أبدى عدد من السياسيين والخبراء الفلسطينيين تفاؤلهم الحذر حول قرب توقيع اتفاق التهدئة فى قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، محذرين من محاولات إسرائيلية للتنصل من بعض البنود، وعدم الوفاء بمراحل التهدئة المتفق عليها وصولًا لوقف الحرب نهائيًا، وذلك عبر استغلال بعض الثغرات فى الاتفاق من أجل التصعيد مجددًا.
ووجه السياسيون والخبراء الفلسطينيون، خلال حديثهم إلى «الدستور»، الشكر لمصر على الجهود التى بذلتها طيلة الأشهر الماضية، من أجل وقف الحرب فى غزة، والتى استكملت بجهود الوساطة المصرية القطرية، متوقعين أن تشهد الأيام القليلة المقبلة الإعلان عن إتمام الصفقة، ودخولها حيز التنفيذ، وهو ما قد يحدث بالتزامن مع عودة الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ثائر أبوعطيوى: نضوج عمليات التفاوض وفى انتظار التوقيع
أوضح ثائر أبوعطيوى، الكاتب السياسى الفلسطينى، أن كل المعطيات تشير إلى نضوج عملية التفاوض الحالية بشأن الهدنة فى غزة، التى وصلت إلى المرحلة النهائية، وفى انتظار التوقيع على صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين بين حماس وإسرائيل، بضمانات الوسطاء، وتعهد أمريكا بإلزام إسرائيل بكل ما تم التوقيع عليه والخاص بالمرحلة الأولى من الاتفاق، وصولًا لإنهاء كل المراحل لوقف الحرب على غزة بشكل نهائى، ضمن مدة زمنية محددة.
وقال «أبوعطيوى»: «الجهود المصرية المشكورة التى انطلقت منها المفاوضات الحالية أثمرت بالبشريات السعيدة، واستعادة الأمل لأهلنا فى قطاع غزة، وتم استكمالها فى الدوحة، ويتبقى خلال اليومين المقبلين انتظار الإعلان عن الوصول لاتفاق لإتمام صفقة التبادل، ودخول الهدنة حيز التنفيذ».
وأضاف: «بات من الواضح أن المفاوضات، التى انطلقت بجهود مصرية قطرية، من أجل إنجاز صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحماس، تكللت بالنجاح هذه المرة، بناء على آخر المستجدات الإعلامية والتصريحات الصحفية من كل الأطراف ذات الصلة»، متوقعًا أن يتم الإعلان عن الاتفاق يوم الخميس المقبل على أقصى تقدير. وتابع: «بناء على مسودة الاتفاق، التى تم عرضها ومناقشتها من قبل حماس وإسرائيل، فمن المتوقع أن يتم اعتماد الصفقة قريبًا من قبل الحكومة الإسرائيلية، وفى المقابل، فقد وصل وفد رفيع المستوى من حركة حماس إلى الدوحة، يترأسه القيادى خليل الحية، من أجل مناقشة الصفقة مع الوسطاء، وقد أشارت حماس إلى موافقتها، وقالت إنها لا تبدى أى اعتراض على أى من البنود أو تطلب أى تعديلات، الأمر الذى يعنى أن الكرة الآن فى الملعب الإسرائيلى، وتنتظر عرض الصفقة وبنودها على وزراء حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والمسئولين الإسرائيليين، للتصويت عليها بالموافقة».
وتوقع «أبوعطيوى» أن تشهد الأيام القليلة المقبلة قمة كبيرة لإعلان الاتفاق، بحضور ممثلين عن الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب، مع استكمال باقى البروتوكولات والمراسم من أجل التوقيع، وضمان سير الصفقة دون معوقات أو عراقيل.
أيمن الرقب: التفاصيل تشبه الاتفاق السابق.. ومخاوف من «اليوم التالى»
أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس وعضو حركة فتح، أن الاتفاق الحالى الذى يتم الحديث عنه بشأن التهدئة فى قطاع غزة لا يختلف كثيرًا عن الاتفاق الذى تمت صياغته فى شهر مايو الماضى، ولم يتم التوقيع عليه آنذاك.
وأوضح «الرقب» أن الحديث يتمحور حاليًا حول تنفيذ المرحلة الأولى من التهدئة، ما يدعو إلى التفاؤل حول إمكانية أن تسهم هذه المرحلة فى التوصل إلى وقف شامل للحرب.
وقال: «الهدنة، التى دخلت حيز النقاش، يتوقع أن تمتد لعدة أيام قبل أن يتم تنفيذها، ما سيتيح بدء مفاوضات المرحلة الثانية، التى قد تستمر لسبعة أسابيع، وتهدف هذه المرحلة، وفقًا للاتفاق الحالى، إلى بحث صفقة لتبادل الأسرى، تشمل إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين، ومع ذلك، فلم يتم حتى الآن التطرق بشكل حاسم إلى ما سيحدث فى اليوم التالى للحرب، ما يثير تساؤلات بشأن إدارة غزة بعد انتهاء القتال».
وأضاف: «التفاوض على هذه المرحلة يأتى فى ظل استمرار غياب توافق فلسطينى حول مستقبل غزة، وهو ما قد يشكل عائقًا أمام التوصل إلى اتفاق شامل»، محذرًا من أن هذا الفراغ السياسى يعد ثغرة قد تستغلها إسرائيل، لتبرير عدم التزامها بأى اتفاق مستقبلى، إذا استمر عدم وجود سلطة فلسطينية موحدة وقادرة على إدارة القطاع.
نزار نزال: «نتنياهو» يسعى للمكاسب لكن القضايا المعقدة لم تحل
رأى الدكتور نزار نزال، الكاتب السياسى الفلسطينى، أن الهدنة المرتقبة تعد «هدنة إنسانية بالمطلق»، وليست ذات طابع سياسى، مشيرًا إلى أن القضايا المعقدة بشأن غزة لم تُحل بعد، بل تم ترحيلها إلى مفاوضات لاحقة.
وقال: «من المتوقع أن تبدأ المشكلات فى اليوم السادس عشر من الهدنة، والمفاوضات المقبلة ستتناول قضايا صعبة، منها انسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزة، وهو أمر يبدو مستبعدًا فى هذه المرحلة».
وأشار إلى أن الشارع الإسرائيلى يشهد حالة من التوتر والغليان، خصوصًا إذا لم يتم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، مبينًا أن نتنياهو يحاول استغلال الهدنة لانتزاع تنازلات من الولايات المتحدة، بما يشمل تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية والأمنية.
وأردف: «الجهود التى بذلتها مصر وقطر أسهمت فى التوصل إلى هذه الهدنة، لكنها تبقى هدنة إنسانية بحتة، والمطالب الإسرائيلية، مثل إقصاء (حماس)، وتجريدها من السلاح، وعدم الانسحاب من قطاع غزة، ستظل عقبات رئيسية أمام أى اتفاق مستدام»، مشددًا على أن هذه القضايا المعقدة قد تتحول إلى ألغام سياسية، تعوق الوصول إلى وقف نهائى لإطلاق النار.
ناصر الصوير: الثغرات لا تزال كثيرة و«الشيطان يكمن فى التفاصيل»
أكد الدكتور ناصر الصوير، الكاتب السياسى الفلسطينى، أن اتفاق الهدنة المرتقب بشأن إيقاف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يحمل فى طياته العديد من الثغرات التى قد تؤدى إلى إفشال الصفقة، مشيرًا إلى أن التفاصيل الدقيقة فى الاتفاق تعكس نوايا خفية من الجانب الإسرائيلى.
وقال «الصوير»: إن بنود الاتفاق المعلن عنها محملة بالكثير من التأويلات والتفسيرات، التى صممت عمدًا لخلق حالة من الغموض والتلاعب فى التطبيق، موضحًا أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يستغل هذه الهدنة لتحقيق مكاسب سياسية، داخلية وخارجية، وقد أشار فى تصريحات لأعضاء حكومته اليمينية المتطرفة إلى أن الاتفاق سيوفر أرباحًا استراتيجية كبيرة.
وأضاف: «من أبرز المكاسب للاحتلال أن الاتفاق يدفع نحو تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وهذه الخطوة تمثل كسرًا للحاجزين النفسى والمعنوى بين الاحتلال والعالم الإسلامى، لأن السعودية، باعتبارها القلب النابض للعالم الإسلامى، ستكون مفتاحًا لتوسيع دائرة التطبيع فى المنطقة».
وتابع: «الهدنة محاولة لذر الرماد فى العيون، لأنها لن تحل القضايا العالقة، والتاريخ الإسرائيلى يعج بالأمثلة التى تثبت أن دولة الاحتلال تتراجع عن التزاماتها بعد تحقيق أهدافها، والشيطان يكمن دائمًا فى التفاصيل، التى تتيح لإسرائيل التملص من الاتفاقيات».
وربط «الصوير» اتفاق الهدنة المرتقب بتحركات سياسية دولية، مشيرًا إلى أن الاتفاق الحالى يأتى بتنسيق بين «نتنياهو» والرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، الذى يستعد للعودة إلى المشهد السياسى. وتابع: «الإعلان عن الهدنة سيستخدم لتعزيز صورة ترامب كقائد عالمى، ليظهر بمظهر من نجح فى وقف الحرب قبل العودة إلى البيت الأبيض، وفى الوقت نفسه، سيستغل نتنياهو هذه التطورات لتحقيق مكاسب إقليمية من خلال الضغط على السعودية لتوسيع مسار التطبيع».
وحذر من مخاطر كبيرة بسبب افتقار الجميع إلى المعلومات الدقيقة عن أوضاع المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع، وما إذا كانوا جميعهم على قيد الحياة، ما يعنى أن إسرائيل قد تستخدم هذه المعلومات لاحقًا كذريعة للتراجع عن التزاماتها.
أخبار متعلقة :