خليج نيوز

الإخفاق في إدارة أموال الزكاة وعلاقته بالأمن القومي الداخلي خليج نيوز

هل يدرك القائمون على مؤسسات ولجان وهيئات الزكاة والصدقات في مصر العلاقة بين مسئولياتهم عن جودة إدارة أموال الزكاة والأمن القومي الداخلي؟ وهل يمكن أن تساهم أموال الزكاة في تحسين الاقتصاد المصري من خلال إطار يتوافق مع الشريعة الإسلامية ويقبله المجتمع؟وهل لدى المسئولون عن مؤسسات الزكاة استراتيجية لاستثمار أموال الزكاة كحل للحد من ظاهرة الفقر؟وأخيرا هل يجب أن تتدخل الدولة للرقابة على مؤسسات ولجان الزكاة والصدقات للحد من الإخفاق الإداري ومركزية القرار الفردي وطرح قانون للزكاة والصدقات؟

هذه الأسئلة الهامة سأحاول الإجابة عليها في هذا المقال المتمم لما قبله والممهد لما بعده في هذه السلسلة التي أتبنى فيها بحس وهدف وطني مجرد إصلاح مؤسسات ولجان وهيئات الزكاة والصدقات في مصر ومحاولة دفعها لأخذ دور فعال للقضاء على الفقر وتخفيف الأعباء على الاقتصاد الوطني، ومن المتفق عليه أن الفقر قضية أمن قومي مصيريةوبالتحديد في شقه الداخلي المعني باستقرار الجبهة الداخلية ووصولها على الأقل للحدود الدنيا في مؤشرات جودة الحياة، وفي بلد يعيش فى حالة سلام مثل مصر لا مفر من النظر إلى الفقر باعتباره قضية أمن قومي خاصة إذا أخفقت المؤسسات القائمة على التصرف في أموال الزكاة في توجيه إدارة هذه الأموال للحد من الفقر، وقد يتسبب انحصار هذا الدور  في وقت من الأوقات إلى تهديد للسلم الاجتماعي، وربما يطلق العنان للحرب الطائفية فلا يٌصبح من الممكن تقييم احتمال تحولها إلى العنف وهو ما يمنح ظاهرة الفقر  على الفور صفة قضية أمن قومي.

يجدر الذكر بأنه للإجابة على التساؤلات السابقة يجب الوقوف على بعض البيانات الهامة التي تٌمكن من تحديد أهمية أموال الزكاة ودورها في إحداث الفارق، ووفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن منظمة التعاون الإسلامي والتي تتمتع مصر بعضويتها، فإن 322 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر في دولها الأعضاء (57 دولة الإسلامية) أي إن دخلهم اليومي لا يزيد على 1.25 دولار فقط، وهذه الأرقام في ارتفاع مستمر في ظل تزايد الأزمات الاقتصادية العالمية وارتفاع معدلات التضخم وأسعار السلع والخدمات، كما بلغت القيمة التقديرية لزكاة أموال المسلمين نحو 3 تريليونات و370 مليار دولار سنويًا وفقا لتقديرات المنظمة، بينما أشارت تقارير منظمات دولية مرموقة أخرى إلى أن المقدم منها لا يتجاوز  القيمة بين 20 إلى 30 مليار دولار سنويا، وفي مصر لا توجد بيانات محددة (وهذه إشكالية كبيرة) إلا أنه في حوار صحفي نشرته جريدة اليوم السابع في 30 ديسمبر 2016 مع الدكتور صفوت النحاس الأمين العام الأسبق لبيت الزكاة والصدقات المصري ذكر أن قياسه للقيمة التقديرية لحجم وعاء زكاة الأموال في مصر يٌقدر بنحو  50 مليار جنيه استنادا على أن ودائع المصريين في البنوك في ذلك الوقت قد بلغت 2.2 تريليون جنيه، كما ذكر أن الجمعيات الأهلية العاملة في الزكاة في مصر لا يتعدى ما يصلها سنويا سوى 2 مليار جنيه فقط، أما عن بيت الزكاة والصدقات المصري فقد ذكر الدكتور صفوت النحاس أن قيمة أموال الزكاة التي يٌحصلها البيت يوميا في ذلك التاريخ تبلغ في المتوسط 1.25 مليون جنيه فى اليوم، وأن المستهدف خلال سنة أن تكون أموال الزكاة المحصلة يوميا 3 مليون جنيه أي ما يقرب من مليار جنيه سنويا، أما الآن فلا توجد أي إحصاءات أو تقارير رسمية صادرة  عن بيت الزكاة والصدقات المصري تكشف حجم أموال الزكاة التي تصل إليه سنويا وبطبيعة الحال أنه من البديهي أنها تزايدت أو تضاعفت في السنوات السابقة، وذلك بخلاف أموال الصدقات والتبرعات والتي لم يصدر بشأنها أرقام أو مؤشرات رسمية، وأيضا نجد قيمة أموال الزكاة والصدقات في باقي مؤسسات وهيئات ولجان الزكاة الأخرى أمر مجهول وغير معروف وهو ما يمثل صعوبة في تحديد وتقدير هذه الأموال، ومهما كان قصور البيانات المتاحة فإن مؤشرات الأرقام السابقة سواء المقدرة أو الفعلية تعكس أهمية أموال الزكاة كخيار استراتيجي للحد من الفقر  أو المشاركة في تحسين جودة الحياة وتخفيف الأعباء الملقاة على عاتق الاقتصاد المصري الرسمي في سد الاحتياجات الضرورية للمواطن المصري.

والمشكلة تكمن كما أوضحت في مقالي السابق في أنه لا يتم توجيه أموال الزكاة والصدقات في مشروعات حقيقية يتملكها الفقراء وتكفل لهم مورد ثابت لمواجهة أعباء الحياة بالإضافة إلى حصار نسبة الفقر،بل يقوم المسئولون عليها باستنساخ دور الجمعيات والمؤسسات الأهلية، واغلبها تقدم حلولا وقتية أو تتعامل مع أحداث وظروف بعينها، وإن كان هذا الدور مقبولا ومشكورا منها فهو غير مقبول من مؤسسات الزكاة ولجانها الكبرى لأن من طبيعة الحال أن فريضة الزكاة يدفعها واجب ديني، بينما التبرع لمنظمات المجتمع المدني هو أمر طوعي وغير مٌلزم من الناحية الشرعية، لذلك تٌقدر  أموال الزكاة المدفوعة لهذه المؤسسات واللجان بأضعاف أضعاف تدفق التبرعات على الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وإلى جانب بيت الزكاة والصدقات المصري وبعض الجمعيات العاملة في الزكاة يوجد نحو 3300 لجنة زكاة منتشرة في جميع أنحاء مصر وتابعة لبنك ناصر الاجتماعي التابع بدوره لوزارة التضامن الاجتماعي، وفي الوقت الذي يخضع فيه بنك ناصر الاجتماعيومؤسسات المجتمع المدني للرقابة والتدقيق المالي من قبل وزارة التضامن الاجتماعي وأيضا من الجهاز المركزي للمحاسبات،  فإننا نجد أن غيرها لا يخضع لنفس الرقابة والتدقيق، ثم أن مسألة الرقابة على هذا العدد من لجان الزكاة في مصر  وغيرها من مؤسسات وهيئات الزكاة والصدقات قد تتطلب إصدار تشريع قانوني (قانون الزكاة)كما هو الحال في العديد من الدول العربية والإسلامية وذلك بهدف التنظيم الاقتصادي للاستفادة من أموال الزكاة والصدقات من خلال مشروعات تحد من الفقر وتتفق مع أهداف وشروط الزكاة في الشريعة الإسلامية،ثم بهدف تعزيز الحوكمة الإدارية والرقابة على أموال الزكاة حيث تعتبر ثقة دافعي الزكاة بمنافذ وهيئات التصرف فيها من أهم عوامل زيادة إخراج نسب الزكاة الشرعية وربما الوصول إلى امتلاء وعاء زكاة الأموال في مصر  بالقيمة التقديرية البالغة نحو  50 مليار جنيهسنويا وفقا لتقديرات الدكتور صفوت النحاس الأمين العام الأسبق لبيت الزكاة والصدقات المصري.

يهمني هنا الإشارة والتأكيد (حتى لا يؤخذ الحديث في اتجاه آخر) على أن ما سبق لا يعني توجيه اشتباه في قصور المسئولية والواجبات لأي من المسئولين عن جمع أو التصرف في أموال الزكاة في الهيئات والمؤسسات ولجان الزكاة في مصر أيا كانت مسمياتها أو تبعيتها، فلا يوجد لدي أي وقائع محددة لأي تجاوزات يمكن الوقوف عليها، لكن الدافع الوطني والحرص على مساندة الجهود والأهداف التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي للخروج من مأزق الصعوبات الاقتصادية وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين وخاصة الفئات الأولى بالرعاية وهؤلاء الذين يعانون من الوقوع تحت حد الفقر، هو ما يجعلني حريصا على لفت الانتباه لضرورة الاستفادة المثلى من أموال الزكاة في تعظيم الاقتصاد المصري، ورفع ثقة المواطنين في مؤسسات وهيئات ولجان الزكاة حتى يصل وعاء الزكاة المأمول إلى الاكتمال.

  لكن هناك بعض السياسات والتصرفات التي قد تضر بمنظومة الزكاة ومن الممكن حال وقوعها أن تٌقزم ثقة دافعي الزكاة في جهات جمع أموال الزكاة والتصرف فيها وأجدني أحذر منها وأدق ناقوس الخطر للانتباه إليها ومنها الخلط في أحقية التصرف في الأموال وفقا لتصنيفها إن كانت أموال زكاة أو صدقات أو تبرعات استنادا إلى التفسير الشرعي الذي يٌستدرك منه أن تٌقيد الزكاة في مصارفها الشرعية فقط أما الصدقات والتبرعات فقد يرى البعض أنه مفتوح التصرف فيها، وإن كان في ذلك شيء من الصحة من الناحية الشرعية، فإنه قد لا يكون صحيحا من ناحية المسئولية والأمانة والشفافية، على نحو أننا قد نجد مبالغة غير مقبولة في الرواتب والمميزات للعاملين في بعض جهات الزكاة بحجة أنها من التبرعات، وبنفس التبرير أيضا نجد الإنفاق المبالغ فيه في المباني والمقار الإدارية وتجهيزاتها، والأعداد المبالغ فيها لبعض فئات العاملين كأن نجد مثلا  مهمة وظيفية تحتاج لفردين ويشغلها خمسة أو قسم أو إدارة تكون القوة المثلى لشاغلي وظائفها حتى تحقق أهدافها خمسة عاملين ثم نجد في الواقع أن بها عشرة أو عشرين عاملا،ومن السلبيات التي قد نراها أيضا المبالغة في التجهيزات والأدوات والمزايا ومخصصات بعض العاملين المقربين من صانع القرار  في هذه المؤسسات بمبرر الجهود غير العادية، بالإضافة إلى خلق وظائف استشارية برواتب مٌبالغ فيها لا تتناسب مع نوعية الأنشطة ولا يٌبررها الاحتياج الفني لخبرات هؤلاء المستشارون، والمؤسف إذا كان هؤلاء المستشارون بلا خبرات أصلا في المناحي الاقتصادية أو التنموية أو الشرعية أو الخدمية أو المالية التي تحتاجها مؤسسات وهيئات ولجان الزكاة المنتشرة في كافة أنحاء مصر، ثم يجب أن نٌحذر أيضا من فردية وسلطوية صناعة القرار، فالعمل في مجال الزكاة يحتاج إلى سعة صدر المسئول وأن تكون بينه وبين المكروبين من مستحقي الزكاة قنوات مفتوحة لتيسير وصول شكواهم وتظلماتهم وحالات كربهم الطارئة، وخلاف ذلك يٌمكن أن تتجسد المعاناة المضاعفة على هؤلاء المغلوب على أمرهم.

والسؤال: هل يمكن أن تساهم أموال الزكاة في تحسين الاقتصاد المصري من خلال إطار يتوافق مع الشريعة الإسلامية ويقبله المجتمع؟

للإجابة على هذا السؤال نعود لفتوى دار الإفتاء المصرية التي أصدرتها ردًا على سؤال سابق تلقته الدار فى عام 2011 وأجاب عنه حينها الأستاذ الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية الأسبق والذي جاء بها أنه يجوز عمل مشاريع استثمارية وإنتاجية بأموال الزكاة والهبات والصدقات لدعم الاقتصاد المصري، وذلك عن طريق إقامة مشروعات استثمارية وإنتاجية توفر فرص العمل للشباب، وعن طريق معالجة الأزمات للفقراء والمحتاجين والمضطرين، وعن طريق تجهيز المستشفيات الخيرية بالمعدات والأدوية التي تساهم في علاج فقراء المرضى، وقد جاء رد الدكتور على جمعه ليقدم هذه الأعمال على بناء المساجد ودور العبادة ومباني المستشفيات والمنشآت الخدمية إذ استطردت الفتوى فيما نصه: (وأما التوسع في صرفها على بناء المساجد ودور العبادة أو بناء المستشفيات والمنشآت الخدمية فليس هو مِن شأن الزكاة، لأن الزكاة شٌرعت للإنسان لا للبنيان). 

وقد أوضحنا في المقال السابق أيضا (استثمار أموال الزكاة بعيدا عن استنساخ دور الجمعيات الأهلية)فتوى دار الإفتاء المصرية التي وصفتها في مقاليبالقيمة والهامة والتاريخية حول حكم استثمار أموال الزكاة بعمل مشاريع استثمارية لصالح الفقراء والمساكين، وأن دار الإفتاء المصرية وافقت على ذلك وأباحته بشروط تتوافق مع الشريعة الإسلامية وصحة التصرف في أموال الزكاة، لكن المؤسف هو ما ورد  في الحوار الصحفي أيضا للدكتور صفوت النحاس الأمين العام الأسبق لبيت الزكاة والصدقات المصري والمنشور على موقع مصراوي في 18 يونيو 2018 في رده على سؤال: هل هناك أي استثمار لأموال بيت الزكاة؟ وكان الرد أن اللجنة الشرعية رفضت ذلك، وأكدت أن الزكاة تصرف في مصارفها فقط التي حددها القرآن في الآية 60 من سورة التوبة: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) ولا أعرف سبب هذا الرفض خاصة وأن دار الإفتاء المصرية كانت قد قطعت الأمر بحثا وأصدرت فتاواها السابقة حتى قبل إنشاء بيت الزكاة والصدقات في مصر، وهل تغيرت وجهة نظر  البيت أو يمكن أن تتغير في ضوء الظروف الاقتصادية التي تٌعاني منها مصر  ومن أجل دعم دور الدولة المصرية في تحسين الأوضاع المعيشية والحد من الفقر والقضاء على البطالة؟ علما بأن كافة مؤسسات الإفتاء والدراسات والأبحاث في الجامعات والمؤسسات الإسلامية في أغلب الدول العربية والإسلامية قد توافقت مع فتاوى دار الإفتاء المصرية.

والسؤال: هل لدى المسئولون عن مؤسسات الزكاة استراتيجية لاستثمار أموال الزكاة كحل للحد من ظاهرة الفقر؟

طالما أنه لم يحدث تأثير إيجابي لهيئات ومؤسسات ولجان الزكاة في مصر في تقليل نسب الفقر وتحسين الأحوال المعيشية وتقليل نسب البطالة، فإننا لا نرجم بالغيب إذا قلنا أنهم بعيدين كل البعد عن التفكير أو التخطيط لهذه الاستراتيجية، ومازال التفكير قاصرا على استنساخ دور ومنجزات الجمعيات والمؤسسات الأهلية كما ذكرت في مقالي السابق دون محاولة إضافة مسار تحويلي لاستخدام أمثل لأموال الزكاة والصدقات، وقد ذكرت على سبيل المثال في مقالي الأول(بيت الزكاة وحكاية الآمال النبيلة حين ينقصها الاكتمال)أن الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق صاحب الفضل في المشروع الأول لإنشاء بيت الزكاة والصدقات المصري والذي قدمه لرئيس الجمهورية وقتها الرئيس حسني مبارك، كان قد لخص وأوجز قيمة مشروعه بعبارة: " خلال 10 سنوات على الأكثر من تطبيق المشروع لن نجد عاطلا واحدا في مصر "، وهذا يعني أنه كان يخطط لاستثمار أموال الزكاة في مشروعات تٌمكن الفقراء وتٌحسن من أوضاعهم المعيشية وتقضي على البطالة.

ولتوضيح كيفية أن يٌغير الاستثمار في أموال الزكاة حياة الفقراء ويٌحيلها للأفضل، اطرح بعض البرامج في هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر:

 

أولا:

المشاريع الاستثمارية ذات الأولوية في التمويل: نظرا لخصوصية تعاملات الزكاة، فإن المشاريع التي يفضل أن تؤسس لصالح الفقراء ومستحقي الزكاة لا بد أن تتميز بما يلي:

(1)

 كونها مشاريع ذات آثار اجتماعية إيجابية بحيث لا يبقى مستحق الزكاة فقيرافيالنهاية، بل يصبح قادرا على دفع الزكاة، وفوق كل هذا وذاك قد يوظف فقراء في مشروعه يستغنون عن طلب الزكاة.

(2)

مشاريع ذات آثار اقتصادية محفزة ويتجسد ذلك من خلال التخفيف من ضغط البطالة على ميزانية الدولة.

(3)

مشاريع تحترم قواعد الشريعة الإسلامية باعتبار أن الزكاة فريضة إسلامية أصلا ويجب ألا تمول أموالها مشاريع مدمرة للمجتمع، 

ثانيا:

من المشروعات الاستثمارية التي يمكن تنفيذها من خلال أموال الزكاة ويتملكها ويعمل بها مستحقي الزكاة:

(1)

المشروعات الإنتاجية، وتتمتع بمجموعة من الميزات ومنها توظيف عدد أكبر من العمالة وتحقيق تدفقات نقدية عالية كما أنها تخدم السوق المحلي ويمكن تصدير منتجاتها ومن أمثلة هذه المشروعات: صناعة الملابس، صناعة الأغذية، صناعة قطع الغيار، صناعة الأثاث، صناعة مواد البناء البسيطة،صناعة الأدوات المنزلية، صناعة النسيج.. إلخ. 

(2)

المشروعاتالحرفية وتتميز بـكونها تضمن استمرار الحرف خاصة التقليدية منها، وتضمن استدامة العمل ذلك أن الحرفي المتمسك بحرفته يحاول دائما مسايرة التطورات الحاصلة فيها وهذا ما يضمن استقرارا في شغل وظائفها، كما تضمن تدفقات نقدية مستمرة، بخلاف أن تكاليف تمويلها معتدلة، ومن نماذج أنشطة هذه المشروعات: صناعة الفخار التقليدي، صناعة مشغولات الحديد، النقش على الخشب، النقش على النحاس، النسيج البسيط، وغير ذلك وجميع هذه الصناعات تخدم السوق المحلي ويمكن تصديرها للخارج.   

(3)

المشروعات الطبية وشبه الطبية وتتميز بـكونها: تضمن العلاج بتكلفة أقل،وتضمن توفير فرص عمل دائمة، بالإضافة إلى استمرارية التدفقات النقدية حيث تكون هذه المشاريع مربحة خاصة إذا كانت نوعية الخدمات متميزة.

(4)

المشروعات الخدمية والتي تتميز بـكونها تستجيب لحاجات السوق المستمرة وتخدمالأنشطة اقتصادية التي يتطلب دعمها بنشاطات خدميةقد تكون بسيطة في تركيبتها، لكنها مهمة لتوفير محيط استثماري ملائم، وتتصف بتكاليف تمويلها البسيطة، وتوفير فرص عمل كبيرة، بالإضافة إلى تحقيقها لتدفقات نقدية هامة وهذا بالقطع مرتبط بديناميكية النشاط الخدمي الذي يجب أن يٌواكب التطورات المختلفة الحاصلة في المحيط، ومن أمثلة هذه المشروعات: خدمات الصيانة، المغاسل الآلية، البستنة ويقصد بها المشاتل وزراعة البساتين.

 

(5)

المشروعات الفِلاحية: وتتميز بأنها تتسع لطاقة توظيف كبيرة لكونها لا تحتاج إلى عدد كبير من المؤهلين، وأن اكتساب تقنياتها لا يتطلب قدرات فكرية متقدمة، بالإضافة إلى أن تكاليفها شبه ثابتة ومتوسطة، وذات مردود إنتاجي كبير خاصة في الفترات التي تتميز بوفرة المياه والأسمدة وتحقق تدفقات نقدية عالية، ومن أمثلتها: تربية النحل، تربية الدواجن، تربية الماشية، المشاتل، مزارع الفاكهة والخضروات ونباتات الزينة..  إلخ، وجميعها تخدم السوق المحلي ويمكن تصديرها للخارج. 

ثالثا:

البرامج المتخصصة التي يمكن من خلالها معالجة الآثار السلبية للظروف الاقتصادية المحلية أو العالمية خاصة وأن مصر  تعرضت لمثل هذه المخاطر  أثناء جائحة كورونا ومن خلال تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأيضا الآثار السلبية للحرب الحالية على قطاع غزة، ونرى أن مؤسسات وهيئات ولجان الزكاة في مصر اكتفت بتقديم الإعانات والمعاشات النقدية والتعويضات المالية للمتضررين، وهذا يعكس أنها ارتضت فقط بدور الوسيط بين دافع الزكاة ومتلقيها وأنه لم يكن لديها برامج متخصصة واحترافية تقوم على استخدام أموال الزكاة وبطريقة اقتصادية وشرعية لمعالجة هذه الآثار مع الاحتفاظ بمقومات الأعمال والمشروعات واستمرارها، ونطرح من هذه البرامج المتخصصة هذا النموذج للاسترشاد على سبيل المثال لا الحصر: 

صندوق ضمان أمان المؤسسات المتعثرة يتم تمويله عن طريق الزكاة:

هذا المقترح مثال لما يمكن أن تمثله أموال الزكاة كأداة تضامنية تكفل معالجة الآثار السلبية للكوارث التي تؤثر على مسار الاقتصاد والأعمال ومنها كوارث الوبائيات والحروب والحصار الاقتصادي وغير ذلك، والفكرة تؤسس لتأسيس صندوق داخل مؤسسات وهيئات ولجان الزكاة والصدقات يسمح لكل التجار والحرفيين والصناعيين والفئات العاملة المختلفة والمتعددة بأن يصبوا زكاتهم في وقت الرخاء والاستقرار في هذا الصندوق الذي سيكون بمثابة مؤسسة زكاة لتمويل كل  التجار  والصناع المتضررين عند تعرضهم لانتكاسات بفعل الأخطار الاقتصادية وتغيرات السوق المفاجئة.

يبقى بعد كل هذا الطرح أن نتساءل هل يجب أن تتدخل الدولة للرقابة على مؤسسات ولجان الزكاة والصدقات للحد من الإخفاق الإداري ومركزية القرار الفردي وطرح قانون للزكاة والصدقات؟

أعتقد أنه قد بات من المؤكد أن تتدخل الدولة المصرية لإعادة التوجيه الأمثل لأموال الزكاة والصدقات واستثمارها بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وبمحاكاة كافة التجارب المماثلة والناجحة في الدول الإسلامية والتي لها نتائج مؤثرة ساهمت في الحد من الفقر  من خلال الاستغلال الأمثل لأموال الزكاة وهناك الأمثلة العديدة في دول مثل الجزائر وماليزيا وباكستان وغيرها من الدول، وأتصور أنه من الحاجة الماسة الآن التفكير في إصدار قانون تحت مسمى (قانون الزكاة) يٌقنن حٌسن التصرف في أموال الزكاة والصدقات بعيدا عن التجارب الحالية التي تفتقر  لأدق معايير التخطيط الاقتصادي والتنفيذي وللمهنية  والاحترافية والتجاوب مع أخطار المرحلة وتعتمد على استنساخ منجزات الجمعيات والمؤسسات الأهلية الأكثر تأثيرا منها.. وأجدني أناشد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية صاحب إرادة التغيير الأولى في مصر في السنوات العشر الماضية والداعي لأن تكون مصر  أم الدنيا، أن يٌفكر في التدابير اللازمة لحماية أموال الزكاة والصدقات واستغلالها الاستغلال الذي أقره الشرع وفٌرضت من أجله فريضة الزكاة ومنه تحقق المساواة في المجتمع والحد من الفقر  وتحسين جودة الحياة، فمصر تحتاج لحلول وإبداع خارج الصندوق.. والوقت لا يسمح بالتمهل.

وللحديث بقية لنتكلم عن مقترح مشروع (قانون الزكاة).         

أخبار متعلقة :