تحدث الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي عن الشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور، وكيف تعرف عليه، وذلك في حوار أجري معه على صفحات مجلة الآداب عام 1982، وأجراه الكاتب والمترجم طلعت شاهين.
عبد الوهاب البياتي
يقول عبد الوهاب البياتي: "أول مرة تعرفت فيها على صلاح عبد الصبور شخصيًا، كانت بعد العدوان الثلاثي على مصر عندما أقامت رابطة الأدب الحديث حفل تكريم لي بمناسبة زيارتي للقاهرة، وفي هذا الحفل حضر معظم شعراء مصر الشباب، ألقوا فيه قصائد لتكريمي وكان منهم حجازي وصلاح جاهين وكمال عمار والراحلان نجيب سرور وفوزي العنيتل، كما كان هناك كمال نشأت وبدر نشأت وإبراهيم شعراوي، وكانت هناك خصومات أدبية تنعكس آثارها على مجلة العالم العربي التي كان يكتب فيها الشاعر إبراهيم شعراوي، فحدثت مشادة بين صلاح عبد الصبور وإبراهيم شعراوي لتسوية بعض الخصومات الأدبية الشعرية غير المتكافئة، منذ ذلك الوقت أصبح صلاح صديقًا لي، وكنا نلتقي بين حين وآخر في جروبي ومقهى علي بابا، حيث كان يجلس دائمًا عبد الرحمن الشرقاوي وحسن فؤاد وسلامة موسى معًا".
صلاح عبد الصبور
ويواصل عبد الوهاب البياتي: "كنت أزور صلاح بين حين وآخر في روز اليوسف وكنا نقرأ قصائدنا، بعد ذلك بقليل غادرت القاهرة ولم أعد إليها إلا في عام ١٩٦٤، فعدنا إلى استئناف مشوارنا الطويل، كنا نلتقي في الأهرام بمكتب الدكتور لويس عوض وفي "لاباس" وأحيانًا في فندق سميراميس أو هيلتون، وكانت العلاقات وطيدة، حيث كنا نتناقش عن بعض الكتب والمجموعات الشعرية والأفلام التي نشاهدها، وفي هذه المرحلة جاء إلى القاهرة الشاعر الأمريكي الكبير "روبرت لويل" الذي يعده النقاد ثالث أكبر شعراء أمريكا بعد "ت. اس إليوت"، و"أودن"، وبمناسبة وجوده أقام الدكتور لويس له دعوة في هيلتون دعي إليها حجازي وأنا وصلاح وتعرفنا على الشاعر، وكان قد سبق أن قرأنا له بعض القصائد وتعرفنا عليه من خلال أشعاره، فكانت فرصة مواتية أتاحها لنا الدكتور لويس عوض".
يكمل: "كما تعرفنا بمكتبه بالأهرام على العديد من الشخصيات الثقافية العربية والأجنبية، أذكر منهم المستشرق الكبير جاك بيرك، وكنت ألتقي دائمًا بصلاح في مكتبه بالأهرام، حيث كان يعمل محررًا أدبيًا بالقسم الثقافي، أو في بيته أو في بيت حجازي أو الدكتور لويس عوض، وكنا نتحاور وكان الدكتور لويس يبدي العديد من الملاحظات حول الشعر العربي بشكل عام وحول شعرنا بشكل خاص، وظلت علاقتي بصلاح مستمرة حتى عودتي إلى الوطن عام ۱۹۷۲، وكان آخر لقائي به في مهرجان المتنبي الذي عُقد في بغداد حيث كان قادمًا من الهند التي كان يعمل فيها مستشارًا، وكان هذا اللقاء الأخير حميمًا بيني وبينه وبين فاروق خورشيد الذي كان هو أيضًا في زيارة لبغداد".
ترجمة كازانتزاكيس
ويواصل: "وفي لقائنا هذا استعدنا ذكرياتنا المشتركة بالجمعية الأدبية المصرية بالقاهرة التي كانت تجمعنا بأصدقاء مشتركين كالدكتور عز الدين إسماعيل، كانت لقاءاتنا تتميز بالصراحة التامة فقد كان يحمل معه الى القاهرة حزن الريف المصري، وتحفظًا إنسانيًا، وخوفًا من المدينة ومذلاتها ليقيم توازنًا بين شخصيتيه كإنسان وشاعر، وكان من الأدباء القلائل الذين يلتقي في بيته كثير من الأدباء العرب والمصريين حتى لو كانت بينهم خصومة، وكان مثالًا للكرم وكثيرًا ما كان يهتم بدعوة الأدباء العرب الذين يزورون القاهرة، فقد كان يدعوهم إلى بيته أو إلى المنتديات الأدبية وكان دائم المتابعة والاهتمام بكل ما ينشر في العالم العربي والعالم، وأذكر من مشاريعه الأدبية التي حدثني عنها، مشروع ترجمة أشعار الكاتب اليوناني كازانتزاكس الكاملة الى اللغة العربية وكان دائمًا يحمل معه مجموعته الشعرية ولا أدري هل ترجم هذه الاشعار أم لا، وربما ترك بين أوراقه بعض ترجماته لهذه الاشعار، كما أنه اهتم في السنوات الأخيرة من حياته بأشعار الشعراء الشرقيين، وبشكل خاص شعراء الهند وإندونيسيا، وأثناء زيارته لمهرجان المتنبي، أذكر أننا تحدثنا بشكل تفصيلي عن الشاعر الهندي العظيم أسد الله غالب، الذي كتب عنه أستاذنا الكبير يحيى حقي وترجم بعض أشعاره ونشرها ضمن أحد كتبه".
ويختتم: "ومن المصادفات الغريبة أننا كنا نقتني المجموعة الشعرية نفسها لهذا الشاعر، وهي المجموعة المترجمة إلى اللغة الإنجليزية التي نشرتها جامعة "برنستن" الأمريكية وكانت الترجمة الإنجليزية منشورة إلى جانب النص الأصلي باللغة "الأوردية" وهي لغة الشاعر، والترجمة الإنجليزية لم تكن واحدة بل ثلاث ترجمات لكل قصيدة، واحدة منها بقلم أحد الشعراء الهنود والثانية نثرية بقلم شاعر أمريكي والثالثة شعرية بقلم شاعر أمريكي أيضًا، وقد تحدثنا عن أمانة ودقة هذه الترجمة المثالية وكنا نطمح لشعرنا العربي أن يترجم بهذا المستوى نفسه".
أخبار متعلقة :