس بمرجعية من الشائعات والأكاذيب والضلالات التي يُصَدرٌها أعداء الوطن، والمفترض أن تكون المرجعية من المواقف الشامخة لحكامنا الوطنيين في تاريخنا القديم والحديث، لكن ما يتضح لنا من حقائق أن التيارات المعادية والتي يخدم أغلبها مخططات الدول الاستعمارية القديمة والتي تحولت في عصرنا الحالي لدول مهيمنة ومسيطرة على مقدرات الشعوب واقتصاداتها كبديل عن السيطرة الاستعمارية القديمة، قد نجحت في احتلال مساحة الثقة بين المواطن والحاكم، وتظل تبث الأكاذيب لتزيد من تلك المساحة والتي من شأنها أن تشغل القادة والحكام والحكومات في تبرير نزاهتها وأمانتها رغم حاجتها في استغلال هذا الوقت في نهضة البلاد وتطورها ورخائها، وتلك القضية شائكة ومستمرة عبر الأجيال وخاصة في مصر، ولذلك يظل الانتماء قيمة من أهم القيم التي كانت ولا تزال موضع اهتمام معظم الفلاسفة والعلماء والمربين على اختلاف العصور، لكن يبدو أن وزارة التربية والتعليم لم تعْ أهمية ذلك، فتدنت المناهج الدراسية وخاصة فيما يؤسس لفهم تجارب التاريخ والصراع بين الحضارات والدروس المستفادة ومعرفة الأعداء الحقيقيين للوطن، وكل ذلك لو تم الالتفات إليه لتخرج في مدارسنا مواطن يمتلك مهارات وقيم المواطنة والانتماء للوطن الذى نشأ في أرضه واكتسب من قيمه وعاداته وتقاليده التي تحافظ على الشخصية والهوية المصرية.
لقد اعتقد المسئولون عن التعليم في مصر أن تدريس التاريخ يقتصر على دراسة الماضي فقط وتجاهلوا أن الاستفادة الحقيقة من دراسة التاريخ تتلخص في فهم أن الماضي هو أساس الحاضر وقاعدة الانطلاق نحو المستقبل، وأنه لا قيمة لتدريسه إذا اقتصر على التعمق في تفاصيل الماضي وحشو مادته بالمعلومات الساكنة التي ستؤدي إلى نفور الطلاب وزوال اهتمامهم بتاريخ بلادهم، وكان الأجدر بواضعي مناهج مادة التاريخ في مدارسنا أن يؤسسوا لفكرة أن التاريخ ليس اهتماما بالماضي السحيق الذي لا تستطيع قوة تغيير أحداثه، بل هو اهتمام بالحاضر ومقارنة يتم من خلالها التخطيط لرسم معالم المستقبل واستحضار التجارب والمواقف القديمة لاستخدامها كقاعدة انطلاق راسخة وثابتة على الأرض، ولا أعرف إذا كان المسئولون عن التعليم في مصر يدركون قيمة المواقف المصرية القوية في هذه المرحلة التي يقودها بجهود وطنية مخلصة الرئيس عبد الفتاح السيسي.. أم لا؟ ألم يصل إليهم أن مصر الآن وبالسياسات والمواقف التي تصدت بها للهيمنة الأمريكية تؤسس لدولة عظمى جديدة في الشرق الأوسط بمفهوم السياسية الحالية لمعنى القوى العظمى؟ ألم تدرك وزارة التربية والتعليم أن كل الفلاسفة والمفكرين وعلماء الاقتصاد والعلوم السياسية قد وضعوا تصورا للدولة العظمى يقوم على تأثيرها وفرض نفوذها من خلال قوتها العسكرية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو تماسك جبهتها الداخلية وإرادتها الوطنية، وأن كل ذلك حققه الرئيس السيسي في مسيرته منذ تولي الحكم في مصر وكان مشهده هذا الموقف الذي وقفت مصر فيه وحدها في قضية تهجير الفلسطينيين ومحاولة تصفية قضيتهم العادلة؟ وهل يستيقظ المسئولون في مدارسنا اليوم ليستفيق وعيهم ويلحظوا أن التاريخ يقدم الآن ومن أرض مصر درسا مختلفا للبشرية من علاماته أن النفوذ وتحريك القرار العالمي ومواجهة الاستعمار الجديد يحدث من قاعدة قوة المجتمع المصري الذي اتصف في هذا العهد بمميزات وصفات أساسية وخصائص كامنة وَلدَّت مظاهر غير مسبوقة في الاصطفاف خلف القائد بتماسك اجتماعي وطموح وطني قوي وغير مسبوق في تحمل أعباء الإصلاح الاقتصادي ومواجهة تحديات المخاطر التي تواجه مصر؟ وكل هذا بالطبع يشكل من تلك القوة الداخلية مداميك بناء القوة الدولية العظمى، وأن هناك اليوم في مصر إرادة سياسية تقوم بتخطي ما هو مجرد التفوق على التحديات وهيمنة القوى العظمى إلى ما هو أعظم مثل الخروج من قيود التسليح والبناء القائم على المساعدات الدولية والإقليمية، واتخاذ المواقف السياسية والدبلوماسية الدولية من خلال قاعدة المكانة الحضارية والتاريخية والإقليمية، وكل ذلك يخلق لمصر مبررات أن تصبح قوة عظمى خلاقة وقادرة على التكيف.
هذا يدفعني إلى ضرورة أن تتنبه وزارة التربية والتعليم إلى ضرورة أن بتم تدريس المواقف المصرية الحالية فيما يمكن أن يطلق عليه(التاريخ المقارن) الذي يمكن من خلاله الربط والمقارنة بين التاريخ القديم والأحداث والمواقف المصرية الحالية ليوضح ويفسر للأجيال الجديدة جهود القيادة السياسية في المواجهات والتحديات الحالية من خلال تطبيق عملي لمادة التاريخ، ويجب أن يعي القائمون على تلك المواد الدراسية أن ميزان تقييم الأمور، يتحكم فيه مصطلح المعيار، ومصطلح المؤشر، والفكرة العريضة دائما هي ما يسمى في مصطلحات الفكر بالمعيار... كأن نقول مثلا... إن الإدارة فشلت أو نجحت وكي يتم وزن هذا المعيار وتحقيقه بدقه، فلا بد من وجود مؤشرات تحكم قياس وتقييم هذا المعيار، وتلك المؤشرات يجب أن تتمتع بخاصية القياس والتحديد المتقن والأكيد، حتى أننا إذا أردنا أن نحكم على مدى نجاح الإدارة أو إخفاقها، فلابد من وضع قياسات محددة لا تقبل التأويل، لكن الاستعمار الجديد عودنا على استقاء المعلومة في صورة المعيار فقط وتغييب المؤشرات الدالة على تحقق المعيار، باعتبار أنه يعمل من خلال آلياته الإخبارية والإعلامية على خداع الشعوب التي يريد السيطرة على عقلها الجمعي للتحكم في قرارات ومواقف حكامها من بوابة تقليب الشعب على الحاكم، فنحن نجد أن الكثير من التقارير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تتهم نظام الحكم في مصـر باعتقال المعارضين... ويأتي هذا الخبر في صورة معيار تحت عنوان ( الاعتقال المتزايد في مصـر )، ثم لا تذكر تلك التقارير المؤشرات الدالة على عدد المعتقلين وأماكن اعتقالهم وظروف الاعتقال، أو أنها تتكلم عن حالة السخط العام من تدني الأحوال المعيشية في مصـر، دون أن تقيس تلك الأحوال بمؤشرات جودة الحياة المعترف بها عالميا، وهل زادت إيجابية تلك المؤشرات أم تدنت؟! هذه الإشكالية تتأثر بها الأجيال الصاعدة والشباب ولا أجد حلا لها إلا بإدخال الدراسات المقارنة بمناهج مادة التاريخ في مدارسنا لتفسر في ضوء الماضي ما يحدث في الحاضر، ووقتها سوف يتفهم الشباب عن طريق العلم التطبيقي ما الذي يحدث على الساحة وما هو حجم الجهد المبذول والوطني الذي يقوده رئيس مصر في أصعب تحديات التاريخ المعاصر.. وسوف تتحول أيضا دراسة التاريخ إلى مادة تثري الوعي وتعزز الانتماء والمواطنة الحقيقية.
أخبار متعلقة :