لم يكن محمد التابعي، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، مجرد كاتب صحفي، بل كان ظاهرة صحفية وثقافية شكلت وجدان مصر في النصف الأول من القرن العشرين، وبمناسبة ذكرى ميلاده، نعود إلى سيرة "أمير الصحافة"، نستعرض محطات حياته، نغوص في كواليس معاركه، ونقرأ سطورًا من كتاباته التي لا تزال شاهدة على عصر كامل من التحولات السياسية والفكرية.
نشأة مختلفة وبداية واعدة
وُلد محمد التابعي في 18 مايو 1896 بمدينة المنصورة، التحق بكلية الحقوق وتخرج منها عام 1923، لكن القانون لم يكن شغفه، فسرعان ما انجرف إلى بلاط صاحبة الجلالة، وبدأ مشواره مع الكتابة الصحفية، حيث عمل في البداية بجريدة الأهالي، ثم انتقل إلى الأهرام، وهناك سطع نجمه.
لكن الانطلاقة الحقيقية كانت في مجلة روز اليوسف، التي انضم إليها في منتصف العشرينات، وسرعان ما تحول من مجرد محرر إلى كاتب الرأي الأول، فصنع من المجلة منبرًا للرأي الحر.
مؤسس "آخر ساعة".. المجلة التي غيرت قواعد اللعبة
في عام 1934، أسس محمد التابعي مجلة آخر ساعة، التي كانت نقلة نوعية في الصحافة المصرية، أدخل فيها التصوير الفوتوغرافي، واستخدم العناوين الجذابة، وفتح صفحاتها للفن والثقافة والمرأة، فاستطاع أن يصل بالمجلة إلى فئات جديدة من القراء.
وقد باعت المجلة آلاف النسخ منذ عددها الأول، وأصبحت منصة لكبار الكتّاب مثل طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف وهبي، ما عزز من تأثيرها الثقافي والسياسي.
معاركه.. من القصر إلى "روز اليوسف"
اشتهر التابعي بمعاركه الشهيرة مع السلطة، لكنه لم يتوقف عند السياسة فقط، بل خاض أيضًا معارك ثقافية وصحفية مع كبار الكتّاب والصحف، أبرزها خلافه مع روز اليوسف نفسها، المؤسسة التي صنعت نجوميته، لكنه غادرها على خلاف شديد معها، ليؤسس مجلته الخاصة.
كما دخل في معركة أدبية شهيرة مع توفيق الحكيم بسبب نقده لرواية عودة الروح، وكذلك مع العقاد في بعض القضايا الفكرية، لكن ظلت علاقاته تتسم بالاحترام المتبادل رغم الخلافات.
التابعي ككاتب مذكرات.. مؤرخ الزمن الجميل
لم يكن التابعي مجرد كاتب صحفي يومي، بل امتد أثره إلى كتابة المذكرات والتوثيق، ففي سلسلة مقالاته "من أسرار السياسة المصرية"، وكتابه "من عمر الصحافة"، قدم شهادات نادرة عن كواليس السياسة في مصر من العشرينات وحتى الخمسينات، كذلك كتب عن الملك فاروق، وحكى عن تفاصيل حياته الشخصية والسياسية في كتابه الشهير فاروق كما عرفته.
رحيل جسد وبقاء قلم
رحل محمد التابعي عن عالمنا في 24 أبريل 1976، بعد أن ترك خلفه إرثًا صحفيًا وأدبيًا لا يُنسى، عاش صحفيًا نزيهًا، وكتب بقلم لا يعرف الخوف، وكان شاهدًا وكاشفًا لعصره، في زمن التطبيل أو الصمت، اختار أن يكون "الفارس الذي لا يترجل"، فاستحق بجدارة لقب "أمير الصحافة".
أخبار متعلقة :